مصورة صحافية شابة توثق بالكاميرا معاناة مصابي ثورة 25 يناير

قالت إن حكاياتهم تدمي القلب والصور تزيد من التعاطف معهم

إيمان هلال تصر على مواصلة رحلتها مع الصورة الصحافية
TT

ترتقب اللحظة وتقتنص الفرصة لكي تسجل الحدث من خلال الكاميرا التي لا تفارق يدها، وبضغطه متقنة على «زر» التصوير تخرج صورها أقوى من ألف كلمة، لتأخذ طريقها للنشر في الصحف، لتطالعها أعين القراء قبل العناوين ومضمون الخبر.

إيمان هلال (27 عاما) مصورة صحافية في إحدى الصحف المستقلة في مصر، التي فضلت الصورة على الكلمة، رغم أن مجال التصوير الصحافي في مصر لا يرحب بالأنثى كثيرا، إلا أنها اختارت الطريق الصعب، الذي مشت فيه خطوات ليصادفها قيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، والتي كانت بمثابة «صدفة ربما خير من ألف ميعاد» في طريقها لإثبات ذاتها في هذا المجال، حيث نقلت أحداثها الخفية بعدستها، قبل أن تحمل على عاتقها توثيق حياة من سقط فيها مصابا.

تقول إيمان: «تخرجت في كلية الإعلام وعملت محررة، ولكني لم أجد نفسي في الكلمات، ولم أشعر أنني أفعل ما أحب، فقد كنت عاشقة للصورة أكثر من الكلمة، وكل ما درسته في كلية الإعلام يؤكد أن اللقطة الواحدة التي تؤخذ في أقل من ثانية قد تغني عن قراءة كافة الصحف، كما أن المصور الصحافي يوازي المحرر في العملية الصحافية؛ لأن الصورة عنصر ارتكاز مهم لتقييم الخبر، فالمصور يحمل على عاتقه مهمة كبيرة للنهوض بالموضوع المنشور».

تضيف: «لكن فكرة أن أتحول لمصورة صحافية كان صعبا في البداية، وطرق الأبواب كان محبطا، فجميع من حولي كانوا يؤكدون لي أن هذا المجال لا يرحب بالأنثى فيه، ورغم كثرة الجرائد والمجلات الموجودة في مصر فإنه لا يوجد أكثر من 8 مصورات صحافيات فقط على مدار السنوات الأربع الماضية، لذا طفت على أكثر من صحيفة مستقلة حتى أجد ضالتي التي تتوافق مع سياسة التحرير».

وتبين إيمان أنها طوال الوقت وهي تتابع الصور التي تنشرها الصحف العالمية والعربية، وتلاحظ الفرق فيما ينشرونه: «فكنت أجدهم يصورون الاشتباكات بتفاعل ومهنية أكثر منا، فهم مدربون على التقاط مناظر الدم؛ لأنهم كانوا في أحداث أكثر بشاعة».

ومع قيام ثورة 25 يناير وجدت إيمان ضالتها، لإبراز موهبتها، فتقول: «في بداية الثورة كنت أقوم بتصوير الأحداث في الميدان، وشاهدني أحد ضباط الأمن فقام بكسر الكاميرا وإبعادي عن المكان، مما جعل أمي ترفض نزولي إلى الأحداث مرة أخرى، لكني كنت مستعدة للموت، فقد كنت أشعر أن لدي هدفا كبيرا ويجب تحقيقه بتصوير الحقيقة للناس».

وعن وجودها في بؤرة الأحداث تقول: «هذا شيء مهم جدا، فقد وجدت أن هناك أشخاصا يستحقون أن يركز عليهم الضوء أكثر، وهم المصابون في الثورة، الذين دفعوا ثمن حبهم لبلادهم من دمائهم». وتشرح: «بعد الاشتباكات كان يعود كل فرد إلى بيته، ولكن المصاب حياته تتغير تماما، بل تنقلب رأسا على عقب، وبعد أن كان إنسانا مسؤولا عن أسرة، أصبح يحتاج لمن يقوم على رعايته».

تكمل: «مع كثرة عدد المصابين وعدم وجود إحصاء لهم، ومع معاناتهم التي لا يشعر بها كثيرون، قررت أن أقيم معرضا يحكي بالصور عن حياة مصابي الثورة، خاصة من فقدوا أعينهم، فقصص المصابين إذا رويت تدمي القلب، ومع الصور يزيد إحساسنا بمعاناتهم».

تؤكد إيمان أن ذلك الأمر لم يكن بالموضوع السهل، لأنه لا يوجد معلومات تؤكد حصر أعداد المصابين، كما أن الدولة لم تفعل ذلك حتى الآن، لذا تقدمت للالتحاق بكورس متخصص من مركز الصورة المعاصرة، وهي مؤسسة إسبانية متخصصة في كيفية عمل قصة صحافية مصورة، كانت تتدرب فيها على يد أميركيتان ومصورة فلسطينية، وعند عرض صورها أثارت الفكرة اهتمام صحيفة «نيورك تايمز»، وبعد ذلك قدمت إيمان على منحة لعمل كتاب مصور يحتوي على 30 صورة، خمس منهم لأشخاص فقدوا أعينهم الاثنتين، والباقي لأشخاص فقدوا عينا واحدة.

وتتابع: «حاولت ضم الشاب أحمد حرارة إلى شخصيات الكتاب كأبرز من فقد عينيه في الثورة، حيث فقد إحدى عينيه يوم 28 يناير 2011، وفقد عينه الأخرى في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه في أحداث شارع محمد محمود بوسط القاهرة، ولكنه رفض التصوير لأنه أصبح لا يقبل الظهور في الإعلام».

تستطرد: «ما أردت إيصاله هو كيف أن حياة هؤلاء الأشخاص قد عزلت عن مجتمعهم، بعد أن كانوا عناصر فعالة في الحياة، فهؤلاء الأشخاص كانوا في يوم ما سببا في إشعال الثورة، ولهذا يصبح من الصعب عليهم أن يتلقوا شفقة أو عطفا من أحد، فيفضلون البقاء في منازلهم ولا يخرجون منها إلا للعلاج».

وتختتم إيمان حديثها بالإشارة إلى أنها مصرة على مواصلة رحلتها مع الصورة الصحافية، كي تكون شريكا في إيصال المعلومة وكشف الحقيقة، كون الصورة رؤية شفافة تتسلل إلى أعين الناس، ولغة يفهمها الجميع على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية.