ماذا يقرأ العلماء؟

مشروع بريطاني للتعرف على تأثير الأدب على العلم والعلماء

TT

لمجال الأدب دور مهم في نمو وتطور العلوم وفي التأثير على العلماء، ولكن، كيف يمكن أن تسهم الآداب في إلهام العلوم والعلماء؟ سؤال سوف يتم الإجابة عنه بأدلة تجريبية، من خلال مشروع بحثي اسكوتلندي بجامعة أدنبره، بعنوان «ماذا يقرأ العلماء؟»، تم إطلاقه في النصف الأول من العام الماضي 2012، بهدف معرفة تأثير الأدب على العلم والعلماء والقرارات التي يتخذونها، وسوف تعلن نتائج هذا المشروع البحثي خلال العام الحالي (2013)، ضمن مهرجان أدنبره الدولي للعلوم ومهرجان العلوم البريطاني.

ومشروع «ماذا يقرأ العلماء؟»، وموقعه الإلكتروني (www.whatscientistsread.com)، يهدف إلى معرفة تأثير الأدب على الفكر العلمي والممارسة العلمية، بمعنى هل قراءة الأدب تؤثر على العلماء والقرارات الوظيفية لهم ليتجهوا نحو العمل في المجال العلمي ويصبحوا علماء؟ ويتضمن المشروع إجراء مقابلات مع العلماء في اسكوتلندا، في محاولة للكشف عن تأثير الأدب على العلم، بالإضافة إلى إمكانية مساهمة جميع العلماء حول العالم في هذا البحث، وذلك من خلال الموقع الإلكتروني للمشروع.

كما يهدف هذا البحث إلى سد الفجوة بين مجالي العلم والأدب، من خلال إجراء مقابلات متعمقة مع ما يقرب من 20 من العلماء من مجموعة مختلفة من المجالات والمؤسسات والقطاعات العلمية في جميع أنحاء اسكوتلندا، وذلك لفحص عادات القراءة الأدبية لديهم منذ مرحلة الطفولة، وبيان أثر ذلك على ممارسات العلماء، وقد تضمن البحث كثيرا من الأسئلة، منها: هل العلماء يقرأون الأدب؟ وماذا يقرأون؟ وهل قراءة الأدب تؤثر على قرارهم الوظيفي واختيارهم لمهنتهم ليصبحوا علماء؟ وكيف تؤثر قراءة الأدب على التفكير العلمي والممارسة العلمية، بمعنى هل الممارسة تغطي جميع العمليات ذات الصلة بالعلم، من حيث صياغة الفروض الأولية والتوصل للنتائج والمزيد من التواصل؟ وهل يستخدم العلماء الأدب مباشرة في أي من الممارسات العلمية؟ وكيف يرى العلماء العلاقة بين الأدب والعلم؟ والإجابة عن كل هذه الأسئلة تفيد في سد الخلل في الاهتمام بمجالي الأدب والعلم، وفي دعم السياسات البحثية والعلمية وبرامج المنح الدراسية المقدمة للعلم والأدب، وبرامج المشاركة العامة.

كما يهدف البحث إلى إنتاج ونشر معارف جديدة حول كيفية تأثير الأدب على العلم وتشجيع الحوار الجاري حول العلاقة بين العلم والأدب، بين العلماء وعلماء الاجتماع وعلماء الإنسانيات والكتاب والجمهور وصناع القرار الخاص بالعلوم والبحوث.

وبالإضافة إلى المقابلات البحثية المتعمقة مع العلماء، فإن الموقع الإلكتروني للمشروع البحثي الاسكوتلندي، يتيح جمع بيانات تكميلية، إذ يتيح الموقع للعلماء من جميع أنحاء العالم، المساهمة في البحث بأفكارهم وخبراتهم وتجاربهم ومقالاتهم القصيرة، حول الأدب وما يرغبون في قراءته، وأسباب ذلك، وما إذا كان هناك صلة بين الكتب المفضلة لديهم واختيار المهنة والتأثير على أسلوب وطريقة العمل في مجال العلوم، وكيف ينظر العلماء إلى العلاقة بين الأدب والعلم. وسيتم تحليل هذه البيانات والمعلومات مع نصوص مقابلات العلماء، من خلال التحليل الأدبي والتعليق النظري النقدي، بما في ذلك استعراض العمل الأدبي وقراءة دقيقة للنصوص الأكثر شعبية التي أظهرتها الدراسة، بالإضافة إلى التحليل النقدي والتعليق على النتائج المهمة للمقابلات مع العلماء.

وسوف تعلن نتائج هذا المشروع البحثي في مهرجان أدنبره الدولي للعلوم ومهرجان العلوم البريطاني خلال العام الحالي (2013)، وسوف يشمل أعضاء من فريق البحث ودعوة المشاركين في البحث من العلماء والمعلقين على النتائج، كما أن نتائج هذا المشروع وجميع معلوماته ستكون متاحة على موقعه الإلكتروني، وستكون مصدرا ذا قيمة في العلاقة بين العلم والأدب، لكل من المعلمين والأكاديميين والجمهور ووسائل الإعلام، كما سيتم إصدار كتاب بعنوان «ماذا يقرأ العلماء؟»، يحتوي على نتائج التحليلات الأدبية والمقابلات مع العلماء، كما سيتم نشر مقالات عن نتائج هذا المشروع بالدوريات العلمية وفي المؤتمرات ذات الصلة. وبالإضافة إلى المخرجات الأكاديمية، سيتم إصدار تقارير قصيرة إلى الهيئات الحكومية ذات الصلة ومجلس البحوث والممولين والمجتمعات العلمية والأكاديمية والمؤسسات الأخرى التي لها مصلحة في الترابط بين العلوم والآداب. وفي نهاية المشروع سيتم عقد ورشة في الجمعية الملكية في أدنبره، ومنتدى بحوث وسياسة الجينوم (مجمل المعلومات الوراثية للكائن الحي)، بكلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بجامعة أدنبره، وهو مبادرة جديدة في مجال بحوث العلوم الاجتماعية. وسوف تعمل نتائج هذا المشروع البحثي المهم على تعزيز العمل المستقبلي وتشجيع الحوار والنقاش العام حول تأثير الفنون، وعلى وجه التحديد تأثير الأدب على العلم.

ومشروع «ماذا يقرأ العلماء؟»، قد تم تمويله من خلال الجمعية الملكية في أدنبره، ومنتدى بحوث وسياسة الجينوم بجامعة أدنبره، كما تم دعمه من قبل جامعات أدنبره وسانت أندروز، وغلاسكو، وقد شمل أعضاء المشروع كلا من الدكتورة كريستين نايت زميل باحث في منتدى بحوث وسياسة الجينوم بجامعة أدنبره، والدكتورة سارة ديلون، التي تحاضر في الأدب المعاصر في كلية اللغة الإنجليزية بجامعة سانت أندروز، ودكتورة بيبا غولدشميت كاتبة وحاصلة على الدكتوراه في علم الفلك وعملت في قسم الفلك لعدة سنوات في «إمبريال كوليدج» بلندن، والبروفسور ميلز بادجيت أستاذ البصريات في كلية الفيزياء والفلك في جامعة غلاسكو في اسكوتلندا.

جدير بالذكر أن العلاقة بين مجالي العلوم والإنسانيات، كان أول ظهور لها في مايو (أيار) عام 1959 حين ألقى عالم الكيمياء والفيزياء والروائي البريطاني تشارلز بيرسي سنو (1905 - 1980) المعروف اختصارا بـC.P. Snow، محاضرته الشهيرة بعنوان «الثقافتان والثورة العلمية»، في جامعة كمبردج البريطانية، وفيها تحدث عن الفجوة والانفصال بين الثقافتين (العلوم والإنسانيات)، وأن ذلك يمثل عائقا كبيرا في حل مشكلات العالم، حيث نقد المثقفين والكتاب والفنانين ووصفهم بأنهم غير ملمين بالعلم وأبسط القوانين العلمية، كما أبدى أسفه لعدم اهتمام العلماء بالفنون والآداب.

فالعلاقة بين الآداب والعلوم هي علاقة وثيقة ومتبادلة، والعلوم مثل الآداب تتطلب الخيال الذي يعد ضروريا للإبداع وبخاصة الخيال العلمي، فالعالم يتخيل هياكل أو تركيبات وتصنيفات وما إلى ذلك، كما أن هناك كثيرا من النظريات العلمية في النصوص الأدبية. فعلى سبيل المثال، تنبأ كاتب الخيال العلمي البريطاني إتش جي ويلز في روايته «العالم تحرر» عام 1914، باستكشاف الطاقة الذرية وتحررها والإشعاع الصناعي وتطور القنابل الذرية، وقد استفاد من هذه الرواية عالم الفيزياء الأميركي المجري المولد ليو زيلارد، واستطاع أن يؤسس على تنبؤات ويلز هذه، معادلات نظرية كانت الأساس في مشروع مانهاتن الأميركي لإنتاج القنبلة الذرية عام 1945. وأخيرا.. يبقى سؤال وهو: إذا أجرينا هذا المشروع البحثي في عالمنا العربي، للتعرف على ماذا يقرأ العلماء العرب، ماذا ستكون النتائج؟