جوائز «غولدن غلوبس».. معركة المخرجين تبدأ الليلة

هل لعب أعضاء أكاديمية الأوسكار دور الرقيب السياسي؟

بن أفليك مخرج «آرغو»
TT

ليل الأحد الثالث عشر من هذا الشهر، بتوقيت الساحل الغربي لأميركا، هو ليل الـ«غولدن غلوبس». تلك الجائزة السنوية التي تحتفل هذا العام بمرور 70 سنة على إطلاقها، عندما قام لفيف من مراسلي الصحف في هوليوود بإقامة الحفلة الأولى. بحث الأعضاء حينها عن مكان لإقامة احتفالهم، وسعدوا بأن رحّبت إدارة استوديو «تونتييث سنتشري فوكس» باستضافتهم سنة 1944.

لكن حفلة هذا المساء تأتي مختلفة بعض الشيء، ليس لمناسبتها السعبينية المذكورة، بل بسبب ترشيحات الجائزة الأم بين كل جوائز المؤسسات والجمعيات الأميركية وغير الأميركية وهي الأوسكار. فالقارئ للترشيحات الرسمية يجد هذه السنة خروجا متكررا عن المألوف، أنجز حتى الآن لغطا كبيرا في الأوساط السينمائية كافة.

ذلك أن هذه الترشيحات شملت 9 أفلام، هي كل ما تم تداوله من أعمال في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي وحتى الآن وهي «الثانية عشرة والنصف ليلا» (دارك زيرو ثيرتي) لكاثرين بيغيلو، و«أرغو» لبن أفلك، و«دجانغو طليقا» (دجانغو انتشايند) لكونتين تارنتينو، و«لينكولن» لستيفن سبيلبرغ، و«حياة باي» (لايف أوف باي) لآنغ لي، و«البؤساء» لتوم هوبر، كما «كتاب مسطر بالفضة» (سيلفر لايننغ بلايبوك) لديفيد أو راسل، كما «وحوش البراري الجنوبية» (بيستس أوف ذا وايلد) لبن زيتلن، و«حب» (آمور) للألماني ميشيل هنيكه.

إنها 9 أفلام تتنافس بضراوة منذ الآن على الفوز بأوسكار عام 2013، لكن ما هو مثير إلى حد الاستهجان لدى البعض هو أن الأعضاء المصوّتين لجوائز الأكاديمية تجاهلوا عددا من أبرز مخرجي الأفلام المرشّحة للأوسكار، وذلك في مسابقة أوسكار أفضل مخرج. وفي المقدّمة، طبعا، كاثرين بيغيلو نفسها ومخرج «أرغو» بن أفلك ومخرج «دجانغو طليقا» كونتين تارانتينو. بذلك اكتفت القائمة الخماسية بالمخرجين ميشيل هانيكه («حب») وبن زيتلن («وحوش البراري الجنوبية») وآنغ لي («حياة باي») وستيفن سبيلبرغ («لينكولن») وديفيد أو راسل («كتاب مسطر بالفضة»).

المفارقة الأولى في ذلك أن «الثانية عشرة والنصف ليلا»، ومن وجهة نظر نقدية بحتة، فاز بأعلى نقاط تقدير له بين كل الأفلام الواردة في ترشيحات مسابقة أفضل فيلم، إذ بلغت نسبة المعجبين به والمانحين له درجات تقييم من ثلاثة نجوم إلى خمسة (أي من جيّد إلى تحفة) 95 في المائة من نقاد الولايات المتحدة الرئيسيين. ومع أن «لينكولن» حظى بتقدير جيّد هو الآخر، إلا أنه لم يتجاوز الـ83 في المائة.

قبله في التقدير «أرغو» (86 في المائة) لبن أفلك الذي بدا عليه الامتعاض أكثر من سواه حينما حضر حفل توزيع جوائز «جمعية نقاد البث» Broadcast Film Critics Association ليلة ظهور ترشيحات الأوسكار يوم الخميس الماضي. أفلك وقف على المنصة ليستلم جائزة الجمعية المسماة بـ«اختيار النقاد»، وقال: «أشكر الأكاديمية» ثم توقف، قبل أن يبتسم ساخرا ويقول: «أمزح». لكن الرسالة وصلت، ونقاد البث التلفزيوني والإذاعي وقفوا يحيون المخرج الذي حقق أحد أفضل أفلام العام، وبالتأكيد، أفضل من فيلمه السابق «البلدة» الذي تم عنه ترشيح أفلك قبل 3 أعوام لأوسكار أفضل مخرج.

ليس بعيدا عنه وقفت المخرجة كاثرين بيغيلو التي رُشحت لجائزة أفضل مخرج وأفضل فيلم في جوائز هذه الجمعية، لكنها كانت أكثر تماسكا وما لبثت جسيكا شستين، بطلة «الثانية عشرة والنصف ليلا» التي فازت بجائزة أفضل ممثلة (مرشحة في سباق الأوسكار أيضا)، أن أسدت إلى مخرجتها بيغيلو التحية بصدق ملحوظ، فهي إذ شكرتها لم تستطع جمح الرغبة في البكاء تقديرا لها.

لكن هل يمكن أن تكون السياسة لعبت دورها في استبعاد مخرجي الفيلمين السياسيين الوحيدين في قائمة أفضل فيلم؟ «أرغو» و«الثانية عشرة والنصف ليلا» كليهما عن موظف في الـ«سي آي إيه». كلاهما حول مهمة فعلية موثقة في ملفات الجهاز القوي، وكلاهما ينجز نظرة واقعية على شغل الوكالة. «أرغو» وإن بدا ملوّحا بجهد الوكالة في عملية إنقاذ ستة أميركيين لجأوا إلى السفارة الكندية عندما اندلعت ما سمّي بـ«ثورة الخميني»، فإنه يظهر أن الوكالة لم تكن مؤمنة بما انبرى لتحقيقه فرد واحد منها، ولم تمد له يد العون إلا في مراحل أولى قبل أن تغير رأيها في المهمة بأسرها مع استعداد للمخاطرة بأرواح الأميركيين في طهران.

المؤكد أن الوكالة لا تسعى لتحبيذ فيلم أو مهاجمة فيلم بناء على ما يعرضه. قد لا توافق لكنها لا تتدخل. ما يمكن أن يكون لعب الدور لصالح إخراج أفلك وكاثرين بيغيلو من حسابات أوسكار المخرجين هم الأعضاء بأنفسهم، وعلينا أن نتذكر أنهم مؤلفون من ممثلين ومخرجين وسينمائيين آخرين في كل أركان الصناعة، لكنهم في النهاية لا يقيمون الأفلام ومخرجيها حسب معايير فنية صارمة، بل حسب ما قد يتفاعل في أجواء الحياة من سياسة وعواصف، وفيلم كاثرين بيغيلو نال منها ما يكفيه.

من ناحية فنية ملتزمة، فإن الجهد المبذول من قِبل أفلك وبيغيلو أفضل من ذاك الذي بذله ديفيد أو راسل في فيلمه الكوميدي ذي النبرة التلفزيونية «كتاب مسطر بالفضة»، وأفضل من ذاك الذي مارسه بن زيتلن في «وحوش البراري الجنوبية».

أكثر من ذلك، كيف نفهم وجود الفيلم النمساوي/ الفرنسي «حب» لميشيل هنيكه في مسابقتي أفضل فيلم وأفضل فيلم أجنبي ثم وجود المخرج في عداد سباق أفضل إخراج، إلا على أساس التمهيد لمنحه جائزة أفضل فيلم أجنبي، و«ربما» جائزة أفضل إخراج.

لكن ما سبق كله وما تردده هوليوود خلال الأيام الحالية مما يمعضها هو أخبار حسنة بالنسبة لستيفن سبيلبرغ وفيلمه «لينكولن». على عكس «أرغو» و«الثانية عشرة والنصف ليلا» هو فيلم مصنوع بالرذاذ التلميعي الذي يمارسه المخرج في أفلامه «الجادة». ربما أميركا تريد أن تستعيد ثقتها بنفسها وأن تشعر بأن تاريخها القديم منه والحديث ليس بسوء ما تصوره بعض الأفلام.. وهنا يأتي دور «لينكولن» ورسالته.

لكن مهلا.. السباق لا يزال في مطلعه وكثير من توجهات هوليوود في الفترة المقبلة ستؤسس بدءا من الليلة، مع الإعلان عن نتائج جوائز «غولدن غلوبس» حيث كل من أفلك وبيغيلو وتارانتينو وسبيلبرغ وآنغ لي مرشح لجائزة أفضل فيلم درامي. وفي الثاني من الشهر المقبل، ترتفع حرارة السباق الكبير بإعلان جوائز «جمعية مخرجي السينما الأميركية» تلك التي ستشهد منافسة الأسماء المذكورة ذاتها باستثناء أنه تم، في ترشيحات الجمعية الرسمية، استبدال تارانتينو بالمخرج البريطاني توم هوبر عن فيلم «البؤساء». حينها سنرى كيف يحكم المخرجين على المخرجين بأنفسهم. لكن الثابت هو أن نجاح الأوسكار يعود لكل الجوائز التي تسبقه فهي ترمي أمامه المزيد من الاحتمالات على مدار الأيام التالية.