المخرج الإسرائيلي إيران ريكليس يتناول في «زيتون» النزاع إنسانيا لا آيديولوجيا

يسلط الضوء على «الصداقة غير المحتملة» بين إسرائيلي وفلسطيني

أعمال إيران ريكليس تركز على المحيط الإسرائيلي والفلسطيني بشكله الإنساني
TT

أحدث أفلام المخرج الإسرائيلي إيران ريكليس «زيتون» هو فيلم يروي قصة رفيق درب خلال الحرب يسلط الضوء على ما يشار إليه بـ«الصداقة غير المحتملة» بين رجل إسرائيلي وصبي فلسطيني. ومثل أفلامه السابقة، يحاول هذا الفيلم النظر في العلاقات الإنسانية خارج التصنيفات التي تفرضها السياسة. ويأخذنا فيلم «زيتون» إلى بيروت عام 1982 حيث الصبي الفلسطيني فهد الذي يأسر الطيار الإسرائيلي يوني. ويسكن فهد في مخيم صبرا وشاتيلا، وهو واحد من أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين، والذي شهد أبشع مجزرة في التاريخ الحديث. وتم قتل والده، الذي كان آخر ما تبقى له، في غارة جوية إسرائيلية.

يصطحب الفيلم، الذي تدور أحداثه قبل بضعة أشهر من مذبحة صبرا وشاتيلا، الجمهور في رحلة من بيروت إلى جنوب لبنان. ويحاول فهد تحقيق رغبة والده وهي زراعة شجرة زيتون في القرية التي ولد فيها، في الوقت الذي يحاول فيه يوني العودة إلى قاعدته. وخلال الرحلة مع هاتين الشخصيتين نشاهد تطور علاقتهما وتجاوزها للنزاع وتحولها إلى علاقة صداقة حميمة.

ليس هذا أول فيلم لريكليس يتناول هذه الفكرة، ففيلمه «كاب فاينال» (نهائي الكأس) عام 1992 هو الأكثر شبها بهذا الفيلم، حيث تدور أحداثه خلال مجزرة صبرا وشاتيلا ويتناول من خلاله علاقة بين أسير فلسطيني والإسرائيلي الذي يأسره. ويتناول فيلم «شجرة الليمون» عام 2008 قصة جيران عرب وإسرائيليين تقع بين منزليهما قطعة أرض مشتركة، في محاولة لتأمل العناصر الإنسانية في علاقات القوة.

إن ريكليس رجل ودود وواضح وصريح. أفكاره عن العلاقات التي يسودها السلام بين العرب والإسرائيليين أساسية ورقيقة، وهدفه هو أن يجعلها أساسا لتواصل أكبر. لقد تحدثنا خلال المقابلة عن كيفية تفاعل الناس مع أعماله والتأثير الإقليمي على أفلامه. وقال: «إذا أردت أن أوضح أمرا فسيكون هو أن خلف الأفكار السياسية والتحامل السياسي هناك أشخاص يعانون من قرار سياسي اتخذه شخص بعيد عنهم». رغم أن جملة أعمال ريكليس تركز على المحيط الإسرائيلي والفلسطيني، ترتكز فكرته على أن الصراع بين الأمم والأعراق عالمي يستطيع أن يدركه أكثر الناس أو يجدوا رابطا بينهم وبينه. يجعل الطابع العالمي المؤسف للظلم والتحامل الناس تفهم أن السياسة التي تؤثر على الناس وتنشر الكراهية بينهم عادة ما تكون خارج نطاق سيطرتهم. وأوضح قائلا: «إن الأمر يتعلق بالناس والتخلص من كل المفاهيم الخاطئة التي لديك عن المكان. الأمر يتجاوز نطاق المنطقة بالنسبة لي، فهو قصة عن فلسطينيين أو إسرائيليين أو دروز أو سوريين، لكن إذا أخذت العناصر نفسها ووضعتها في آيرلندا أو أوروبا الشرقية أو آسيا، لن تختلف القصة». ومن الواضح أن إدراك ريكليس لتأثير الحكومة في واشنطن أو لندن أو غيرهما من البلدان على الحياة في مدينته ساهم في تشكيل طريقة تفكيره.

وتعبر اللغة السينمائية التي يستخدمها ريكليس عن هذا التوجه من خلال الرموز والشخصيات. هناك فكرة أن الناس حول العالم قد تجد ألفة بينها وبين شخصية الصبي اليتيم الذي اضطر إلى الخروج إلى عالم الكبار بسبب الظروف السياسية المحيطة به. ويوضح ريكليس قائلا: «فهد هو صبي فلسطيني عاش طفولة خاصة محزنة، لكنه في الوقت ذاته قد يكون طفلا يركض حول فيللا في البرازيل أو في أي مكان آخر».

بالعودة إلى السياسة الخاصة بالمنطقة، وبفيلمه، نرى أن هذه هي المرة الثانية التي تحتل فيها مذبحة صبرا وشاتيلا موقعا بارزا في الأحداث. وتدور أحداث فيلمه «نهائي الكأس» أثناء مذبحة صبرا وشاتيلا، في حين تدور أحداث فيلم «زيتون» خلال فصل الربيع الذي يسبق المذبحة. ويقول: «أعتقد أنها لحظة محورية في تاريخ إسرائيل والعلاقة مع الفلسطينيين. في سبتمبر (أيلول) عام 1982 تم اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، ثم حدثت مذبحة صبرا وشاتيلا. أما في الجنوب فكانت إسرائيل تتحكم في جيش جنوب لبنان».

كان اختيار لحظة ما قبل الحرب مثاليا بالنسبة إلى ريكليس نظرا لما أعقبها من فوضى وانهيار. ويضيف: «لقد كانت فترة مثيرة للاهتمام لأنه من جانب يشعر المرء بطبول الحرب، ومن جانب آخر لا يزال الفلسطينيون يسيطرون على الوضع، بينما يشن الإسرائيليون هجمات عشوائية».

عندما نتأمل اللغة السينمائية والرموز والسمات المميزة لهذا الصراع مرة أخرى، نجد أمامنا فيلما محملا بأيقونة المفتاح التي ترمز إلى حق عودة الفلسطينيين. ويرتدي فهد طوال أحداث الفيلم الملابس الفلسطينية الثورية الكاملة التي اختزلت حاليا في الكوفية الفلسطينية الرمزية ونظارة الطيار، التي كانت تعد رمزا عسكريا للزمن. ويقول ريكليس: «لم أتجنب هذه القضايا لأنني كونت شعورا بهذه التقنية، حيث يمكنك القيام بشيء يمكن للجمهور استيعابه بسهولة نسبية، حتى إذا كان الجمهور يعارض الرسالة التي يحملها الفيلم أو إذا كان متحاملا على الإسرائيليين أو الفلسطينيين. أعتقد أنني أحاول أن أصنع أفلاما تتفادى ذلك».

هدف ريكليس الدائم هو الناس في ما وراء السياسة، وحياة البشر التي تتأثر بالاضطرابات. ويوضح قائلا: «لقد تعلمت من تجربتي أن الناس تجد من السهل نسبيا التعرف على وجهة نظر إنسانية من خلال فيلم. بمجرد مرورك من هذه الفتحة الضيقة في الباب، أعتقد أن كل شيء يصبح ممكنا من حيث مساعدة الناس على إدراك أن رسائلي ليست سياسية، ولا أتبنى نهجا عقائديا اخترته، بل دعوة للمشاهد بتجاوز عناوين الصحف الرئيسية والتلفزيون وما يرى وما يقرأ على الإنترنت وما يعتقد أنه يعرفه ويشعر به، ويحاول الانفتاح قليلا. ويكون المصير إما النجاح الساحق وإما الفشل الكامل».

الفيلم يعرض حاليا في صالات السينما في المملكة المتحدة.