مائة لوحة رائدة في معرض «قرن من الفن المصري»

يشكل حصيلة مقتنيات مؤسسة «الأهرام» على مدى سبعين عاما

من وحي الطبيعة للفنانة تحية حليم
TT

وسط زحام الحياة واضطرابات المشهد السياسي، استعادت مؤسسة صحيفة «الأهرام» إحدى سننها الجميلة، والتي تشكلت إرهاصاتها في ستينات القرن الماضي بمساعدة كبار الكتاب وأولهم كمال الملاخ وتوفيق الحكيم، احتفاء بالفن التشكيلي ومبدعيه الكبار، وذلك من خلال المعرض التشكيلي الجماعي «قرن من الفن المصري».

على عتبة المعرض ومن خلال صورة فوتوغرافية ستجد الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل، أحد فرسان الصحيفة العريقة، يستقبلك بابتسامته الودود ووجهه البشوش يطل من وراء نظارته، ليرحب بك ويدعوك للاستمتاع بأروع أعمال الفنانين المصريين وإبداعاتهم.

ويحرض المعرض الذي يقيمه «مركز الأهرام للفنون» برعاية مؤسسة «الأهرام» على أن يعود الكاتب والصحافي المصري أدراجه مرة أخرى إلى استيعاب الفنون خاصة الفن التشكيلي، وهي الرسالة الحقيقية التي يقدمها المعرض، بعد قرابة سبعين عاما من العمل على اقتناء كل ما يمثل القرن العشرين من الفن التشكيلي بأنواعه، وكذلك أعمال النحت بأشكالها المختلفة.

ويعد المعرض ثمرة لمجموعة مقتنيات مؤسسة الأهرام من الفن المصري الحديث، والتي باتت إحدى كبرى المجموعات الفنية المعاصرة في مصر، وربما لا يفوقها سوى مجموعة المتحف القومي للفن الحديث. وقد تم اختيار المائة قطعة الموجودة في هذا المعرض من بين مئات الأعمال الفنية التي قضت معظم حياتها على جدران صالات التحرير وفي مكاتب ممرات مباني الأهرام المتعددة، ومن يتأمل تلك المجموعة يدخل إلى حيز فريد في عالم الإبداع اللفظي والبصري، كما يمثل حلقة وصل مهمة بين عالمي القلم والريشة، وبين عالمي التقرير والخيال، بين رؤية الكاتب الصحافي بأسلوبها المباشر ورؤية الفنان التشكيلي التي تشجعنا على قراءة ما وراء السطور، وحلقة الوصل تلك هي مقتنيات «الأهرام».

يقول د.وحيد القلش، الفنان التشكيلي، مدير وحدة مقتنيات «الأهرام»، إن «الهدف من هذا المشروع الارتقاء بالبناء الثقافي للكاتب والصحافي المصري، حيث كان يعتقد في هذا الوقت الذي أطلقت فيه فكرة جمع المقتنيات الفنية أن يكون للصحافي الحد الأدنى من الدراية بالفنون التشكيلية. والهدف الثاني يتمحور حول الدور التنويري لمؤسسة (الأهرام) العريقة، التي دأبت على الريادة في التنوير الفكري والثقافي في المنطقة العربية منذ 140 سنة. والهدف الثالث هو تشجيع الفنانين التشكيليين المصريين من خلال عملية اقتناء أعمالهم».

ويضيف القلش أن عملية اقتناء الأعمال الفنية توقفت لفترة تصل إلى سبع سنوات، بعد رحيل الكاتب الصحافي إبراهيم نافع نظرا للظروف الاقتصادية والسياسية التي كانت تمر بها البلاد وعدم وجود ميزانية كافية لاقتناء تلك الأعمال، باستثناء الأعمال التي كانت تهدى للمؤسسة.

واستكمل المشروع مسيرته بقدوم الكاتب الصحافي د.عبد المنعم سعيد رئيسا لمجلس إدارة الأهرام، وبدأت الرغبة في محاولة إحياء هذا التراث ومحاولة إظهاره للمجتمع المصري، على اعتبار أنه كان حكرا على مجتمع مؤسسة «الأهرام» في ما مضى، ومن زاوية أخرى البحث في ما يمكن تحقيقه من مردود اقتصادي على أقل تقدير للحفاظ على محاولة استرجاع النشاط في الاقتناء، وفي إقامة فعاليات على هذه المجموعة الفنية حتى يكون من شأنها تحقيق هذا البعد الاقتصادي.

وتبلورت فكرة المعرض لدى الكاتبة الصحافية سيلفيا النقادي، أمين عام «مركز الأهرام للفنون»، رئيسة تحرير مجلة «البيت»، وتشكلت لجنة ضمت كوكبة من الفنانين المصريين الكبار إلى جانب بعض فناني الأهرام لاختيار أفضل مائة عمل تمثل القرن الماضي، ضمت د.مصطفى الرزاز والفنان حلمي التوني والمعمارية الفرنسية سيلفي بلانشيه التي قامت بتصميم وتطوير قاعة عرض الفنون التشكيلية بالمؤسسة. وقام د.مصطفى الرزاز بعمل كتاب يضم الأعمال المعروضة، وروعي في الأمر أن يكون مستوى القاعة على مستوى عالمي يكاد يكون غير مسبوق في مصر.

ويوضح القلش أن «الأعمال المعروضة كانت على حالة ليست كالموجودة عليها الآن، فقد قام د.عماد عبد الوهاب بالمساهمة في ترميم الأعمال وتنظيفها إلى جانب وحدة مقتنيات (الأهرام) التي أشرف بإدارتها حتى لا تترك الأعمال الفنية من دون عناية كاملة».

وتضم المائة قطعة إبداعات الفنانين المصريين ابتداء من جيل الرواد في النصف الأول من القرن العشرين، والذين عرفوا بميولهم الكلاسيكية والتأثيرية، ثم المدارس السيريالية في فترة ما بين الحربين، ثم النزعات التجريدية والواقعية الحديثة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حتى الحركة الواقعية الاشتراكية في الحقبة الناصرية. أما الفن الشعبي بأشكاله المختلفة فقد انخرط فيه عدد كبير من الفنانين على مدى القرن الفائت، وذلك في محاولة لاستنباط هوية مستقلة للفن المصري والحفاظ على جوانب من الميراث الثقافي الذي كاد يتلاشى بفعل عوامل التحديث.

كما تضم المجموعة تشكيلة كبيرة من اللوحات الجدارية المنفذة بتقنيات متنوعة تتراوح ما بين الرسم بالزيت والأكريليك إلى تكوينات الموزاييك والخزف والنحاس المطروق والغرانيت المنحوت. من تلك الأعمال ما يرمز للطبيعة المصرية مثل جداريات الفنانين سيد عبد الرسول وزينب عبد الحميد، والتي تصور المراكب الشراعية والمساكن الخشبية على ضفاف النيل، ولوحة فرغلي عبد الحفيظ التي تصور ملامح من البيئة المصرية تسبح في جو ضبابي تحت قرص القمر. أما لوحة الحديقة لزينب السجيني فتبدو بخلفيتها البنائية الشرقية وكأنها قطعة من النسيج المرسوم. وهناك أعمال غير تقليدية للفنانين سيف وانلي وآدم حنين وأحمد نوار ونازلي مدكور.