العلاقات بين العرب والهنود تعود إلى ما قبل الإسلام

أتوا تجارا لا غزاة وأقاموا على الساحل وتزاوجوا مع السكان المحليين

على مدى قرون توطدت العلاقة بين مسلمي الموبلا والتجار العرب مما كان له عميق الأثر على حياتهم وثقافتهم
TT

لقد دخل الإسلام جنوب آسيا قبل الفتوحات الإسلامية لشبه القارة الهندية عبر التجار العرب المقبلين من ساحل الهند الجنوبي والغربي، حتى قبل توطيد أركانه في شبه الجزيرة العربية، على عكس الاعتقاد الشائع. وقبل وصول اليونان بفترة طويلة إلى المناطق الآسيوية، عبر العرب المحيط ووصلوا إلى الهند واخترقوا دول جنوب شرقي آسيا. لقد أتوا كتجار لا كغزاة وأقاموا على الساحل وتزاوجوا مع السكان المحليين ومن خلال هذا الامتزاج نبت خليط وراثي متنوع من الجاليات العربية يشمل العنصر الفارسي والتركي والمنغولي والعربي.

ينحدر مسلمو الموبلا، في جنوب الهند وبالتحديد في ولاية كيرالا، من نسل التجار العرب. وشيد أول مسجد هندي هناك عام 621 ميلادية على يد آخر حكام أسرة تشيرا، الذي دخل الإسلام خلال فترة حياة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في كودونغالور بجنوب الهند وساهم في انتشار الإسلام في مالابار بولاية كيرالا. وتقول الأسطورة إن الملك بيرومال ارتحل إلى الحجاز لمقابلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واعتنق الإسلام وبهذه الطريقة تكونت جالية مسلمي الموبلا.

وعلى مدى قرون توطدت العلاقة بين مسلمي الموبلا والتجار العرب مما كان له عميق الأثر على حياتهم وثقافتهم. وليس من قبيل المصادفة أن يعمل عدد كبير من متحدثي الماليالامية في دول الخليج العربي. واستفاد مسلمو الموبلا من التقاليد العربية والماليالامية وخرجوا بتركيبة فريدة. ونتج عن هذه الثقافة الأدب والأغاني والموسيقى والرقصات واللغة الخاصة بهم وهي الماليالامية العربية.

وذكر المؤرخ ويليام لوغان في «Malabar Manual» (دليل مالابار) أنه في مطلع القرن التاسع، أصبح للمسلمين هوية مميزة. تزوج العرب، الذين قدموا إلى هنا واستقروا، من السكان المحليين ونشأ من ذلك مجموعة فريدة تدعى مسلمو الموبلا.

يشكك البعض في صحة هذه الرواية، لكن علاقة مالابار بالمسلمين عبر التجارة البحرية حقيقية. لذا إذا لم يترسخ الإسلام في مالابار خلال عشر سنوات منذ الهجرة، فعلى الأقل حدث ذلك بعد مائة أو مائتين عام من انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية. وكانت هناك علاقات تجارية بين العرب والهنود منذ قديم الأزل، فقد اعتاد التجار العرب زيارة منطقة مالابار (ساحل جنوب الهند) حتى في حقبة الجاهلية، مما ربطهم بمواني جنوب شرقي آسيا. كان العرب ممن اعتنقوا الإسلام حديثا هم أول المسلمين الذين اتصلوا بالهند. وكما ذكر المؤرخان إيليوت وداوسون في كتابهما «The History of India as told by its own Historians» «تاريخ الهند كما رواه مؤرخوها»، أن أول سفينة تحمل مسافرين مسلمين وصلت الساحل الهندي عام 630 ميلاديا.

أما في جنوب آسيا فقد اكتسب أحفاد العرب مكانة بارزة. ويزعم مسلمو كونكان أنهم من نسل التجار العرب، الذين وصلوا إلى كونكان للمرة الأولى عام 699 بحسب جلال الدين السيوطي، أي بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بأقل من 70 عاما في عام 632 تقريبا.

في الهند. والواضح من الكتابات المتفرقة للرحالة وعلماء الجغرافيا في بداية العصور الوسطى أن المسلمين من ذوي الأصول العربية كانوا موجودين منذ نهاية القرن السابع على ساحل كونكان وتوالوا حتى منتصف القرن العاشر. وكانوا يتمتعون بحرية العبادة وبناء المساجد ومنحهم الحكام نوعا من الحكم الذاتي المحلي.

ويعد مسلمو سواحل كونكان ومالابار أقدم جاليات إسلامية في الهند. وأكثر ما يميز هؤلاء المسلمين هو انحدارهم من أصل واحد، وهو التجار الذين جاءوا عبر البحر.

كذلك هناك جالية مسلمة هندية أخرى تنحدر من عرب النافاياس وهم سلالة مميزة من العرب تعود جذورهم إلى المهاجرين العرب والفرس. وبحث النافاياس الذين يتسمون بالبشرة الفاتحة مع بعض الملامح العربية عن جذورهم ووجدوا جوابا مقنعا. إنهم طائفة صغيرة، لكن لها وزنها بين المسلمين ويقيمون بالأساس في أرجاء مدينة بهاتكال في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند. مع ذلك يعتقد النافاياس أن أصولهم تعود إلى حضرموت في جنوب شرقي اليمن في بداية القرن الثامن الميلادي. ويتضح تأثير اللغة الفارسية على اللغة التي يتحدثها النافاياس، وتشير العناصر الفارسية في ثقافتهم بقوة إلى أن جذور نسبة منهم تعود إلى إيران.

ويشبهون اليمنيين وعرب النافاياس في الملامح المشتركة وأسلوب التعبير والملابس والكثير من السمات الثقافية وأسماء العائلات. خلاصة القول هي أنه من المعقول أن يكون النافاياس مجموعة متنوعة من العراق وإيران واليمن. ويذكر التاريخ أن بعض النافاياس هربوا من العراق مع عائلاتهم، في الوقت الذي أبحر فيه آخرون من دون عائلاتهم. وتعود جذور مسلمي السورتي أو البهرة إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، خاصة من السعودية وبالتحديد الطائف والمدينة، وحضرموت، ومن العراق من مدينة البصرة أو النجف أو الكوفة وهاجر التجار والبحارة منهم إلى سورات وبهاروتش بولاية غوجارات بغرب الهند.

واعتنق بعض من هؤلاء المسلمين، خاصة الذين وصلوا من إيران، الإسلام واعتنقوا المذهب الشيعي، لكنهم تحولوا بعد ذلك إلى مذهب أهل السنة خلال القرن الخامس عشر. وتشير عدد من الأدلة الداخلية إلى أن التجار المسلمين من البهرة أتوا إلى ولاية غوجارات خلال القرن الأول من ظهور الإسلام. ويرى ناداوي أن هذا مؤكد ولا يوجد أدنى شك في صحته من الناحية التاريخية. وتتوافر الكثير من الحقائق التاريخية والأدلة الأخرى؛ حيث جاء ذكرها في كتاب «تحفة المجاهدين». وتوضح شجرة عائلة البهرة وبعض الوثائق التي يمتلكونها أنهم ينحدرون من الطائف والمدينة. ويشير هذا إلى حقيقة أخرى هي أن المسعودي، الطوبوغرافي العربي الشهير الذي زار باروش عام 303 - 915، شاهد مستعمرة تتكون من نحو 10 آلاف مسلم عربي كانوا قد وصلوا لتوهم من بغداد والكوفة (النجف) والبصرة.

وتشبه الملامح مسلمي سورتي (البهرة) في العصر الحديث ملامح العرب إن لم تكن تطابقها. ولا يمتلك العرب في غوجارات أرض، فقد كانت القوات العسكرية والأمنية التابعة لجيوش ولاية غوجارات المتتابعة هي المحتل التقليدي بالنسبة إليهم. وهم يقيمون بالأساس الآن في المراكز الحضرية وشغلوا عددا من الوظائف في الطب والقانون. وهاجر عدد كبير منهم إلى دول في الخليج العربي مثل أبوظبي والمملكة العربية السعودية وقطر. ويقدم المسلمون السنة من طائفة الشوش أنفسهم كعرب في جنوب آسيا، وينحدرون من سلالة المهاجرين من حضرموت الذين استقر بهم المقام في منطقة الدكن بالهند. وتمتد هذه السلالة إلى البوسنة والهرسك والجبل الأسود (مونتينيغرو). وكلمة شوش هي كلمة تركية تعني رجلا عسكريا، وقد هاجروا من حضرموت في اليمن إلى الهند، ولا يزال الكثير منهم يحتفظون بالجنسية اليمنية.

وقد قدموا إلى الهند بحثا عن العمل وعملوا بالفعل مع نظام حيدر آباد في القوات المسلحة أو قوات الشرطة. وترتبط مدينة حيدر آباد تاريخيا بدول الخليج العربي. مع ذلك هناك اختلافات ثقافية بينهم وبين أكثر المسلمين الهنود. ويوجدون بشكل كبير في منطقة باركاس، كانت تسمى في الماضي باريكس، ويطلق عليها أيضا الجزيرة العربية الصغيرة في مدينة حيدر آباد بجنوب الهند. وهناك قول منسوب لوزير خارجية عن حيدر آباد عام 1863 هو «نرى عددا من الزنوج خاصة من الصومال وإثيوبيا. وحاول هؤلاء الأشخاص ذوي البنية القوية، الذين يرتبطون بالعرب، الانقلاب على حاكم حيدر آباد. وذكر المؤرخان لينتون وراجان عام 1983 أن البريطانيين اضطروا إلى التنكيل بهؤلاء الأفارقة لأنهم ينتمون إلى العرب».

وهناك أيضا مسلمو لاباي في ولاية تاميل نادو بجنوب الهند. وبحسب التقاليد أطلق عليهم العرب هذا الاسم الذي يعني «ها أنا ذا». واللغة التاميلية هي لغتهم الأصلية، ويتم التحدث بها في منطقتهم ويكتبون بتلك اللغة لكن بحروف عربية وهم الوحيدون الذين يفعلون ذلك.

جذور هؤلاء المسلمين غير واضحة، لكن هناك بعض التكهنات. ويرى المؤرخ مارك ويلكس أنه في بداية القرن الثامن الميلادي دفع حاكم العراق، الحجاج بن يوسف الثقفي، عددا من الناس، بينهم مسلمين، إلى الهجرة بسبب أعماله الوحشية.

وهاجر البعض إلى ساحل الهند الغربي، في حين هاجر آخرون إلى شرق كاب كومورين. وينحدر مسلمو لاباي من العرب الذين وفدوا إلى الهند خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي من أجل التجارة، لكنهم تعرضوا للاضطهاد على أيدي المغول مما اضطرهم إلى مغادرة البلاد تاركين وراءهم أبناءهم الذين أنجبوهم من هنديات. وتوضح طقوسهم الدينية التزامهم في الحياة؛ حيث يذهب الرجال وأبناؤهم إلى المسجد للصلاة، بينما تصلي السيدات في المنزل. وكتبهم الدينية باللغة العربية، وتحتل مكانة مقدسة لديهم. ويعد نشر كتب بالعربية وتوزيعها بين الناس فرضا.