إبراهيم الخبراني يثير سؤالا حول المرأة بصريا

في معرضه الأول «تجاوز»

TT

في معرضه الشخصي الأول الموسوم «تجاوز» المقام في صالة العالمية للفنون بمدينة جدة يقدم الفنان إبراهيم الخبراني (1973) تجربتين منفصلتين الأولى حول المرأة كثيمة تحتل مناخ اللوحة وتحتفي بها مستلهما من بلاغة حضورها أسئلة تثير ذاكرة المتلقي بل وتحرضه على الوقوف على ما يمكن أن تعبر عنه وتختزله هذه التجربة وفق معطياتها الفكرية والجمالية.

وتفضي هذه التجربة إلى حمولات تتصل بإيقاعات شكلية متماهية للمرأة تعززها طبقات الألوان وعمليات من التقنيات وخطوط متضاربة وأشكال تبدو حيوية متناثرة على تضاريس اللوحة حتى إنها توحي مرة بأنها واضحة بينما بعضها يتلاشى كما لو أن هناك حركة مستمرة أسهمت كثيرا في تعزيز صوتها الموسيقي. ويعمد الفنان إلى استخدام الألوان النافرة والحارة كالأحمر الصارخ لتشكل في كل الأحوال كتلا متحركة ومتناغمة تعزز من بنية النص البصري الجمالي وتكشف مدى حساسيته في صباغة ألوانه والعناية بها ولا يكتفي الخبراني بهذه التقنيات فحسب فقد يلحظ المتلقي مدى بلاغة ضربات الفرشاة الممزوجة وفق علاقات تقنية مفعمة بالخصوصية والبراعة كما يظهر على جدران لوحاته. يقول إبراهيم: «إن تجربتي التجريدية تذهب إلى تحديد رغبتي بإعادة خلق عالم متخيل يأتي في كل الأحوال وفق مكتسباتي وخبراتي المحسوسة والتخيلية التي تستمد حضورها الجمالي من سيادة الألوان التي أستلهم بها أعمالي».

من هنا يعمد الفنان إلى إبراز صورة المرأة باعتبارها عنصرا أساسيا في المجتمع وباعتبارها رمزا يمكن التعاطي معه من خلال الفن والذائقة البصرية. ومن خلال اختزال صورتها الجمالية وفق إشارات وإيقاعات شكلية متبادلة تقع أهم علاماتها في الحوار المشترك والمتبادل بين المرأة ونفسها وهو ما يلاحظه المتلقي في معظم الأعمال كما لو كانت القضية معنية بها كجنس فحسب.

ولا تقف الصورة عند هذا الحد بل تجد المرأة في هيئات وحركات تتقارب وتتقاطع بشكل واضح في القياسات والاتجاهات والفراغات التي تحكم بنية وإيقاع العمل الفني. غير أن ما يثير حضورها في جسد اللوحة ليست هذه العلامات فحسب بل ما يتعمد الفنان إيصاله بشكل صريح وواضح في وضع خط فاصل في كل لوحة يقع أمام المرأة ربما يمنع تحركها أو وصولها أو تجاوز الأفق المحدد لها، إنه خط بصري يشبه الحاجز قد يكون حقيقيا أو وهميا تبعا لشكله البصري، فمرة تجده صارما حادا، ومرة فيه من المرونة ما يسمح بالتجاوز، ومرة تجده متقطعا بينها مسافات متحررة ومتباعدة ربما تفي أغراضها.

ولعل هذا الخط وبهذه الصور الجمالية المتعددة يصبح إشارة رمزية تقبل تعدد التأويل والاستنتاجات كما تعطي المتلقي حق اختيار ما يراه مناسبا لها في ذاكرته البصرية وحسب ما تمليه عليه مكتسباته الجمالية. إن أشد ما يمكن أن يقوم به الفنان رهافة في طقوسه الجمالية هو أن يطرح الموضوع من دون أن يدلي برأيه مثله مثل ثقافة السؤال الذي يحرض الذاكرة الإنسانية على الحوار والجدل والإبداع وعلامات الاستفهام.

إن الحالات الشكلية التي وضع فيها الفنان المرأة تثير اهتمام المتلقي على الأقل في الجو العام كما في حالات تجمع النسوة في جو ربما من الفوضى وربما العكس يقول إبراهيم عن هذه التجربة، «إن البشر المزدحمين على سطح اللوحة دلالة على أن المشكلة ليست فردية بل تعبير عن الفردي والجماعي معا». وهو ما يعني أن المسألة ليست خاصة بقدر ما هي عامة، كما أنها معنية بالمرأة وحدها وفي كل الأحوال فإن الفنان ركز في هذه المجموعة على أمرين، الأول، أن القضية قد تخص مجتمعا، والثاني، أنها معنية بالمرأة فحسب وعلى المتلقي أن يصبغ عليها رؤيته كيفما كانت.

أما المجموعة الثانية فإنها تميل إلى التجريدية التي استلهم من طقوسها المتعددة مرفأ حيويتها اللونية التي أبرزت بلاغة حساسيته التقنية واللونية وفتنة معطياته التي كرس حضورها وفق العلاقة التي تحتمها عليه اللعبة الجمالية منحازا إلى دراسات اللون وتحولاته الجمالية التي تنشأ أثناء تقاربها أو تباعدها على سطوح اللوحة، وهو يجيد اختبارها مرة بعد أخرى بل ويعيد ترتيبها وفق ما تمليه عليه حواسه البصرية. إنه ببساطة يريد استكشاف خصوصيته الذاتية وذائقته مع الألوان وفق مجموعاتها التي تعزز من انتمائها الجمالي يعد إبراهيم الخبراني أحد الفنانين الشباب في المحترف السعودي الذين تسعى تجاربهم إلى تكريس حضور الفن الجمالي الجاد والواعي برسالته في الواقع المحلي وهو ما تقع فيه تجربة هذا المعرض تحديدا شارك في الكثير من المعارض المحلية والدولية وحصل على جوائز محلية في غير مناسبة.