بيدر البصري: أخطط بدقة لأقدم فنا متميزا يرتقي بالغناء العربي

مغنية الأوبرا العراقية أحيت العشرات من حفلات الأوبرا في أوروبا وتحلم بمسرح عربي أوبرالي

مغنية الأوبرا العراقية بيدر البصري («الشرق الأوسط»)
TT

ليس لنا أن نعرف الفنانة العراقية الشابة بيدر البصري بأنها مغنية وحسب، فهي أكثر من ذلك بكثير، فهي مغنية أوبرالية، باتت منذ ما يقرب من 13 سنة معروفة في دول أوروبية كثيرة ومن خلال تقديمها العشرات من الحفلات الأوبرالية التي تؤديها باللغات العربية والهولندية والآرامية، وحتى اليوم حصدت جائزتين مهمتين مع لقب «صوت الأديان»، كما أنها غنت الكثير من الأغاني العراقية التراثية بأسلوبها الأوبرالي، وفاجأت جمهورها بأغنية من شعرها وألحانها وأدائها (أيام مشغول) التي ضمها ألبومها الأول الذي سيتم توزيعه قريبا، وفوق هذا وذاك فإن بيدر هي من تدير أعمالها وتخطط بدقة وصبر دقيقين لنجاحها وتقدمها.

بيدر البصري ولدت والغناء في روحها، تقول لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها في لندن مؤخرا خلال زيارة استجمام سريعة، حيث تقيم بهولندا: «ولدت في عائلة موسيقية تماما، والدي المؤلف الموسيقي حميد البصري الذي لحن أول مسرحيتين غنائيتين (أوبريت) في العراق؛ هما (بيادر الخير) و(المطرقة)، وتيمنا بهذا الأوبريت الذي قدم في أوائل السبعينات سميت بيدر»، مستطردة: «ووالدتي المطربة شوقية العطار التي أدت أغاني الأوبريتين المذكورين، إضافة إلى الكثير من الأغاني العراقية التي لا تزال محفوظة في الذاكرة السمعية للمتلقي العراقي، وأكبر إخواني قائد أوركسترا في فيينا، والآخر ملحن، والثالث رسام ومصمم غرافيك، والرابع مخرج مسرحي».

في 17 من الشهر الحالي، ستقف مغنية الأوبرا العراقية بيدر البصري على خشية مسرح مدينة لوزونيا السويسرية لتغني، للمرة الثالثة والثلاثين، أوبرا الأم الحزينة (ستابت مارتر)، من تأليف الإنجليزي كارل جنكيز. الحفل يقام من أجل السلام، والبصري ستؤدي، وسط ما يقرب من 200 عازف وعضو فرقة كورال، كمغنية أساسية باللغتين العربية والآرامية، حيث يعد هذا العمل من أكثر المؤلفات الأوبرالية التي قدمت في عموم أوروبا والعالم.

بيدر كانت قد غنت في أكثر من 60 حفلة أوبرالية خلال العامين الماضيين، أغلبها من أجل السلام، وحصلت على جائزتين مهمتين: الأولى في مدينة (تلبرخ) الهولندية مع أوركسترا هذه المدينة، وحازت لقب (صوت الأديان)، تقول: «عندما غنيت أوبرا (الأم الحزينة) للمؤلف الإنجليزي المشهور كارل جنكيز الذي كتب هذا العمل بلغات كثيرة وأنا أديتها بالعربية والآرامية - اشتغلت كثيرا على النص ومزجت معه مقامات عربية. أنا غنيت هذه الأوبرا لأكثر من 30 حفلة، وحصلت العام الماضي على لقب (صوت الأديان)»، موضحة أن «اللقب هناك أهم من الجائزة، والجائزة الثانية في برلين، وسأغني الأوبرا ذاتها في سويسرا، ذلك أني أؤدي هذه الأوبرا بشكل مختلف في كل مرة »، مشيرة إلى أن «موضوع السلام، وخاصة سلام الأطفال، يهمني للغاية، وأنا أفضل الغناء في مثل هذه الحفلات على أن أغني في حفلات هابطة مقابل مردود مادي كبير».

ورغم أن بداية بيدر كانت مع رقص الباليه، لكنها في سن الـ14وجدت نفسها بين اختيارين أسهلهما صعب؛ البالية والغناء الأوبرالي، فاختارت العودة إلى عشقها الأول، إلى بيتها الأصلي، الغناء؛ «فراقصة الباليه عمرها محدود وليس له مستقبل في العالم العربي. في سن الرابعة عشرة شعرت بأن الغناء هو هدفي، بحكم البيئة والعائلة، حيث الموسيقى والتمارين في البيت والمسرح أثرا في اتجاهي بصورة غير مباشرة».

في دمشق، درست بيدر في المعهد العربي للموسيقى «لأتعلم الموسيقى والغناء أكاديميا مثلما أصر والدي، قبل أن أنتقل لدراسة الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقى».

بيدر تبحث عما هو متميز، وعما يتناسب مع إمكاناتها الصوتية وأسلوبها في الغناء، لهذا «اخترت الأوبرا، لأنها فن متميز، وكنت أسمع الموسيقى الكلاسيكية، وكوني قريبة من الغناء الشرقي كنت أجمع بين الفنين. في عام 1997، انتقلنا إلى هولندا وهناك دخلت الكونسرفتوار الملكي في لاهاي، وهو واحد من أصعب المعاهد الدراسية العالمية خاصة في فن الأوبرا، وكان كل شيء جديدا بالنسبة لي وصعب، لكنني قررت المضي في هذا الفن واجتياز كل العقبات لأبرهن نفسي كعربية تغني الأوبرا في أوروبا. وقد أديت أعمالا أوبرالية صغيرة كثيرة، لكني أعتبر بدايتي الحقيقية عندما تم تلحين 4 أغاني أوبرالية لي باللغة الهولندية في عمل عنوانه (الانتقال) سنة 2003 للمؤلف الهولندي (تيو هوك) وقدمته مع الفرقة السيمفونية الهولندية (متروبول أوركسترا)، وهي واحدة من كبرى الفرق الموسيقية هناك وتدور حول العالم لتقدم أعمال موسيقية عالمية، وطبع هذا العمل على أسطوانة ليزرية وزعت في هولندا، وفي هذا الحفل غنت الفنانة العراقية فريدة أغنية هولندية وكذلك مطرب إيراني».

المعروف عن بيدر خجلها، عندما تتحدث، وعندما تلتقي الآخرين، لكن كيف وقفت وسط فرقة موسيقية عالمية لتغني بالهولندي عملا أوبراليا كبيرا، تقول: «لم أشعر باللقلق أو الخشية كوني أغني أوبرا في بلد ووسط جمهور أوروبي ومع 92 عازفا كبيرا، كان من المفروض أن أخاف أو أقلق، لكن هذا لم يحدث، بل شعرت بثقة كبيرة، المفارقة الغريبة أني خجولة في الحياة وشجاعة فوق المسرح»، مضيفة: «لم أكن أفكر في الغناء العربي أو أنني سأكون مغنية عربية، فقد أخذني تيار الأوبرا بقوة وسط اهتمام الملحنين والمؤلفين والجمهور الأوروبي، وخاصة أني قدمت حفلات في هولندا وسويسرا وألمانيا وفرنسا، لكني ومنذ دخولي الجامعة كنت أتعمد إدخال مقامات عراقية أو جمل غنائية عربية في الأعمال الأوروبية».

ستتوقف بيدر البصري ثانية لتفكر في اختياراتها المستقبلة، تقول: «بعد تخرجي في الكونسرفتوار الملكي بلاهاي، توقفت مع نفسي لأرى أين أنا وإلى أي طريق اتجه، خاصة في ما يتعلق بالغناء العربي الذي يؤسس روحي، وزرت دولا عربية وقدمت في دمشق مسرحيات غنائية، وقررت أن أشتغل على أوبرا عربية وأن أمزج بين الغناء العربي والأوبرالي، وأنا أحلم بأوبرا عربية، خاصة أن الغناء العربي يكاد يخلو من هذا الفن، وأن أكون جسر تواصل بين الغناء الشرقي والأوبرالي، مع أن هناك مغنيات أوبرا عربيات خاصة في لبنان ويؤدين أوبرا غربية، ولا أدري إن كن يؤدين أوبرا عربية أم لا؛ لأنني لم أستمع لمثل هذا الغناء، لكني كعراقية ليس لي في هذا المجال أي منافسة».

تقول: «لا أريد أن أكون مغنية عربية معروفة أو مشهورة مثل باقي المغنيات العربيات فقط، أنا أريد أن أقدم فنا غنائيا راقيا ومتميزا، تماما مثلما قدمت الفنانة الكبيرة فيروز أو الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي. أنا أرفض الغناء في مسارح وهناك طاولات طعام وشراب أو أن أغني لتسلية الجمهور، أريد أن أقدم أغنية مثقفة تستحوذ اهتمام جمهور واسع من المستمعين الذين يتمتعون بذائقة موسيقية متطورة وفي ذات الوقت أطور ذائقة الآخرين، وعندما أغني مثل هذا الأسلوب أتلقى رسائل واتصالات من جمهور واسع يعبر عن إعجابه ويطالب بالمواصلة، كون الغناء العربي يحتاج لمثل هذا النوع من الأداء».

وعن سبب قلة إنتاجها للأغاني العربية مقارنة بالعشرات من الأغاني الأوبرالية باللغة الهولندية، توضح البصري: «شركات الإنتاج العربية تريد احتكار الأصوات من دون أن أبدي رأيي في كلمات الأغنية أو ألحانها أو أسلوب غنائها، وأكون أسيرة شروطهم، فهم يريدون الأغاني السريعة الراقصة الاستهلاكية التي لا تقدم الكثير للجمهور، ورفضت مثل هذه العروض التي ستقودني بسرعة إلى الهاوية، لهذا قررت أن أمضي في الطريق الصعب من دون أن أخسر نفسي، وأنا سعيدة بهذا الاختيار»، مستطردة: «لهذه الأسباب، أنا غير معروفة عربيا لأنني أقيم بأوروبا أولا وأقدم أعمالي هناك، ولأنني ثانيا، أقدم فنا مختلفا عما هو شائع في الدول العربية، ثم إني ينقصني مدير أعمال جيد يستطيع أن يقنع الآخرين بأسلوبي، ولأنني لا أعمل وفق قاعدة الجمهور وهي رغبتي، مثلما كان يريد مديرو أعمالي الذين لم ينجحوا في تقديمي ولم يقدموا لي أي شيء، فأنا لا أغني في حفلات الأعراس أو المطاعم، وهذا ما كان يثير انزعاج مديري أعمالي، فأنا مديرة أعمالي، وأنا من أخطط لنجاحي وحفلاتي، وهذا يأخذ مني الكثير من الوقت والجهد».

وفي الغناء العراقي أيضا، ذهبت بيدر إلى ما هو متميز وصعب، توضح: «غنيت أغاني عراقية تراثية، فأنا درست الموسيقى والغناء الغربي الأوبرالي، لكن والدي ووالدتي كانا يشدانني نحو جذورنا الشرقية، ويشددان علي بألا أنسى جذوري الفنية، وعندي حلم أن أعيد غناء الكثير من الأغاني التراثية العراقية بأسلوب مختلف ومع أوركسترا سيمفوني، وهذا مشروع كبير لا أستطيع تحقيقه وحدي، مثلا غنيت (يا نبعة الريحان) مع فرقة هوائيات أمستردام الشهيرة، وهذه أغنية صعبة ليس من السهل أن تنفذ مع فرقة هوائيات غربية ونجحت في ذلك واعتبرت الفرقة الهولندية هذه إضافة لهم، وذلك خلال مسابقة رشحتني لأن أغني في حفلة ليلة رأس السنة الجديدة عام 2002 في أكبر مسرح هولندي بأمستردام (كونسرت خباو)، وهذه الحفلة نقلت مباشرة عبر الإذاعة والتلفزيون».