من بريطانيا إلى أميركا وأوروبا والشرق الأوسط.. الدراما البريطانية تغزو العالم

الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لا تزال تتمتع بجزء من بريقها

أبطال مسلسل «داونتون آبي» في لقطة من الجزء الثالث للمسلسل الذي لاقى نجاحا عالميا كبيرا (أ.ب)
TT

منذ فترة ليست بالقصيرة تخلى الممثل جيم كارتر عن زي مدير الخدم الذي يرتديه في مسلسل «داونتون آبي»، وارتدى سترة من الليكرا الملتصقة بالجسد لرحلة ركوب دراجات في كمبوديا. وانتهى تصوير أحداث الموسم الثالث من المسلسل والذي من المقرر أن يبدأ عرضه يوم الأحد في الولايات المتحدة على شاشة «بي بي إس». واحتفالا بهذه المناسبة ركب دراجته لمسافة طويلة بطول نهر ميكونغ. وبدأ يشعر بالإرهاق وسط معابد أنغكور وات القديمة بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة في الهواء. وفجأة وجد نفسه في مواجهة مجموعة من السائحين الآسيويين الذين يصيحون «كارسون» (في إشارة إلى شخصية كبير الخدم التي يلعبها في المسلسل).

فاجأ نجاح مسلسل «داونتون آبي»، وهو عبارة عن دراما تمثيلية مثيرة تدور أحداثها في بدايات القرن العشرين، في كل من بريطانيا وأميركا حتى صانعيه. وربما يكون أنجح مسلسل في تاريخ روائع قناة «بي بي إس» خلال الأعوام الأربعين الماضية. وقال جوليان فيلوز، مؤلف المسلسل، في مقابلة تمت عبر الهاتف مؤخرا «لم يكن أحد يتوقع ما حدث عندما حقق المسلسل هذا الانتشار الواسع». مع ذلك ربما يكون الأمر الأكثر مفاجأة هو نجاح المسلسل البريطاني المحض، في السويد وروسيا وكوريا الجنوبية والشرق الأوسط وعدد كبير من الدول الأخرى التي لا يستطيع مواطنوها التمييز بين أرملة من النبلاء وامرأة عادية من العامة. ومنذ عرض المسلسل، الذي شاركت في إنتاجه شركتا «كارنفال فيلمز» و«ماستربيس»، للمرة الأولى في سبتمبر (أيلول) عام 2010 على «آي تي في» في بريطانيا، انتشر في أكثر من 200 دولة أو منطقة، مما يشير إلى أن القلق من المكانة الاجتماعية والالتزامات العائلية أمور لا تعرف حدودا جغرافية مثلها مثل الضعف الإنساني أمام الميلودراما.

وأوضح فيلوز «رغم أنه من جهة ما يعد مسلسل (داونتون) مغرقا في البريطانية، حيث يركز على نمط من الحياة خاص بطبقة محددة من المجتمع، فأعتقد أن أكثر الخطوط الدرامية به عاطفية يمكن للجميع أن يفهمها». وحظي المسلسل بنسبة مشاهدة مرتفعة في الدنمارك، وكان رقم واحد من بين المسلسلات القائمة على نص مكتوب في هولندا، واقترب من القمة بين الأعمال التي تعرض في فترته في دول مثل سنغافورة والبرازيل خلال العام الماضي بحسب الإحصاءات التي قدمتها شركة «إن بي سي يونيفرسال إنترناشيونال». كذلك كان المسلسل من أكثر المسلسلات الأجنبية مشاهدة في أستراليا والنرويج وبلجيكا وإسرائيل وآيسلندا بحسب أماندين كاسي، مديرة أبحاث التلفزيون الدولي في شركة «يوروداتا تي في وورلدوايد» التي تعمل في مجال أبحاث الجمهور ومقرها باريس. وأشارت إلى أن المسلسل حقق نجاحا لم يحققه أي مسلسل بريطاني أو أوروبي من قبل. وذكرت كلوديا ماسيدو، رئيسة الاستحواذات في شبكة «غلوبوسات» التي تقدم المسلسل في البرازيل، في رسالة بالبريد الإلكتروني «لقد غامرنا بعرض مسلسل تدور أحداثه في حقبة ماضية في وقت مخصص للأعمال المعاصرة لأننا نؤمن بقوته ولأن طريقة تناول الموضوعات به تصلح لكل العصور». ويبلغ عدد مشاهدي المسلسل حول العالم نحو 120 مليونا، بحسب تقديرات «إن بي سي يونيفرسال» وطبقا لبيانات نسبة المشاهدة التي قدمتها جهات عرض المسلسل. ومن المتوقع أن يزداد الرقم بشكل كبير عندما تبدأ محطة «سي سي تي في» في الصين عرض نسخة مدبلجة في مندرين خلال العام الحالي، رغم أن بعض المشاهدين في الدولة اندمجوا في عالم «داونتون» بالفعل.

وقال غاريث نياما، المدير التنفيذي لـ«كارنفال فيلمز»، وصاحب فكرة المسلسل «لقد كنت في شنغهاي بداية العام الحالي وكان الناس يقولون لي إنه مسلسلهم المفضل. إن هؤلاء هم شعب جمهورية الصين، وهذا المسلسل عن حق الابن البكر في الإرث والميراث والأرستقراطية وكل الأمور التي قد يعتقد المرء أن الصين تخلصت منها. لذا كان الأمر مفاجئا».

ويقول المنتجون إنه كان للمسلسل صدى واسع بفضل إنسانية القضايا والموضوعات مثل التوترات الناجمة عن المكانة الاجتماعية، والأهم من ذلك الرومانسية التي لا تعرف الخجل. ويعمل المسلسل على الربط بين الدراما البريطانية التقليدية والحبكة الدرامية للمسلسلات الطويلة، حيث يمكن رؤية الشخصيات من وجهات نظر كثيرة جدا على حد قول نياما المنتج التنفيذي. وأوضح قائلا «يتناول المسلسل الحالة الرومانسية بطريقة متفردة عاطفية حساسة. وقد اكتشفنا أن المرء يفهمها أيا كان مكانه على ظهر هذا الكوكب». وأضاف فيلوز «إنني أسافر آلاف وآلاف الأميال وأترجل من طائرتي ويسألني أحدهم عما إذا كان كارسون يتزوج من هوز أم لا».

ويعقد مسؤول المبيعات أفضل الصفقات مع الشبكات المحلية، ثم يسلم نسخة جاهزة للعرض قد تتضمن الاستعانة بممثلين من أجل دبلجة الحوار ليصبح بلغة البلد أو المنطقة التي يعرض بها المسلسل إن استدعى الأمر. وصرح فيلوز الذي يكتب كل حلقة بأن «تعديل الحوار أمر حتمي. وربما يتم حذف بعض الأجزاء التي لا تناسب اللغات الأخرى. مع ذلك أشعر بالرضا كثيرا إذا ما استمتع الناس بالمسلسل».

الأكثر إشكالية من وجهة نظر إبداعية هو إعادة ترتيب الحلقات المفردة. وفي الوقت الذي يرى فيه مشاهدو «بي بي إس» نسخة مختلفة قليلا من «داونتون» عن النسخة المعروضة في بريطانيا بعد إجراء المنتجين بعض التعديلات الطفيفة بحيث تلائم موعد عرض «العمل الفني الرائع»، فكثيرا ما يرى الجمهور العالمي الحلقات التي قامت هيئات البث بتقطيعها وإعادة تجميعها، حيث يريدون على سبيل المثال تقسيم الموسم إلى ست حلقات بدلا من تسع مثلما يحدث في بريطانيا. ويرى نياما أن هناك بعض الفوضى في أمر المسلسل. ويقول «لا بد أن تدرك أن هذه هي التجارة، ولا بد أن تتقبل الأمر». ومن جهته تقبل فيلوز أن ما يعنيه المسلسل بالنسبة للمشاهد الأجنبي خارج نطاق نفوذه. وفي الوقت الذي يتمتع فيه المسلسل بانتشار واسع وتأثير كبير في أميركا أو أقصى الشرق، فهو يفعل ذلك من تلقاء ذاته. ويقول فيلوز «ما أردته لهذا المسلسل، وما كنت أعتقد أنني أقدمه من خلاله، والشكل الذي أردت أن يكون عليه في النهاية؛ أعتقد أن كل هذا ينتهي بانتهاء كتابته، حيث يتحرك بعد ذلك بقوة دفع خاصة به».

* خدمة «نيويورك تايمز»