المركز الثقافي «أطلس غولف».. حين تتطلع أعين المراكشيين إلى النجوم والكواكب

معه.. صار لليل مراكش سحر آخر

يتميز المركز الثقافي في توجهه وفي ما يقترحه على زواره، من أنشطة علمية («الشرق الأوسط»)
TT

لا يكاد يمر شهر من دون أن يعلن عن افتتاح وحدة فندقية باذخة في مراكش، المدينة المغربية التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى إحدى أهم الوجهات السياحية العالمية.

وفرض تكاثر الوحدات الفندقية وتزايد عشاق وزوار المدينة الحمراء إنشاء مراكز ومركبات ترفيهية وثقافية لتلبية انتظارات الزوار، وإغناء الرصيد الحضاري للمدينة، المتمثل في ساحاتها وأسواقها وبناياتها الأثرية.

ويحرص المسؤولون، محليا ووطنيا، وإن بشكل متأخر بعض الشيء، على أن تترافق مختلف الاستثمارات السياحية المبرمجة بالمدينة، مع تقوية لبنية الاستقبال في معناها الواسع، من خلال إطلاق مشاريع تساعد على الاستثمار العقاري السياحي، مثل توسيع الطرق وتسهيل حركة المرور، وزيادة حجم المناطق الخضراء وإعطاء أهمية للتنشيط السياحي وتهيئة وتثمين الموروث الثقافي والتاريخي والعمراني للمدينة، عبر تأهيل الأسوار والبنايات التاريخية والساحات.

ولوحظ، في السنوات الأخيرة، تزايد منشآت بتوجه يروم إغناء وجهة مراكش وتلبية انتظارات عشاق السياحة العلمية والثقافية. نذكر، هنا، بشكل خاص، «متحف مراكش الكبير» و«متحف النخيل» والمركز الثقافي «أطلس غولف». الأولان يحتفيان بكل ما له صلة بالفنون التشكيلية، فيما يرفع الثالث أعين زواره إلى السماء، حيث النجوم والكواكب.

ويتميز المركز الثقافي «أطلس غولف»، من بين كل هذه المشاريع الثقافية، بتفرده في توجهه وفي ما يقترحه على زواره، من أنشطة علمية وبرامج ثقافية، ما جعله معلمة ثقافية ببعد علمي، هو الذي أقيم في مراكش، المدينة التي عادة ما تقرن زيارتها بزيارة ساحة جامع الفنا والأسواق والأزقة والبنايات الأثرية الموجودة داخل المدينة القديمة، أو التجول بين شارعي جليز ومحمد الخامس وما يضمهما من مطاعم ومقاهٍ ومحلات تعرض أحذيتها وملابسها وعطورها.

وصار لليل مراكش، مع المركز الثقافي «أطلس غولف»، سحر آخر، خاصة عند عشاق النجوم والكواكب، وكل ما يرتبط بعلوم الحياة والأرض والفلك: ليل يحمل رواده إلى عمق سماء المدينة حيث تتجلى عظمة الخالق ويبرز سحر السماء: ليل هادئ يختلف عن ليل ساحة جامع الفنا الصاخب أو حتى عروض الفروسية «عند علي» وما تقترحه محلات السهر، المنتشرة في أكثر من ركن بالمدينة.

ولعل الجميل في المشروع أنه مبادرة استثمارية خاصة، رفع حاملها، عمر الهيلة، المولع بالعلوم والعاشق للثقافة والمبادرات المتنورة، شعار «ركوب تحدي الجهل».

ويمكن القول إن المركز الثقافي «أطلس غولف» هو، بحق، معلمة علمية وثقافية، اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، إذ يضم الفضاء التحتي للبناية مقهى ثقافيا، ومتجرا أعطي تسمية «متجر العلم والاكتشاف». وهو مفتوح أمام الزوار من الطلبة الباحثين والمهتمين، علاوة على رواق يقترح، بين الفينة والأخرى، معروضات من الفن المعاصر، تشمل الرسم والنحت والفن الفوتوغرافي، فضلا عن تقديم عروض موسيقية (خاصة ألوان الموسيقى الكلاسيكية والأندلسية والجاز). كما يقترح هذا الفضاء عرضا يتناول موضوعة الماء، تشمل نافورات وأحواض أكواريوم، بشكل يبرز مختلف الأنظمة الإيكولوجية عبر العالم، ومختلف الحيوانات التي تعيش فيها، ويعطي صورة عن هذه المادة الحيوية، التي جعل الله منها كل شيء.

وصممت بناية المركز الثقافي بشكل روعي فيه أن توفر للزائر فرصة التعرف على كل ما يرتبط بعلوم الأرض والفضاء، إذ نكون مع مكتبة تضمن حواسيب ومراجع ذات طبيعة عملية، تشمل أربعة مواضيع، هي الماء والأرض والسماء والنار. فيما خصص الطابق الأول لموضوع الأرض، من خلال متحف يضم مقتنيات معدنية وخزفية، تضم مستحثات ومعادن وأحجارا وصخورا نيزكية وبركانية وحفريات نادرة، تسافر بالزائر ملايين السنين، في عمق التاريخ.

وتشغل علوم الفلك حيزا أساسيا داخل المركز، من خلال مقراب هو الأكبر من نوعه في المغرب، يتحرك من خلال إنسان آلي لملاحظة النيازك والكواكب، وهو بقطر 600 ملم ويزن 2.2 طن. كما يتوفر المركز على مقراب ثانٍ بقطر 350 ملم، وضع لمساعدة الطلبة الباحثين والمهتمين، خاصة طلبة جامعة القاضي عياض، التي يرتبط بها المركز من خلال اتفاقية شراكة وتعاون.

وشدد طارق خلا، نائب رئيس جمعية الفلكيين الهواة بمراكش، ومسؤول التواصل بكلية العلوم السملالية بمراكش، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على قيمة المركز، كـ«مشروع ثقافي علمي، يعتبر، اليوم، مكسبا ومفخرة لمراكش وزوارها»، مبرزا «أهمية المواضيع والمحاور التي يقترحها على زواره، سواء العموم أو المهتمين والباحثين في المجال».

وثمن طارق خلا ما يقترحه المركز من خدمات، انطلاقا من المقهى الثقافي، وصولا إلى ما يوفره من فرص أمام العموم والمهتمين بعلوم الفلك، مرورا بالطابق الأول، حيث نكون مع موضوع الصلب، من خلال المستحاثات وبقايا الديناصورات والحيوانات التي عاشت قبل ملايين السنين، والصخور الرسوبية البركانية في البحار أو البر، ثم المعادن التي تكون الصخور، والنيازك، علاوة على الأروقة وقاعات العروض والمحاضرات.

وشدد خلا على أن المشروع له بعد علمي أكثر منه تجاري، هو الذي يقدم لتصور جديد من المراكز الثقافية، والذي زادت أهميته بعد الشراكة مع الجامعة.

وأبرز خلا أن المدينة تبقى أكبر مستفيد من مثل هذه المشاريع، التي «تغني وجهة مراكش وتلبي انتظارات شريحة أخرى من السياح المتعطشين للفن والثقافة والعلوم، بحيث ندخل المشروع ضمن خانة السياحة العلمية، خاصة أن المركز دأب على مواكبة مواعيد فلكية وتنظيم مهرجانات ذات صلة بعلوم الفلك».

من جهته، قال فيليب باراكو، مدير المركز، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المركز قيمة مضافة لمراكش، سواء بالنظر إلى توجهه العلمي والثقافي أو لإغنائه وجهة المدينة الحمراء، من خلال تلبية انتظارات شريحة كبيرة من هواة أو محترفي علوم الفلك، ممن يجدون في سماء مراكش فرصة للاستمتاع بوجه آخر من سحر المدينة».

وتوقف باراكو عند انفتاح المركز على المؤسسات والجماعات، وكذا عموم المراكشيين وزوار المدينة الحمراء، بشكل يشيع ثقافة علوم الفلك ويفتح أمام العامة عوالم أخرى من متعة الاكتشاف.