المتاحف الفرنسية تلجأ إلى الجمهور بسبب التقشف

مديرو المؤسسات الثقافية في باريس لجأوا إلى مناشدة العامة لتمويل شراء المقتنيات

البانثيون، الذي يضم رفات الشخصيات الفرنسية الرائدة مثل فيكتور هوغو، وألكسندر دوماش («نيويورك تايمز»)
TT

ربما يكون المصطلح الفج لوصفها هو التسول، لكن الفرنسيين يفضلون وصفا أرق حدة يطلقون عليه «التمويل التشاركي».

ومقابل أقل من يورو يمكن لعشاق الفن الانضمام إلى حملة جمع التبرعات التي تعمل لتجديد قبة البانثيون (مقبرة العظماء) في باريس، حيث انطلقت في فرنسا حملة تحت عنوان «شارك ببضع مئات أكثر وسوف تحصل على دعوة من مركز المتاحف الوطنية، الهيئة المسؤولة عن المعالم الفرنسية الشهيرة، لحضور حفلة هناك».

فقد ترغب في مساعدة اللوفر وشراء تمثالين من العاج يعودان إلى القرن الثالث عشر أو متحف الفن الحديث في ليون للحصول على لوحة إنغريس الزيتية، إنه مغرٍ للغاية، أليس كذلك؟

تدابير التقشف التي أصابت الفن في مختلف أنحاء القارة أثارت القلق في فرنسا على وجه الخصوص، حيث كان الإنفاق الثقافي مقدسا إلى حد بعيد، إلى حد أنه كان يعد أحد الاستثمارات التي تتبناها حكومات اليمين واليسار على حد سواء. لكن مديرو المؤسسات الثقافية الكبرى في باريس لجأوا الآن إلى مناشدة العامة لتمويل شراء المقتنيات الجديدة، وجمع المال لا من خلال التودد إلى الأثرياء بل من خلال المواطنين العاديين.

لسوء الحظ لم يسجل المساهمون قيمة مساوية لما جمعته حقائب بي بي إس. لكن المسؤولين لجأوا إلى عدد كبير من المغريات بدءا من التذاكر المجانية إلى دعوات الحفلات التي تم توزيعها لإظهار حسن النوايا. فكان من بين ذلك على سبيل المثال «تبرع لدعم بانثيون وستنشر صورتك على نصب مؤقت خارج المبنى».

حتى الآن أثبتت المناشدات فاعلية. فبمساعدة 2,500 مساهم استطاع متحف اللوفر جمع 654,000 دولار لشراء مجموعة من التماثيل الصغيرة التي تقدر بنحو 3.4 مليون دولار. وتمكن متحف ليون من جمع 91,000 دولار لشراء اللوحة التي رسمها جان أوغسطس دومينيك إنغريس التي تصور كاتب عصر النهضة بيترو آرتينو يلتقي مبعوث تشارلز الرابع والتي تقدر بنحو مليون دولار.

خلال حملة جمع التبرعات الأولى للبانثيون، الذي يضم رفات الشخصيات الفرنسية الرائدة مثل فيكتور هوغو، وألكسندر دوما، اللذين دفنا في الحي اللاتيني، وضع المسؤولون عمدا هدفا أوليا متواضعا بجمع 6,500 دولار لتجنب إيذاء المتبرعين، وسرعان ما تجاوزت التبرعات هذا المبلغ، فخلال أربعة أسابيع فقط تمكن المتحف من جمع 34,000 دولار. واستطاع جذب أكثر من 450 مساهما، بسبب مناشدات التضامن الاجتماعي.

ويقول سيريل غويرينيو، 36 عاما، ضابط شرطة من خارج باريس، عن تبرعه بمبلغ 395 دولارا: «أنا أعشق التاريخ ولذا أعطيتهم 300 يورو، إنه الرمز الأشهر في بلدنا ويضم رفات الكثير من الشخصيات اللامعة التي تمثل التاريخ الفرنسي»، وأشار إلى أنه كان مهتما أيضا بالدعوة إلى الحفل.

حتى اليوم تنفق الحكومة الفرنسية أكثر من ضعف ما تنفقه الحكومة الألمانية، جارتها الأضخم والأكثر ثراء، على المشاريع الثقافية. لكن خفض ميزانية الثقافة بأكثر من 4 في المائة لتصل إلى 3.1 مليار دولار كان الأول منذ 30 عاما. وهو ما قلص الأموال المخصصة لشراء اللوحات الفنية من 26 مليون دولار في عام 2009 إلى 11.1 مليون دولار في الوقت الراهن.

ودفعت التخفيضات المؤسسات إلى البحث عن موارد إضافية، إحدى نتائج ذلك أن تحولت التماثيل العارية التي تعود للعصور الوسطى والمعالم الشهيرة والتمثال العاجي لشخصية الكنيس الرمزية معصوبة العينين إلى أدوات لجمع التبرعات، وكتب المتحف على موقعه على الإنترنت: «كن راعيا بنقرتين».

وقال فيليب بيلافال: «رئيس هيئة المعالم السياحية، التي تعمل مع شركة فرنسية جديدة، ماي ميجور كومباني، في جمع التبرعات، في مشروع تجريبي لجمع الأموال لأربعة معالم سياحية بالولاية، من بينها مشاريع تجديد في بأنثيون وجبل القديس سان ميشيل: «واجهنا جميعا نفس الحقيقة واتبعنا نفس المسار».

وأضاف: «حصلنا من خلال جمع التبرعات من المواطنين على ميزة المنافسة. فآثارنا جزء أصيل من بلدنا والوعي الجمعي للأفراد».

وأبدت هيئة الإشراف على المعالم السياحية سعادة كبيرة بالنتائج الأولية، حيث أكد بيلافال، إن الهيئة تفكر في التوسع إلى اليابان التي يشكل مواطنوها نسبة 30 في المائة من زائري مونت سان ميتشل. وقد أرسلت شركة ماي ميجور كومباني هذا الشهر رسائل إلى أكثر من 300 عمدة فرنسي تحثهم على جمع تبرعات عبر الإنترنت للمشاريع المدنية المحلية.

وتأسست الشركة عام 2007 في فرنسا لتمويل المشاريع الموسيقية، وبدأت بدعم المعالم الثقافية بعد طرح الفكرة على وزارة الثقافة. وأشار ميشال غولدمان، 33 عاما، مؤسس شركة ماي ميجور كومباني إلى أن الحكومة الفرنسية انبهرت بالفكرة على الرغم من القلق بشأن التصورات في دولة تلعب فيها أموال الضرائب دورا تاريخيا في تمويل الفن أكثر من نظيراتها، كالولايات المتحدة على سبيل المثال. وقال: «إنه حل واقعي لكثير من المجالات التي تعاني من أزمات».

تمويل الجمهور للفن يمارس فعليا في الولايات المتحدة من قبل الفنانين أنفسهم بدلا من المؤسسات. وقد زادت الكثير من المنظمات الفنية الأوروبية من مناشداتها للمانحين والذين عادة ما يكونون نفس الأثرياء الأميركيين الذين يمثلون العمود الفقري لميزانية الثقافة في الولايات المتحدة. وفي فرنسا يمكن للتبرعات الشخصية جمع ما يقرب من 66 في المائة من الضرائب التي تم خفضها.

وخلال السنوات الثلاث الماضية أثبت اللوفر أنه المتحف الأكثر قدرة على الحصول على دعم الآلاف من المتبرعين عبر الإنترنت. وقد تمكن المتحف خلال حملته الأولى من جمع 1.6 مليون دولار من 7,000 متبرع لشراء لوحة زيتية للفنان لوكأس كراناش.

ولم تتمكن بعض المعالم الأقل شهرة - مثل تمثال هيبومينيس في متنزه سان كلود خارج باريس من جمع أموال كبيرة، إذ لم يجمع سوى 17 في المائة من 13,000 دولار مستهدفة للمساعدة في تسديد ثمن التجديدات.

وأشار بيلافال إلى أنه غير قلق بشأن سرعة التبرعات على وجه التجديد وقال: «كي تقيس جبلا يجب أن تبدأ بجبل صغير».

شهد التاريخ الفرنسي سابقة مماثلة فقد تطلب الانتهاء من البانثيون أكثر من 30 عاما خلال القرن الثامن عشر، بسبب العجز المالي الشديد. والآن يتوقع أن تتكلف المرحلة الأولى من تجديد القبة 25 مليون دولار.

وقد خاضت دول أخرى مثل بريطانيا وهولندا وألمانيا نفس النوع من طلب التمويل عبر الإنترنت. فحاول مهرجان غوتينغن إنترناشيونال هاندل في ألمانيا استخدام الفيديو لجمع 20,000 دولار لإقامة حفل موسيقي مجالي في حظيرة قطارات قديمة. وقد تم إغراء المانحين بهدايا مختلفة - مقابل 33 دولارا تبرعا - شملت قسيمة جيدة للحصول على مقانق ومشروبات غازية. وقد أخفق المنظمون في جمع المال ومن ثم لم يقم الحفل، لأن المنظمين قالوا إن الأفراد وجدوا صعوبة في دفع المال مقابل شيء توقعوا أن تقوم المؤسسات المحلية بتمويله مهما كان الأمر.وقال توبياس وولف، المدير الإداري للمهرجان: «الدرس الذي تعلمناه من هذه التجربة الصغيرة هو أنك بحاجة إلى عنصر الضغط لدفع الأفراد إلى التبرع».

* خدمة «نيويورك تايمز»