إينغار معلم اليوغا الأسطورة الحية يحتفل بعيد ميلاده الـ94

قدم 15 ألف محاضرة وعرض حي وتتلمذ على يديه ملوك وأمراء في أوروبا

معلم اليوغا إينغار
TT

لقد بدأ في ممارسة لعبة اليوغا من أجل فوائدها البدنية فقط — سعيا وراء الحصول على صحة جيدة ثم كوسيلة لكسب الرزق — إلا أن أسطورة اليوغا الحية بيلور كريشناماشار سونداراراجا إينغار الذي أكمل لتوه عامه الـ94 يحتل المقدمة في نشر هذا الفن من فنون الرياضة البدنية في الغرب في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20. وما زال معلم اليوغا الهندي الشهير يتمتع بوجه يخلو تماما من التجاعيد (رغم اصطباغ شعره المنساب باللون الفضي) وقامة منتصبة وصدر عريض؛ حيث يخصص 4 ساعات يوميا لممارسة اليوغا، على الرغم من أنه لم يعد يعلم اليوغا رسميا. إلا أن اليوغا - تلك اللعبة الهندية القديمة التي يعود تاريخها إلى 5 آلاف عام مضت - قد صارت من الناحية العملية مرادفا لاسم إينغار، ومصطلح اليوغا نفسه معروف للجميع، وتعتبر ممارستها نشاطا عالميا، وحتى من يقللون من شأنها سوف يوجهون على مضض الكثير من الإشادة إلى ذلك الرجل الزئبقي مدبب الأنف أشيب الشعر إينغار.

وإينغار هو الرجل الذي يقف وراء الكتاب الظاهرة «أضواء على اليوغا» (Light on Yoga)، الذي نشر عام 1966 وبيعت منه أكثر من مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، كما تمت ترجمته إلى 18 لغة. وتضم قائمة من تتلمذوا على يديه عازف الكمان يهودي مينوهين والروائي ألدوس هيكسلي والكثير من تيجان الممالك الأوروبية، بالإضافة إلى صفوة الصفوة من المجتمع الهندي، كما أن من بين مريديه نجوم هوليوود من أمثال النجم الرشيق مايكل ريتشاردز بطل المسلسل الكوميدي الشهير «ساينفيلد» وكذلك الممثلة آنيت بينينغ. وتعمل مدارس إينغار لليوجا في أكثر من 250 مدينة حول العالم، ويتضمن سجله 5 ملايين تلميذ ومريد في شتى بقاع الأرض، و15 ألف محاضرة وعرض حي، بل وحتى تسمية أحد النجوم على اسمه، وكل هذا يفسر لماذا احتفل بعيد ميلاده رقم 94 وسط موجة هائلة من التصفيق الجماعي داخل مقر إقامته في مدينة بوني عاصمة ولاية ماهاراشترا غرب الهند.

وعندما قدم أستاذ اليوغا ذو السمعة العالمية إينغار لأول مرة إلى مدينة بوني عام 1936، اضطر إلى أن يقتات على ماء الصنبور والأرز فقط، إلا أنه بمنتهى العزيمة والإصرار أحدث ثورة في عالم اليوغا سرت في أرجاء المدينة ومنها إلى جميع أركان الكرة الأرضية. ومع اعتزال إينغار التعليم تدريجيا، بدأ اثنان من تلاميذه يحلون محله كأساتذة للعبة، وهما ابنته غيتا وابنه براشانت، إلا أنه مستمر في ممارسة اليوغا بصورة يومية، وعلى الرغم من شرخه في العقد التاسع من عمره بعدة أعوام، فهو ما زال قادرا على الوقوف على رأسه والبقاء في ذلك الوضع لمدة نصف ساعة.

ولد إينغار في ولاية كارناتاكا التي تقع جنوب الهند يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) عام 1918، في أوج انتشار وباء الإنفلونزا الذي اجتاح العالم في ذلك العام، وكان ترتيبه رقم 11 من بين 13 طفلا، بقي منهم 10 على قيد الحياة. ولم تكن فرص نجاته من ذلك الوباء كبيرة، فقد كان هزيلا مريضا، واتسمت طفولته بنوبة مرض تلو الأخرى، وكان أبرز هذه النوبات سقوطه فريسة للملاريا والتيفود والسل، وفي مرحلة من المراحل كان الأطباء يتوقعون ألا يعيش بعد سن الـ20. وقد منعته نوبات المرض المستمرة تلك من الذهاب إلى المدرسة لفترات طويلة، مما أثر كثيرا على مسيرته التعليمية.

وقد كان صهر إينغار - شريمان تيرومالاي كريشناماشاريا - يعمل معلما لليوغا وعالما فيها، وكان يقدم خدماته إلى إحدى أسر النبلاء الهندية في مدينة ميسوري. وفي عام 1934، وجه كريشناماشاريا - الذي أسهم في ابتكار أسلوب «الهاثا» (hatha) في اليوغا الذي يمارسه الكثيرون حاليا - الدعوة إلى إينغار للانتقال مؤقتا إلى مدينة ميسوري من أجل الاعتناء بالأسرة أثناء انشغاله بإعطاء دروس اليوغا في أجزاء أخرى من المنطقة، كما طلب من إينغار ممارسة اليوغا من أجل تحسين صحته. وفي البداية كان الرجل «عنوانا سيئا للعبة اليوغا» فعندما كان ينحني إلى الأمام كان بالكاد يستطيع لمس ركبتيه، ناهيك عن لمس قدميه. ولم يكن نظام التعليم القاسي الذي يتبعه كريشناماشاريا يحببه إلى قلوب تلاميذه، الذين غالبا ما كانوا يتسللون للهروب من دروسه. وكان إينغار في البداية فاتر الحماس بقدر ما كان الآخرون. وذات مرة أجبره كريشناماشاريا على أداء تمرين خاص بفتح الحوض (split) لم يكن مهيئا لأدائه، مما أدى إلى إصابته بتمزق في الأربطة وعدم قدرته على المشي لفترة، بيد أن إينغار لاحظ أنه لأول مرة في حياته قد صار أقوى، مما أكسبه العزيمة والإصرار في التدريب.

وجاءت لحظة مجده عندما هرب التلميذ الأثير لدى كريشناماشاريا قبل أحد العروض المهمة، وقدم الفتى القبيح إينغار أداء خاليا من أي أخطاء، وقد أبلى بلاء حسنا إلى درجة أنه تمكن من الانضمام إلى معلمه في الفصول والعروض الأخرى، وفي الوقت المناسب كان معلمه قد لان بما يكفي لأن يقدم إليه ميدالية ذهبية محفورا عليها عبارة: «Yoganga Sikshaka Chakravarti» (أي: الملك بين معلمي اليوغا). ويقول إينغار عن دور رياضة اليوغا في حياته: «أغلب الظن أنني كنت سأموت منذ وقت طويل. لم أكن سأعيش إذا لم أمارس اليوغا؛ لأنني كنت أعاني السل. وحتى في شركة التأمين، كان الأطباء يدركون أنني لن أعيش طويلا. كان عمري حينها 25 عاما، وأنا الآن في الـ94 من عمري، وبالتالي فإن اليوغا منحتني عمرا إضافيا قدره 70 عاما. كم أنا سعيد بهذا!» وقد كان نجم الكمان الكلاسيكي الأميركي يهودي مينوهين هو من أوصل إينغار إلى الشهرة العالمية، فاللقاء الأول الذي استغرق 5 دقائق بين الرجلين عام 1952 تحول إلى جلسات تمتد عدة ساعات، ثم أصبح إينغار ومينوهين صديقين، وارتقى مينوهين بمستواه في العزف على آلة الكمان الذي يقول إنه تحقق بعد أن بدأ في ممارسة اليوغا وبعد أن جعل إينغار معلم اليوغا الشخصي الخاص به وجعله يقدم دروسا في اليوغا في أوروبا والولايات المتحدة. وكانت النتيجة هي فيض من الشهرة والشعبية؛ حيث كان أصدقاء مينوهين ومعارفه مجموعة من كبار المشاهير، فقد تمكن إينغار من تعليم إليزابيث ملكة بلجيكا التي تجاوزت الـ80 من عمرها كيف تقف على رأسها، كما قدم عرضا لليوغا أمام رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي نيكيتا خروشوف، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة عام 1956 بناء على دعوة من ريبيكا هاركنيس وريثة شركة «ستاندرد أويل».

ولكن بحلول السبعينات كان إينغار قد أصبح مؤلفا مشهورا، سواء داخل أميركا أم خارجها، فبعد إصابته بالإحباط من كتب اليوغا الموجودة التي كان يشعر بأنها تخدع المستخدم بتقديم توجيهات غير كافية من أجل بلوغ الأوضاع المبينة في الصور، قام بتأليف كتاب «أضواء على اليوغا» عام 1966، الذي تعاون فيه بصورة مكثفة مع مصور فوتوغرافي التقط له 4 آلاف لقطة في مختلف أوضاع اليوغا أو «أوضاع السكون» (asanas)، وتم منها انتقاء الصور النهائية التي نشرت في الكتاب. وبعد ذلك بـ4 عقود، ما زال كتاب «أضواء على اليوغا» يعتبر المرشد الأبرز في مجاله، كما تظهر بانتظام ترجمات جديدة له إلى لغات أخرى، وكثيرا ما يشار إليه على أنه الكتاب المقدس في عالم اليوغا. وقد قسم إينغار وقته ما بين الهند والغرب على مدار العقود الأخيرة من حياته، وفي عام 1975، أسس «معهد راماماني إينغار التذكاري لليوغا» في مدينة بوني، وقد سمي هذا المعهد على اسم زوجته الراحلة وأصبح مركزا رئيسيا لتدريب معلمي إينغار الجدد. ومن خلال التعاون مع مؤلفين مشاركين من الناطقين باللغة الإنجليزية - مثلما فعل في كتاب «أضواء على اليوغا» - فقد ألف 7 كتب أخرى، من بينها «الجسم هو الضريح واليوغا هي نورك» (Body the Shrine، Yoga Thy Light) عام 1978، و«فن اليوغا» (The Art of Yoga) عام 1985، و«شجرة اليوغا» (The Tree of Yoga) عام 1988، و«الطريق إلى الصحة الكلية» (The Path to Holistic Health) عام 2001، و«أضواء على الحياة» (Light on Life) عام 2005، وقد جمع في هذه الكتب بين نصائح اليوغا العملية وتبصراته الفلسفية وقصص من حياته ومسيرته المهنية الخاصة.

إلا أنه يروي في مذكراته كيف كان يعامل في الغرب باعتباره رجلا أسود من بلد فقير؛ حيث يقول: «لقد حكم البريطانيون الهند لمئات السنين كي أكون أمينا، لذا كان من الصعب جدا جدا على الهندي أن ينتقل إلى إنجلترا برأس مرفوعة. وقد كانوا جميعا يعاملونني على أنني عبد، على الرغم من أنني جئت بدعوة من أجل تعليم اليوغا، ولكنني مع ذلك كنت في نظرهم مجرد عبد. لذا فقد كان هذا أيضا أمرا يجعلني أتساءل الآن كيف أعمل مع ملاحظي العبيد هؤلاء كي أصبح ملاحظا لعبيدي أنا؟ وكان علي أن أقيم في فندق «ديفيار»؛ لأنني كنت ضيفا على مينوهين. قالت لي إدارة الفندق: لأننا لا نستطيع أن نخسر عميلنا مينوهين، فنحن مضطرون إلى أن نحتفظ بك. أنت أسود، ولا يمكنك تناول الطعام أو الإفطار في قاعة الإفطار. وقد حدث لي الشيء نفسه أيضا عام 1956 عندما ذهبت إلى أميركا؛ حيث لم يكن يسمح لي بالذهاب إلا بعد مرور البيض في مطار نيويورك، وكان السود فقط هم الذين يسمح لهم بالذهاب أخيرا وليس أولا. ولكن لأنني كنت سريعا في المشي، فقد كان من الممكن أن أسبقهم، إلا أنهم كانوا يقولون لي: «لا، أخرج من فضلك. لا يمكنك الدخول. لا يمكنك الذهاب سريعا. أنت الأخير، وذلك لأنني كنت الرجل الملون الوحيد هناك في تلك الطائرة المقبلة من الهند. حسنا، كان يمكنني أن أتعارك معهم، لكنني قلت إنني سوف ألجأ إلى اليوغا. كل اهتمامي كان ينصب على نشر اليوغا، لأنتصر في ذلك. لذا فقد تقبلت هذا الموقف المحرج، واليوم أصبحت ملك أميركا وأوروبا في مجال اليوغا. لذا فإن ذلك هو التغيير الذي تعرفونه، التحول الذي حدث في عقول هؤلاء الناس. هذا الانقلاب، لقد أحدثت هذا الانقلاب بداخلهم، لقد غيرتهم، وأصبحوا بفضل الله لا يحترمون اليوغا فحسب بل ويحترمون الهنود أيضا».

ومع ذلك لم يسلم إينغار من الانتقادات؛ حيث اتهم بتعظيم الجسد وتحويل اليوغا من طريقة حياة إلى ثقافة جسدية وليست روحية. والجانب الأكثر إثارة للجدل في إينغار هو ما اشتهر به من ضرب تلاميذه؛ حيث نقل عنه قوله: «عندما ألمح، لا شيء يحدث. وعندما أضرب، تجده يحدث». وإذا سألته عن ذلك، سيقول لك بمنتهى الجدية: «هناك مهارة في ضربي. أنا أستخدمه لتحريك البشرة ومساعدتهم على الحصول على وضع أفضل». وحتى وسائل المساعدة التي يستخدمها إينغار مثل الحبال والمقاعد والضمادات والقوالب الخشبية فهي محل انتقاد من المثاليين، إلا أن إينغار يقول في عناد: «الكثير من الناس الذين لا يستطيعون أداء الأوضاع الكلاسيكية يأتون إلي. لقد تعلمت أن ممارسي اليوغا القدماء في الماضي كانوا يستخدمون الحبال وغيرها من الأشياء في الغابات، لذا فقد قررت أن أستخدمها للمساعدة على ثني الظهر إلى الخلف وأداء أوضاع الوقوف على الرأس. إن هدفي هو مساعدة الناس على تحريك أجسامهم دون التعرض لإصابة».

ومن الواضح أن إينغار ليس مثاليا. صحيح أنه تصرف على حريته فيما يتعلق بهذا المجال، ولكن ألا يمكن قول ذلك عن جميع المصلحين؟ وربما تكون يوغا إينغار أكثر ملاءمة لهذه الأيام، وأيا كان حكمك على إينغار، فما عليك سوى أن تنظر إليه وهو ينعم بانتباه تلاميذه الذين لا حصر لهم كي تعلم أنه لا بد أن يكون قد فعل شيئا ما صحيحا.