أسبوع لندن الرجالي في دورته الثانية.. لقاء الكبار والصغار

كل القوى مشحونة لإنجاحه والارتقاء به لأعلى المستويات

من مجموعة توبمان (رويترز)
TT

انطلق أسبوع الموضة الرجالية في دورته الثانية بلندن يوم أمس الاثنين متلفحا بالصوف وطبقات متعددة، تحسبا لموجة البرد التي تمر بها لندن هذه الأيام. وغني عن القول: إن العاصمة استعدت له بأقوى ما تملكه من مصممين مبتكرين ورئيس وزراء بات يفهم أن صناعة الموضة لا تقل أهمية عن أي قطاع صناعي بريطاني آخر. فحسب دراسة نشرتها صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية منذ فترة تبين أن قطاع الإبداع في بريطانيا هو الأكبر في العالم إذا أخذنا اقتصاد البلد ككل، بالإضافة إلى أنه ينمو بمعدل أسرع من باقي القطاعات الاقتصادية بكثير. كما سبق ونشرت غرفة الموضة اللندنية في احتفالياتها بمرور 25 عاما على تأسيسها منذ عامين تقريرا يفيد بأن قطاع الموضة يدر على البلد ما لا يقل عن 21 مليار جنيه إسترليني، وهو ما يوازي 1.7% من إجمال الناتج المحلي عدا أنه يعزز سمعة البلد كموطن الإبداع والفنون والثقافة، ويحسن وضعية الآلاف من البريطانيين الاجتماعية والاقتصادية بتوظيفهم في مجالاتها المتعددة، بما في ذلك تأثيراتها الإيجابية على قطاع السياحة من ناحية وتحريك الفنادق والمطاعم وغيرهما من ناحية أخرى.

لكل هذا، عندما فتح رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أبواب 10 داونينغ ستريت يوم أمس الاثنين، لاستقبال صناع الموضة، فإن الدلالات كانت واضحة وهي أن الموضة ارتقت إلى مصاف الصناعات المؤثرة التي يحسب لها ألف حساب. أما من الناحية الإبداعية، فأكدت لندن يوم أمس، للمرة الثانية على التوالي أنها ولادة وخصبة. فالموضة الرجالية لم تعد الحلقة الأضعف، بل هي منافس لا يستهان به للموضة النسائية التي استأثرت بالكعكة لعقود طويلة.

كل ما قدمته أمس، كان يشير إلى ذلك، فالمصممون استهدفوا تكسير التابوهات والحدود بكل قواهم لجذب الرجل الذي استعصى عليها طويلا في السابق وتحبيبه فيها. فهنا، في عاصمة الجنون والفنون، تتزاوج الكلاسيكية والتفصيل بالـ«داندية» من جهة، والصرعات الشبابية الغريبة من جهة ثانية. ومن كل هذا تنبعث دائما نكهة بريطانية خاصة جدا لا يتقنها سوى أبناء هذه العاصمة، مثل لو دالتون، جوناثان سوندرز، ريتشارد نيكول، جايمس لونغ وغيرهم، بالإضافة إلى «الكسندر ماكوين»: «دانهيل» وتوم فورد الذين يشاركون لأول مرة في الأسبوع بعد أن أغرتهم العاصمة البريطانية بقوتها كمركز تجاري.

فماركة «ماكوين» كانت تقيم عروضها الرجالية في ميلانو من قبل، وعروضها النسائية في «باريس» بينما تخصص خطها الأصغر McQ «إم سي كيو» لأسبوع لندن النسائي، لكن بعد افتتاحها محلا جديدا في العام الماضي في أشهر شارع خياطة رفيعة «سافيل رو» أصبح من المنطقي أن تعود الدار إلى لندن. نفس الأمر ينطبق على توم فورد، الذي يعرف جيدا أن لندن أصبحت مركزا تجاريا عالميا مهما، وبالتالي كان قراره محسوبا ومتزامنا مع افتتاحه أول محل له للأزياء الرجالية في «سلوان ستريت». ما تؤكده أرقام المبيعات أن شركات تفصيل القمصان والبدلات شهدت ارتفاعا ملموسا في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبح الرجل الشاب لا يتردد في صرف أكثر من ألف جنيه إسترليني على قطعة مميزة تكون بتصميم عصري يناسب أسلوب حياته. وشمل الأمر أيضا الإكسسوارات مثل الحقائب والأحذية بدليل أن كريستيان لوبوتان، صاحب النعل الأحمر الذي تعشقه أنيقات العالم، توجه لتصميم أحذية رجالية بنعل أحمر وأكد أنه لم يندم ولن يندم على هذه الخطوة أبدا. نفس الاستراتيجية تبناها الكثير من المصممين الشباب، مما دفع المخضرمين للخروج من أبراجهم العاجية ونخبويتهم ودخول منصات عروض الأزياء لمخاطبة جيل جديد من المستهلكين. فالتفصيل على المقاس قد يكون مجديا عندما لا تتوفر أزياء جاهزة بنفس المعايير تقريبا لكن عندما تكون المنافسة شرسة وعلى مستوى عال، فإن للضرورة أحكاما. والأحكام هنا تقول بأنه أصبح لزاما عليهم أن يتوجهوا لشريحة الأبناء والأحفاد وإلا بارت سلعهم وصنعتهم مع انقراض الآباء والأجداد. فمخاطبة الجيل الشاب لا يجدد دماءهم فحسب بل يمنحهم أيضا فرصة للاستمرار وتحريك المياه الراكدة، لا سيما أنهم ليسوا مضطرين للانسلاخ عن جلدهم تماما بل فقط تغييره بعض الشيء. المحك بالنسبة لهم الآن، أن الرجل العصري لا يعارض أزياء مفصلة بشكل متقن لكنه أصبح أكثر طمعا، بسبب الخيارات الكثيرة المطروحة أمامه. فهو يريد أزياء تمنحه الأناقة والتميز كما توفر له حرية الحركة بعمليتها تماشيا مع إيقاع حياته السريع.

ولا شك أن هذا النمو المتسارع الذي تشهده سوق الأزياء خصوصا والمنتجات الرجالية عموما كان له الدور الأكبر في تشجيع الكثير من المصممين، الذين بدأوا كمصممي أزياء نسائية، على دخول المجال الرجالي، مثل جوناثان سوندرز، كريستوفر كاين، وتوم فورد منافسين بذلك مخضرمين في هذا المجال مثل «دانهيل» و«هاكيت»، ريتشارد جيمس، هاردي إيميز و«إي توتز» وهلم جرا من الماركات التي كانت في عهد ما قصرا على النخبة من مرتادي «سافيل رو». هذه الخلطة بين الشباب والمخضرمين، أو بالأحرى بين التفصيل الكلاسيكي العصري والتصميم المبتكر، هو ما يعطي لندن نكهتها وشهرتها في الوقت ذاته. نكهة، تستمدها منذ البداية من قدرتها على الابتكار الذي قد يجنح للصرعات والجنون أحيانا، لكنه دائما يخفي بين طياته وألوانه الصارخة فكرة جديدة تتلقفها باقي العواصم وتطوعها للسوق بشكل أذكى وأعقل. طبعا شتان بين الأمس واليوم، فأبناؤها تعلموا الدرس، وفهموا أن الابتكار وحده لا يغني من جوع، وبالتالي عليهم أن يراعوا جانب التسويق، وهو ما نراه الآن على منصات عروض أزياء أغلبيتهم، باستثناء بعض المبتدئين الذين يعرفون أن الطريق الأسرع للحصول على مساحة مجانية في الجرائد والمجلات يعتمد على مدى قدرتهم على إثارة انتباه أو حفيظة المصورين الراغبين في المثير.