بغداد تتحدى أزماتها وتقيم أول عرض للأزياء الحديثة وسط جمهور كثيف

عارضات أزياء لـ«الشرق الأوسط»: لا نخفي مخاوفنا لكننا نحب دخول ميدان الجمال والشهرة

عارضة أزياء عراقية في أول تجربة لها وأزياء تناسب جميع الأذواق («الشرق الأوسط»)
TT

اكتظت الصالة بالحضور، ما بين مصدق ومكذب، لكل من قرأ اللافتة التي علقتها وزارة الثقافة العراقية في مدخل قاعتها الكبرى في مقرها وسط العاصمة بغداد، يوم أول من أمس، فالحدث غائب منذ سنوات طويلة، ولم تعد الذاكرة تحتفظ بشيء من طقوسه عدا ما تعرضه شاشات الفضائيات، لكن خطوة جريئة وشجاعة أقدمت عليها المصممة الشابة مي حسام خالص، كانت السبب في كسر حاجز الخوف والشك وكسب الجمهور إلى صالات العرض الفني من جديد، عبر إقامة أول عرض للأزياء العراقية الحديثة بأسلوب رصين وبإمكانات أكثر من متواضعة، فكانت أول فعالية للفرح والجمال، في مطلع عام 2013 على الرغم من تفاقم أزمات البلاد، صفق لها الجمهور وانهمرت دموع بعضهم وهو يستعيد ذكريات الزمن الجميل.

جمهور العرض بدا مختلفا أيضا، إذ غلبت فيه أعداد النساء على الرجال، ومعظمهن حرص على متابعة فقرات الحفل والأزياء الجديدة، وشكل العارضات العراقيات، وفي ذهنه فقط تدور صور عروض الأزياء العالمية التي يتابعها عبر شاشات الفضائيات وسط أضواء صاخبة.

أما مقر العرض فلم يكن أكثر من قاعة متواضعة في مدخل باحة وزارة الثقافة العراقية، كانت مخصصة أصلا للندوات والاجتماعات الرسمية، افترشت وسطها سجادة طويلة حمراء كانت بمثابة مسرح العارضات، ووزعت حولها مقاعد للجلوس، بينما فشلت الإنارة الموزعة في بيان جمال المعروضات.

وحاولت العارضات الشابات الثلاث، إظهار جمال أزيائهن ورشاقة خطواتهن على الرغم من خبرتهن المتواضعة، وهن يخضن أول تجربة في هذا الميدان.

تقول العارضة الشابة شهد سامي، طالبة في الرابع الثانوي وأجمل العارضات بحسب رأي الجمهور، : «أحببت مجال العمل في عروض الأزياء؛ لأني أحب الأضواء والألوان والشهرة، أهلي شجعوني وهناك من عارض توجهي هذا». ولما سألتها ألا تخافين المجتمع فقالت: «هناك خوف يحاول الآخرون أن يزرعوه في نفسي لكني أحاول أن أقدم الجمال والفن معا وسأثبت للآخرين نجاحي».

بينما اختارت العارضة يمامة رشيد الزي الإسلامي لأنه يتماشى مع زيها ولا يخدش حياء الجمهور بحسب قولها لكنها عاودت لتقول: «نحن نحترم حريات وتوجهات الآخرين وكل حسب قناعته».

أما الطالبة الشابة زينب محمد، وزميلتها نور الهدى إياد فقد اختارتا أن تعرضا أزياء خليجية وإسلامية حديثة بنكهة عراقية مميزة، تقول زينب: «أتوقع نجاح كبير على الرغم من القلق والخوف الذي يغلب علينا كونها التجربة الأولى لنا ولم نتمرن عليها كثيرا».

وتفتقر العاصمة بغداد من عروض أهم دار حكومية للأزياء فيها منذ أكثر من عشر سنوات، إذ اقتصرت نشاطات دار الأزياء العراقية على تنظيم العروض الرسمية بأزياء فلكلورية خلال فترات متباعدة.

وعن فعالية الأزياء تقول الإعلامية نغم الشمري: «هو تحد لكل الظروف المحيطة بنا من صراعات وأزمات وتشديدات، وبلدنا معروف بحضارته وعراقيته، وحان الوقت كي نترك مخاوفنا ونتعلق بأمل جديد.

أما الموظفة بسمة ربيع والتي حرصت على حضور العرض فقالت: «نحن نفتقر إلى هذه العروض، وحبذا الاهتمام بها ومواصلتها، على الرغم من الحرج الذي نلمسه بسبب قيود مجتمعية محافظة».

الدكتور جمال العتابي مدير عام دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، الجهة المنظمة للمعرض قال لـ«الشرق الأوسط»: «هي خطوة جرئية وشجاعة أقدمت عليها المصممة مي حسام والعارضات أيضا وسط جو مأزوم ومتشنج، وبجمهور واسع كان فيه حضور النساء أهم عوامل جماله ونجاحه».

وأضاف: «استطعنا اليوم أن نعيد صياغة الألوان ونقدم نمطا من الفرح والمسرة على الرغم من الإمكانات المتواضعة، ونأمل أن تشهد الأيام المقبلة حراكا فنيا وثقافيا مميزا كالذي شهدناه اليوم».

وعبرت الفنانة ملاك جميل التي شاركت المصممة في استعدادات العرض عن تفاؤلها بالمقبل من الأيام بوجود نساء يحاولن الإبداع وسط أكوام وصخب الساسة ونزاعاتهم، وأكدت أن أهم صعوبات العمل كان مسألة الحصول على عارضات يقبلن العمل وسط عدسات التصوير والكاميرات.

بينما أعرب الناقد فاضل ثامر خلال حضوره العرض عن فرحته بهذا التوجه الجديد لوزارة الثقافة العراقية وقال: «هي ظاهرة جديدة، وإن بدت متأخرة، في وقت لم نألف فيه أن تكون عروض الأزياء في وسط مقر حكومي، وهو دليل على انفتاح الحياة ورغبة المرأة في كسر الطوق الذي فرض عليها».

وأكد: «أننا قادرون على صنع مناخات الفرح والجمال وقتما نريد».

مصممة العرض الفنانة مي حسام عبرت عن سعادتها الكبيرة بالجمهور الحاضر وتفاعله مع العرض بشكل لم تحسب حسابه، وهي في أولى خطواتها وقالت: «على الرغم من مصاعب العمل الكثيرة التي واجهتها وأهمها إقناع فتيات بتقديم العروض وسط الجمهور إلا أن النجاح الذي لمسته اليوم أنساني كل متاعبي».

وبشأن القيود التي يفرضها المجتمع لإقامة هذا النوع من الفعاليات، قالت: «حاولت أن أقدم أزياء فيها قدر من الحشمة كي تتماشى مع تفهم الناس وتقبلهم لها كونها تجربة جديدة وغير معتادة». وحول اختياراتها الجديدة للعروض المقدمة قالت: «حاولت استقاء عوامل الجمال من تراثنا العريق بأسلوب حديث وقدمنا بدلات وعباءات أدخل فيها الكرستال والقماش والجرجسيت وفساتين السهرة لتكون ملائمة وعدد الأزياء المعروضة تجاوز العشرين موديلا وهذه العروض تدخل ضمن فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013».