حادثة اغتصاب الطالبة الهندية تجبر الحكومة على بحث إعداد قانون أكثر صرامة

شبه بعض المعلقين ضحية الحادث بمحمد بوعزيزي البائع التونسي الجائل

هندية تمارس بعض التدريبات ضمن دورة للدفاع عن النفس أقامتها مدرسة في مومباي يوم الجمعة. وقد ازداد إهتمام الهنديات بتعلم طرق الدفاع عن النفس بعد حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها طالبة وهزت أنحاء الهند (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي تتهم فيه شرطة دلهي خمسة رجال بجريمة قتل واختطاف واغتصاب فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها تدرس العلاج الطبيعي في العاصمة الهندية دلهي الشهر الماضي، وهي الحادثة التي روعت البلاد، ثار جدل ساخن حول ما يجب على الدولة فعله من أجل منع تكرار حدوث مثل هذه المأساة مرة أخرى. ودعا متظاهرون وسياسيون إلى سن قوانين أكثر صرامة للتعامل مع حالات الاغتصاب وإجراء إصلاحات كبيرة في جهاز الشرطة وتغيير الطريقة التي تتعامل بها الدولة مع النساء.

وتستمر حتى هذه اللحظة الاحتجاجات في العاصمة الهندية للمطالبة بتنفيذ عقوبة الإعدام على مرتكبي الجريمة، حيث يحمل المتظاهرون لافتات مكتوبا عليها «اشنقوهم»، و«إذا اغتصبت إحداهن فسُتقطع رأسك». وقدمت الشرطة أدلة إدانة في مذكرة من ألف صفحة إلى المحكمة ضد خمسة مشتبه فيهم تتراوح أعمارهم بين 19 و35 عاما، وهو ما يؤذن ببدء المحاكمة. وتعمل الحكومة الهندية على صياغة قانون أكثر صرامة في الجرائم التي ترتكب ضد النساء. ومن بين العقوبات المنصوص عليها إخصاء مرتكبي هذه الجريمة في حالات نادرة. وتشمل آخر مسودة لمشروع القانون إضافة إلى الإخصاء الكيميائي، قوانين مثل عقاب مرتكبي جريمة الاغتصاب بالسجن لمدة 30 سنة. وأشار خبراء في القانون إلى إمكانية خفض حدود السن لمن يطلق عليهم «أحداث» من 18 سنة إلى 15 سنة. وبدأت مسألة تغيير قانون عدالة الأحداث بعد قضية الاغتصاب التي حدثت في دلهي، والتي وقع فيها الضرر على الضحية من الأصغر سنا الذي لم يبلغ سن الرشد. مع ذلك من المرجح أن ينجو بفعلته بسبب سنه لأن أحكام قانون الأحداث لا تسمح بإيقاع عقوبة غليظة على من هم دون السن القانونية مهما بلغت الجريمة التي يرتكبونها من وحشية.

وتتضمن بعض الأحكام الأخرى لهذا القانون الصارم عقد محكمة مستعجلة وإجراءات قانونية أخرى لضمان عدم تجاهل مثل هذه الجرائم مرة أخرى أو استغراق النظر فيها سنوات طويلة، بحيث يتم الانتهاء من القضايا في غضون ثلاثة أشهر. وقدمت وزارة المرأة والطفل المقترحات إلى لجنة العدل «فيرما» المكونة من ثلاثة أعضاء، والتي مهمتها مراجعة قوانين الاعتداء الجنسي ضد النساء المعمول بها حاليًا، وتقديم توصيات بتعديلها بحيث تكون فعّالة. وتلقى القاضي رئيس اللجنة أكثر من 60 ألف اقتراح من الشعب من أجل إجراء إصلاح شامل في القوانين التي تتعلق بالاغتصاب. ويتم النظر حاليا في اتخاذ خطوة هي نشر أسماء وصور وعناوين المتهمين الستة على مواقع الشرطة الإلكترونية لفضحهم.

على الجانب الآخر، هناك ميل كبير لتنفيذ عملية إخصاء كيميائي للمتهمين، حيث تطبق مثل هذه العقوبة بالفعل في عدة دول ولها قوة رادعة. ودخلت القضية على خط السياسة، حيث يقترح السياسيون الهنود إعدامهم شنقا، في حين يقترح البعض الآخر سن قوانين صارمة ضد الاغتصاب من بينها تنفيذ العقوبة علنا. ويميل الو براساد ياداف، وزير السكك الحديدية السابق وأحد مسؤولي حكومة التحالف التقدمي المتحد، إلى تبني القوانين الصارمة التي تطبق في بعض الدول العربية، حيث تخيف العقوبات المشددة كل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة.

وشبّه بعض المعلقين الضحية، التي لم تكشف الشرطة عن اسمها، بمحمد بوعزيزي، البائع التونسي الجائل، الذي أضرم النيران في نفسه، وأشعل موته ثورات الربيع العربي. وهناك أمل أن تمثل مأساتها نقطة تحول في مجال حقوق المرأة في بلد تخاف فيه أكثر النساء البقاء خارج المنزل ليلا، وتتم فيه عمليات إجهاض عندما يكون الجنين فتاة، بل ويزداد فيه معدل قتل المواليد من الفتيات مما أخل بالتوازن في النسبة بين الذكور والإناث.

وسيتم النظر في مقترح وزارة المرأة والطفل قانونيا، ومن المرجح أن يُتخذ القرار الرسمي بعد موافقة وزارتي الداخلية والقانون. وعقوبة الإعدام هي عقوبة قانونية في الهند رغم أنها نادرا ما تنفذ. وبحسب قانون صادر عن المحكمة العليا في الهند عام 1980، فإنه لا يتم تنفيذ عقوبة الإعدام إلا في حالات نادرة. ودعت المحكمة العليا مؤخرا إلى إلقاء «نظرة جديدة» على معايير تطبيق عقوبة الإعدام، حيث أوضحت أنه لا يوجد معيار يحدد تنفيذ هذه العقوبة. وتم تنفيذ عقوبة الإعدام في نوفمبر (تشرين الثاني) في الهند للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، عندما تم إعدام أجمل كساب، الرجل المسلح الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من بين منفذي هجمات مومباي. ورفضت الهند قبل يومين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يحث الأعضاء على إلغاء عقوبة الإعدام.

وفي حالة الاغتصاب الجماعي التي شهدتها الهند مؤخرا، من غير المرجح أن يُحكم على أي من المدانين بالإعدام، على حد قول خبراء القانون. والحد الأدنى لعقوبة الاغتصاب حاليا هو السجن لمدة 10 سنوات، بينما أقصى عقوبة هي السجن مدى الحياة. وبموجب الدستور الهندي، لا يمكن أن يُحكم على أحد بحكم أكبر من الذي ينص عليه القانون وقت ارتكاب الجريمة. وقالت بينكي أدنان، محامية كبيرة في المحكمة العليا ومتخصصة في قضايا النساء والقانون الدستوري والقانون الدولي «إن التشريع لا يتم بأثر رجعي. وفي هذه الحالة سيتم تطبيق القانون بشكله الحالي». وإذا تم تعديل القانون، لن يسري هذا التعديل على الجرائم التي تحدث في المستقبل، وأوضحت قائلة «نحن جميعا ندين الحادثة، لكن لا بد أن يكون هناك منطق في التصريحات التي يصدرها الساسة». بالنسبة إلى من يؤيدون عقوبة الإعدام، فإن الإعدام شنقا هو الرادع الوحيد لمثل هذه الجرائم. وقالت أدنان «الحياة هي أغلى ما يمتلكه الإنسان، وأي نظام يهدد بإنهاء حياتك فهو يرعبك. يخبرنا علم النفس بذلك، وكذا تشريعات القانون الجنائي».

ومن المعروف أن الاتجاهات المحافظة في الثقافة الهندية تشوه سمعة ضحايا الاغتصاب حيث يتم إجبار بعض الضحايا، خاصة في المناطق الريفية، على الزواج من مرتكب الجريمة حتى يحظين بقبول المجتمع. ولطالما كانت دلهي تعد من أكثر المدن غير الآمنة في الهند وتصنف بأنها عاصمة الاغتصاب. وما يثير القلق أكثر هو زيادة معدلات الجريمة بحسب البيانات الواردة في سجلات الشرطة، حيث بلغ إجمالي عدد جرائم الاغتصاب في الهند عام 2011 24.206 بحسب البيانات التي أعلنها المكتب القومي لسجلات الجرائم. ومن الأمور التي يمكن أن تفسر ارتكاب مثل هذه الجرائم الفاحشة تراجع نسبة الإدانة في مثل هذه القضايا، حيث لا تتم إدانة المجرم إلا في 26 في المائة من القضايا فقط.

ومن القضايا التي أثارت جدلا كبيرا تسمية القانون الجديد باسم الضحية. وقال والد الفتاة إن الأسرة ستكون راضية وسعيدة إذا تمت تسمية القانون الجديد باسمها. وأوضح والدها أنه مستعد الكشف عن هوية ابنته إذا فعلت الحكومة ذلك.

وكانت عضو البرلمان، شاشي تهارور، من بدأت هذا الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت دعمًا من الكثيرين الذين ينادون على مدى الأسابيع الثلاثة السابقة، الشرطة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد المتهمين. وقالت سانغيتا كومار، معلمة تبلغ من العمر 31 عامًا شاركت في التظاهرات في دلهي «إن هذا يعني أن ذكراها ستعيش للأبد». وقال البعض الآخر إن هذه الخطوة، التي تخالف حكم المحكمة العليا بمنع الكشف عن اسم ضحية اغتصاب، تغلب الرمزية على المادة.

وقالت رانجانا كوماري، مديرة مركز الأبحاث الاجتماعية وعضو اللجنة الهندية القومية لتمكين المرأة «إن هذا تشتيت لا لزوم له. ينبغي أن نركز على القضايا المهمة مثل الحكم وإعادة تأهيل الأسر التي تعاني وتحسين وضعهم الاقتصادي وما إلى ذلك. نحن لم نحم كرامتها وحياتها عندما كانت على قيد الحياة. من يعرف ما الذي كانت سترغب فيه إذا كانت حية. أرفض ذلك بشدة».