من العجوز الفرنسية إيمانويل ريفا التي تتنافس على الأوسكار؟

بعد خيبة أمل ماريون كوتيار وعمر سي

إيمانويل ريفا في لقطة من فيلم «حب»
TT

أصيب الفرنسيون بنصف خيبة أمل بعد فوز فيلم «حب» للمخرج النمساوي مايكل هنيكه بجائزة «الغولدن غلوب» الأميركية كأفضل فيلم أجنبي. أما نصف الخيبة في الجائزة التي يمنحها النقاد والمراسلون الأجانب في عاصمة السينما، هوليوود، فسببها أن الفيلم سحب البساط من الفيلم الفرنسي «المنبوذون» الذي وضعت باريس آمالها عليه، لكن التعويض جاء من أن الفيلم ناطق باللغة الفرنسية ومن بطولة ممثل وممثلة فرنسيين عجوزين وقديرين هما جان لوي ترنتنيان وإيمانويل ريفا.

إن ريفا، هي نفسها الممثلة الثمانينية التي حققت مفاجأة جميلة في الأُسبوع الماضي، عندما ظهر اسمها في قائمة الممثلات المرشحات لنيل الأوسكار عن دورها في «حب» الذي جسدت فيه شخصية زوجة عجوزا تواجه وزوجها، بالحب، تراجع قدراتها بعد تعرضها لجلطة في الدماغ. وسبق للفيلم أن نال سعفة مهرجان «كان» في دورته الأخيرة، لكن لا أحد كان يتوقع أن تخطف ريفا الترشيح عن فئة أفضل ممثلة من زميلتها التي تصغرها بنصف قرن، ماريون كوتيار. وكانت كوتيار، نجمة السينما الفرنسية الألمع حاليا، قد أدت دورا صعبا في فيلم «من صدأ وعظام» وربما كانت تحلم بالحصول على أوسكار ثان بعد ذاك الذي نالته، عام 2008، كأفضل ممثلة عن أدائها دور المغنية إديت بياف في فيلم «الطفلة».

في الحفل الذي يقام في لوس أنجليس مساء الرابع والعشرين من الشهر المقبل، ستتركز الأنظار على إيمانويل ديفا التي تحتفل، في التاريخ نفسه، بعيد ميلادها السادس بعد الثمانين. فمن هي هذه الممثلة المخضرمة التي لم يسمع كثيرون من القراء باسمها ولا يعرفون شكلها؟ وهل تتمكن من المنافسة مع ممثلات من جيلي بناتها وحفيداتها وتقطف الأوسكار أم تعود من هوليوود بخفي ركاب الدرجة الأولى في طائرات الرحلات الطويلة؟ إن اسمها الحقيقي هو بوليت ريفات، وقد يتذكرها عشاق الفن السابع عندما يعرفون أنها البطلة التي لفتت الأنظار، للمرة الأولى، في فيلم «هيروشيما حبيبتي» للمخرج الفرنسي آلان رينيه المأخوذ عن نص شهير لمرغريت دوراس. وبعد ذلك أدت ريفا أدوارا كثيرة في 60 فيلما لمخرجين فرنسيين وأوروبيين لم يصل، أغلبها، إلى صالات العرض في العالم العربي. وعلى الرغم من تلك الحصيلة والتاريخ السينمائي الذي يعود إلى عام 1958، ظلت تعتبر ممثلة مسرحية في المقام الأول.

في «هيروشيما حبيبتي»، الفيلم الذي تميز بإخراجه الطليعي، أدت ريفا دور ممثلة فرنسية تقيم علاقة مع مهندس ياباني، على خلفية الدمار المادي والنفسي الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية وإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما. ومن خلال مشاهد متتابعة وشاعرية وتقطيع تجريبي، سحرت ريفا هواة السينما بصوتها ذي النبرة الخاصة وبعينيها الناطقتين أكثر من شفتيها. وبعد ذلك الفيلم بثلاث سنوات نالت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «البندقية» عن أدائها شخصية تيريز ديكيرو في فيلم يحمل الاسم نفسه للمخرج جورج فرانجو. وبعد ذلك الفيلم لم تحصل ريفا على أدوار تناسب قدراتها بل اعتاد المخرجون على استدعائها في الأفلام المأخوذة عن نصوص أدبية وكأنها لا تصلح سوى كممثلة مثقفة. ومع تسعينات القرن الماضي وتقدمها في السن، ظهرت إيمانويل ريفا في دورين ثانويين يناسبان عمرها وفي فيلمين حققا نجاحا شعبيا هما «فينوس بوتيه» و«إنها الحياة». وبعد ذلك جاءت حقبة أفلام المرأة العجوز التي تصلح للتراجيديا والكوميديا على حد سواء.

وها هي ريفا تواجه، اليوم، أكبر تحدٍ في مهنتها حيث تستعد لمواجهة منافسات الأوسكار، التمثال الأسود المرموق الذي يملك أن يبعث الفرحة أو الحسرة. إن ماريون كوتيار ليست الوحيدة التي خابت توقعاتها، هذه المرة، بل جاءت الترشيحات بمثابة الضربة القاسية للممثل الفرنسي عمر سي، بطل فيلم «المنبوذون» الذي كان يأمل أن يضيف إلى جائزة سيزار الفرنسية التي نالها كأفضل ممثل، جائزة الأوسكار الأشهر والأكبر. فبين ليلة وضحاها، وبفضل دور سينمائي واحد لا غير، انتقل الكوميدي الفرنسي ذو الأصل الأفريقي من فئة ممثلي الدرجة الثالثة إلى الأكثر شعبية في فرنسا، حسب الاستفتاء نصف السنوي الذي تجريه صحيفة «الجورنال دو ديمانش» الباريسية، متقدما على زين الدين زيدان وكل الرياضيين والنجوم ورجال السياسة.

في فيلم «المنبوذون» أدى عمر دور شاب مهاجر عاطل عن العمل يضطر لأن يكون مرافقا لثري فرنسي مقعد وغريب الأطوار. ومن خلال العلاقة بين الاثنين، تمضي الأحداث لتكشف التأثر المتبادل بين الرجلين، وقدرة المرافق على تحريك اليوميات الكئيبة لمخدومه المقعد وإشاعة الفرح وحب المغامرة في حياته الراكدة. وبفضل السيناريو المحكم والمواقف الإنسانية المؤثرة، ضرب الفيلم ضربته، كما يقولون، وتمكن من استقطاب 20 مليون متفرج.

عاش عمر سي، الذي كان قد شكلّ ثنائيا مع زميله الممثل فريد، أجواء الترقب في انتظار ترشيح فيلم «المنبوذون» لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. وكان يأمل أن تحدث «المعجزة» ويفوز فنان فرنسي بجائزة أفضل ممثل، للسنة الثانية على التوالي، بعد أن فاز بها جان دوجاردان، بطل فيلم «الفنان» في العام الماضي. لكن حساب الأكاديمية الأميركية للسينما لم يتطابق مع حسابه، هذه المرة.