دراسة أميركية: خلايا شيخوخة الجلد القديمة تعود شابة مرة أخرى

الفريق البحثي نجح في جعل خلايا الجلد لمواطنين من كبار السن تعود مثل الخلايا الأصغر سنا

TT

مع مرحلة الشيخوخة والتقدم في العمر تحدث لجلد الشخص الكثير من التغيرات الداخلية والخارجية، من بينها تغيرات هرمونية وتغيرات في الأنسجة، وتغيرات خارجية ظاهرية تتمثل في أن يصبح الجلد خشن الملمس ومتجعدا وجافا ورقيقا ومترهلا، ويكون أقل مرونة وأقل تصلبا، ويتغير لون الجلد وتظهر به بقع لونية داكنة، وتصبح أوردة الجلد وغيرها من هياكل الجلد أكثر وضوحا بكثير، ويكون الجلد أكثر عرضة للإصابة بالكدمات بسهولة. وكلما تقدمنا في العمر فإن الكولاجين الموجود في طبقة الأدمة التي تلي طبقة البشرة (الطبقة العليا الخارجية من الجلد) يغير من طبيعته بحيث يصبح أقل سمكا وأكثر تصلبا.

ولكن هل يمكن جعل خلايا شيخوخة الجلد القديمة تعود وتتصرف كخلايا شابة مرة أخرى؟

الإجابة هي نعم، فقد أعلنت جامعة ميتشغان الأميركية في آن أربور في ميتشغان، على موقعها الإلكتروني، عن تمكن فريق بحثي من كلية الطب بالجامعة من جعل خلايا الجلد القديمة تعود شابة مرة أخرى، وتعزيز المناطق المحيطة بها. وقد نشرت نتائج دراستهم في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالموقع الإلكتروني لمجلة «Journal of Investigative Dermatology»، التي تنشرها مجموعة «نيتشر» للنشر.

فقد نجح الفريق البحثي في دراسته في جعل خلايا الجلد لمواطنين من كبار السن تعود مثل الخلايا الأصغر سنا، وذلك عن طريق إضافة المزيد من الحشو إلى منطقة «مصفوفة خارج الخلية» المليئة بالألياف حول خلايا الجلد، وتعطي قوة ومرونة لها. ففي معظم الأنسجة تكون الخلايا محاطة بمصفوفة خارج الخلية (Extracellular Matrix-ECM)، التي تحتوي على البروتينات مثل الكولاجين ولامينين وفبرونيكتين، والمصفوفة تتألف في معظمها من ألياف الكولاجين، التي تنتجها الخلايا الليفية، وربط الخلايا الليفية بألياف الكولاجين يولد خصائص أو قوى ميكانيكية. وتؤدي مصفوفة خارج الخلية وظائف كثيرة، منها تقديم الدعم وتنظيم الاتصالات بين الخلايا، كما تلعب دورا في تنظيم وظيفة الخلية، حيث تقوم بتنظيم الشكل الظاهري والتكوين الداخلي والوظيفي للخلية، فمصفوفة خارج الخلية تتصرف مثل السقالة التي تؤوي فيها خلايا الجلد. لكن في مرحلة الشيخوخة عندما يشيخ الجلد تصبح مصفوفة خارج الخلية مجزأة، فيحدث تجزؤ وانقسام في الكولاجين، الأمر الذي يؤدي إلى أن تفقد الخلايا اتصالاتها على تلك السقالة، وبالتالي الإقلال من الترابط والدعم بين مصفوفة خارج الخلية والخلايا الليفية، وبالتالي حدوث انكماشات وتجاعيد وتراجع في الخلايا الليفية وانخفاض في وظيفتها، بما في ذلك إنتاج الكولاجين.

وفي هذه الدراسة قام الفريق البحثي من قسم الأمراض الجلدية بكلية طب جامعة ميتشغان بعكس التغيرات المرتبطة بالعمر لحد كبير، وذلك من خلال تعزيز الدعم الهيكلي لمصفوفة خارج الخلية، وذلك من خلال الحشو الجلدي، لعدد من الأفراد تجاوز عمرهم الـ70 عاما، وذلك لحفز الخلايا الليفية لإنتاج الكولاجين. وقد ارتبط هذا التحفيز بزيادة في الخصائص أو القوى الميكانيكية لجلد المتطوعين، والذي استدل عليه باستطالة الخلايا الليفية وامتدادها.

وقام العلماء في دراستهم بحقن 21 متطوعا في الثمانينات من العمر، بحشو يستخدم غالبا كأسلوب تجميلي في الجلد للحد من تجاعيد الوجه، وهذا الحشو يعزز من مصفوفة خارج الخلية، ويقوم بملء الفراغات التي خلفتها الشيخوخة.

ولم يحصل الباحثون في دراستهم المستقلة هذه على تمويل من الشركة المصنعة للمنتج المستخدم في الدراسة، كما لم يكن هناك أي تدخل من الشركة المنتجة له على تصميم ونتائج الدراسة، لكنهم فقط استخدموا منتج الشركة باعتباره وسيلة لزيادة الخصائص أو القوى الميكانيكية لجلد المتطوعين، كما أنهم لم يركزوا على جلد الوجه، نظرا لتأثره على مدى العمر بالتعرض للأشعة فوق البنفسجية والآثار الأخرى، التي تؤدي إلى تدمير ألياف الكولاجين، وبالتالي الإسراع في شيخوخة الجلد، فبدلا من ذلك ركز الفريق البحثي في دراسته على أرداف الجلد التي لم تر النور تقريبا. وبينت نتائج الدراسة أنه بعد أكثر من ثلاثة أشهر بدأت تعبيرات الجينات ذات الصلة بالكولاجين الذي تنتجه الخلايا الليفية في إنتاج المزيد من الكولاجين، وكذلك في الاتصال على نحو أفضل بمصفوفة خارج الخلية. والتعبير الجيني (Gene expression) هو العملية التي يتم من خلالها استخدام المعلومات الجينية في تركيب منتجات الجين الوظيفية، وغالبا ما تكون هذه المنتجات من البروتينات، والتي تتحول إلى بنى ووظائف خلوية.

كما أظهرت نتائج الدراسة أن طبقة الجلد الكاملة قد نمت بصورة أكثر سمكا، واحتوت على الكثير من الأوعية الدموية التي تغذي الخلايا.

ويقول الدكتور غاري فيشر، من قسم الأمراض الجلدية بكلية الطب جامعة ميتشغان الأميركية وكبير المؤلفين لهذه الدراسة الجديدة، إن «تجزؤ مصفوفة خارج الخلية يلعب دورا مهما في شيخوخة الجلد، لكن عن طريق تغيير هذه المصفوفة باستخدام حشو خارجي، وزيادة الضغط الداخلي، وقد أظهرت دراستنا أنه يمكن أن يؤدي ذلك أساسا إلى إعطاء إشارة للخلايا بأن تستيقظ».

ويحذر الفريق البحثي من أن هذا العمل العلمي الجديد لا يعني أنه ينبغي استخدام الحشو التجميلي للجلد في حشو جميع أنحاء الجسم، فبدلا من ذلك تركز هذه الدراسة على أهمية الكشف عن القدرة على تسخير فهم أوسع لمصفوفة خارج الخلية في الوقاية والعلاج. فالفهم الأفضل للكيفية التي تعمل بها مصفوفة خارج الخلية سوف يساعد في الشفاء الدائم وتحسين استراتيجيات مساعدة المرضى.

ويقول الدكتور فيشر إن «هذه الدراسة تدل على أن خلايا الجلد في كبار السن تكون لديها القدرة على الاستجابة بقوة بطريقة إيجابية جدا للتغييرات في الخاصية الميكانيكية للبيئة المحيطة بها». ويضيف فيشر بقوله إنه «لا تزال هناك حاجة لمعرفة المزيد عن كيفية إحساس وشعور الخلايا بالبيئة المحيطة بها، ولكن بصفة عامة أظهرت هذه الدراسة أننا قد أحدثنا تغييرا حقيقيا في السلامة الهيكلية للجلد».

يذكر أن هذه الدراسة قد تم تمويلها من المنح المقدمة من المعهد الوطني الأميركي للشيخوخة، وهو جزء من المعاهد الوطنية الأميركية للصحة، كما أن حشو التجميل المستخدم في هذه الدراسة قد تم التبرع به، من قبل شركة «Medicis» الدوائية الأميركية ومقرها أريزونا، لكن هذه الدراسة تم تصميمها والقيام بها وتحليل وتفسير نتائجها وإعلانها من دون تدخل من الشركة المصنعة للمنتج المستخدم في الدراسة.