الجري في شوارع القاهرة.. هواية جديدة تستهوي المصريين

تنحصر في ساعات الصباح الأولى تجنبا الزحام

بعض المشتركين يرتدون القمصان الخاصة بالحملة
TT

بعد أقل من ساعة من بزوغ فجر يوم الجمعة وكانت أشعة الشمس التي خاصمت سماء القاهرة لأيام بدأت تبعث أشعتها على استحياء لتتخلل الغيمات الرمادية التي تأبى أن تنقشع عن السماء بسهولة لترسم في الأفق لوحة للسماء بلون الفانيليا، ووسط هدوء العاصمة المعتاد نهار يوم العطلة الأسبوعية كانت مجموعة عدائي القاهرة Cairo Runners تبدأ في تمرينات التسخين للجري في حي مساكن شيراتون شرق القاهرة.

وللأسبوع الخامس على التوالي يتجمع شباب وفتيات مصريون في أحياء بالقاهرة للجري في الصباح الباكر، وبدأت الدعوة من خلال موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» ووصل عدد المشتركين إلى أكثر من 6 آلاف عضو ولا تشترط الدعوة على المتقدمين أي رسوم أو شروط فقط أن يكون مرتديا لحذاء رياضي.

ويقول إبراهيم صفوت مهندس ميكانيكا إن الفكرة خطرت له من منطلق رؤيته التي تقول إنه رغم النظرة السيئة التي ينظر بها إلى شوارع القاهرة بسبب التلوث والزحام وما إلى ذلك، إلا أنها لا تزال جميلة، حتى إن أصدقاءه طرحوا عليه أن تكون الدعوة في أماكن مغلقة بدلا من شوارع القاهرة التي تعاني كثيرا من الإهمال.

لساعة أو أكثر يجري المشتركون من شباب وفتيات في المجموعة من مختلف الأعمار ولكن الغالبية منهم حديثو السن. يجرون بحرية في شوارع القاهرة متناسين الهموم والمشاغل سواء كانت عمل أو امتحانات الفصل الدراسي الأول أو المذاكرة، والفتيات لا يأبهن بكون شعورهن مبعثرة جراء العدو أو إذا كان هناك أحد متربص بهن ليتحرش بهن، فقط يجرون بحرية دون التفكير في المنافسة أو في جائزة سيفوزون بها عند خط النهاية. الهدف فقط الاستمتاع بندى الصباح النقي وشوارع العاصمة المصرية وهي خالية.

ويقول صفوت أيضا إنه استوحى الفكرة من المجموعات التي كانت تطوف شوارع القاهرة بالدرجات في أيام الجمع، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «صممت على أن يكون الجري في الشوارع على الرغم من نصائح البعض لي بأن هناك مشاكل قد تعوق المهمة من معاكسات قد تتعرض لها الفتيات أو بسبب مشاكل الشوارع أو أننا قد نعيق حركة السير في الشوارع وغيرها إلا أن توقيت العدو جعلنا نتفادى كل هذه المشاكل».

ويوضح صفوت أنه ورفاقه المنظمين قسموا أنفسهم إلى فِرق، وأن التنظيم يزداد صعوبة كل مرة مع تزايد أعداد المشتركين في جولات العدو، فهناك مجموعة مختصة بالمتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى بالدعاية وفريق آخر يتفحص الطرق وملاءمتها للعدو ووضع لافتات لتوجيه العدائين لخط السير وأخرى توزع قمصانا عليها العلامة المميزة للحملة.

وبدأت الدعوة من حي الزمالك غرب القاهرة في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي لمسافة 4 كيلومترات على أن تزيد كل أسبوع كيلومترا واحدا لتصل بنهاية الخمسة عشر أسبوعا إلى 22 كيلومترا وهي مسافة نصف الماراثون.

ويقول محمد سيف المنسق الإعلامي للحملة إنه على الرغم من أن عدد المشتركين لم يتجاوز السبعين في المرة الأولى التي كانت في حي الزمالك، فإنهم رأوا أنها بداية موفقة. ويضيف سيف لـ«الشرق الأوسط» أنه «في الأسبوع الثاني في منطقة الكوربة بضاحية مصر الجديدة تضاعف العدد وفي المرة الرابعة في حي الدقي تخطى عدد المشتركين حاجز الـ300 مشترك».

وعلى الرغم من برودة الجو الذي نادرا ما يعهده سكان العاصمة المصرية فإن مئات من الشباب والفتيات قرروا مواجهة لسعة البرد بالجري لمسافات طويلة في شوارع القاهرة ليكونوا أول فريق لماراثون هواة بالعاصمة. وقال صفوت إنه كان يمكن لأعداد المشتركين أن تكون أكثر بكثير إذا كان موعد العدو متأخرا ساعتين أو أكثر إلا أنه أوضح أن أحد الأهداف الأخرى للحملة هو تحسين صحة الناس.

ويضيف سيف: «الموعد المبكر أفضل بكثير لأن الجو أقل تلوثا وأكثر صحة إلى جانب عدم تعرض الفتيات للمضايقات أو التحرش».

واستطاعت الحملة لما حققته من شهرة في الأوساط الشبابية أن تغري شركات كبرى للمياه الغازية للدعاية في وقت العدو. واستطرد صفوت: «نفكر بعد نهاية الخمسة عشر أسبوعا المقررة أن ننظم جولات العدو بشكل شهري أو نصف شهري ولكننا لم نستقر بعد على رأي محدد، فالهدف في الوقت الراهن هو أن يعتاد الناس على الأمر وعلى الاستيقاظ مبكرا للتريض». ويتابع سيف ضاحكا: «أتوقع أنه بعد انتهاء الثلاثة أشهر سيشعر الناس بأن هناك شيئا ينقصهم، فالغرض هو تغيير عادات الناس نحو الأفضل».

ويقول المنظمون إن هناك مشتركين بدأوا بالفعل في تغيير عاداتهم إلى الأفضل، مثل شاب قرر بعد تعبه من العدو أن يقلل من تدخينه للسجائر حتى يجري بشكل أفضل في المرة القادمة، وآخر ليس معتادا على التريض أصبح يتمرن يوميا على الجري صباحا حتى يؤدي بشكل أفضل في جولات عدائي القاهرة.

ويقرر المنظمون المكان المحدد للعدو قبلها بيوم أو يومين على الأكثر وينشرونها على الصفحة الرسمية للحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول صفوت إنه في الجمعة المقبلة والتي من المفترض أن تكون مسافة الجري فيها 8 كيلومترات سنضع نقطتين للنهاية الأولى تكون بعد مسافة 5 كيلومترات لمن لا يستطيع أن يكمل المسافة كاملة.

ويقول صفوت إنه في نهاية المدة المحددة سيتم عمل احتفال بالجري نصف ماراثون أي ما يعادل نحو 22 كيلومترا، وفيه سيتم جمع رسوم توجه عائداتها بالكامل لأحد الأعمال الخيرية في مصر، ولكن لم يتقرر إلى أي هذه الأعمال سيتم توجيه العائدات.

وعلى الرغم من أن ثقافة التريض والعدو في الشارع المصري أمر نادر ولا يتعدى المبادرات الفردية، فإن مجموعات العدائين بالقاهرة أصبحت أول فرقة ماراثون في القاهرة لا تنتمي إلى ناد رياضي معين أو مدرسة أو جامعة.