في معرضه بجدة.. الفنان السعودي عبد الله حماس «أنا قريب من النجاح والحب والأرض»\

26 عملا محملة بتراث وجماليات القرية

من أعمال الفنان عبد الله حماس
TT

استقبلت جدران استوديو رؤية للفنون التشكيلية بمدينة جدة معرضا ذاتيا للفنان التشكيلي عبد الله حماس يحمل الرقم 26 في مسيرة الفنان أطلق عليه عنوان «أنا قريب من النجاح والحب والأرض» وقد بلغت مجموع الأعمال التي عرضها 26 لوحة تنوعت معطياتها الجمالية حول مكتسباته عن التراث والبيئة التي عاش فيها طفولته المبكرة والمحملة بتضاريس القرية وخصوبة حمولاتها الجمالية.

يعتبر حماس واحدا من أشد أنصار التجريدية المبكرة ومن الجيل الثاني في المحترف السعودي لامست منجزاته الإبداعية تيار التجريدية منذ تخرجه عام 1974 من معهد التربية الفنية بالرياض طقوسها الجمالية، وقد تعلم حماس الفن على أيدي معلمين متخصصين من دول مجاورة تأسست حساسيتهم البصرية على أنساق وممارسة الفنون الجميلة كما هي طبيعتها.

اعتنق لغته الجمالية في الفن منذ أن شعر أن الرمزية في التعبير تلهمه في بناء مواضيع أعماله ومن دون أن يلتفت إلى حيويتها وتبدلاتها الفكرية أو متغيراتها الأشد تطرفا يقوده إلى ذلك ولاؤه المباشر لمشاهداته الطبيعية في بنية مجتمعه القروي الذي أسهم في التعريف به، خاصة في نقله لبعض زخارف الملابس النسائية وحيوية ألوانها المفعمة بالعفوية وهي الملابس الأشد حضورا في ذلك المكان فضلا عن الكثير من الطقوس والعادات والعمارة التي تتصل بتلك المنطقة التي تقع جنوب السعودية وكانت في الستينات والسبعينات تزخر بحيوية بساطتها المدنية قبل أن تداهمها الطفرة والنزعة الاستهلاكية والحداثة.

ولد حماس في قرية صغيرة تدعى «آل عاصم» وغادرها منذ أربعة عقود وهو في سن مبكرة من عمره، غير أنها منذ تلك اللحظة لم تغادر ذاكرته ووجدانه إطلاقا، وظل يرسمها باعتبارها حنينا يهفو إليه قلبه أو كلما انسابت حكاياتها وطقوسها الإنسانية على متخيلاته وذائقته البصرية حتى أصبحت ذكرياتها علامة معروفة في بلاغة إنتاجه الفني.

تجمع حماس علاقة حميمة متبادلة بينه وبين أعماله تكشفها روحه المتناغمة عند وصفها أو تأويلها للمتلقي ومنذ عرفته وهو منكب على تفسير أعماله وفق مخرجاتها وعلاماتها التي تتصل بالحنين إلى القرية وطقوسها ببساطة متناهية ومن دون أن تقع على ممرات مختبرها التقني فتصبح هذه الثيمة من التأويل موضوعا خاصا تميزه عن غيره من أقرانه. على جانب آخر تتسم أعمال حماس ببساطة ألوانها العفوية، لقد استفاد من الفراغ في فضاء القرية المفتوح في بناء مسطحات لوحاته سيرى المتلقي مساحات من الألوان تتسع لأفق ولا تتلاشى إما على جوانب اللوحة أو في الفراغات التي تتصل بالعناصر والرموز التي يستخدمها وقد ورث حماس تلك التقنية عن تيار التجريدية المبكرة التي ساهمت في طرح مسألة اللون المسطح الصافي كمنطق للتعبير في العمل الفني وقد حفظ تلك العلاقة الجمالية حتى أصبحت من خصائص مختبره البصري.

يصور حماس أكثر ما يصور النسوة والطفشة، والأخير اسم متعارف عليه في منطقة عسير وهي قبعة من سعف النخل تضعها المزارعات على رؤوسهن تقي حرارة الشمس فيما تجد على أكتافهن منديلا باللون الأصفر (الكرك) ويعتبر هذا اللون متميزا في درجته وعلامة جمالية لزينة المرأة يتحمل عوامل الطبيعة، وفضلا عن ذلك يعتبر حماس من أشد الفنانين على تسجيل هذه العناصر إضافة إلى ما يعرف بالشيلة المريسة وهي عبارة عن منديل تستخدمه النسوة كغطاء للرأس يحمل على أطرافه كتلا مزخرفة بالألوان الشعبية تقع في حبه النسوة مثل فتنة.

إحدى لوحات المعرض التي لفتت الانتباه كانت عبارة عن مساحات خضراء مقسمة وكبيرة يقول عنها حماس «لـ«الشرق الأوسط»: «إنها لوحة يوم الحصاد تمثل مزارع ومسطحات متقابلة على مد البصر» وأضاف: «ستجد على كل خط وبشكل رمزي مختزل عددا من النسوة والرجال مصطفين طولا وعرضا ابتهاجا بالمحاصيل التي حصدوها» واختتم «إنني مغرم بقريتي وكلما ابتعدت عنها زاد مكانها في القلب».

وعن المعرض قالت دينا العظمة الفنانة المشرفة على استوديو رؤية للفنون إن الفنان عبد الله حماس أحد رواد الفن التشكيلي في السعودية وغني عن التعريف أصبح أسلوبه التجريدي الرمزي مدرسة بذاتها وتشكل أعماله مقامات لونية تحمل الشوق والانتماء للقرية الكبيرة في قلبه تعززها تنويعات وتقنيات ومعالجات تحمل الخبرة والتجربة التي نتشرف بتقديمها لنخبة من المهتمين بالفنون أينما كانوا تخرج عبد الله حماس من معهد الفنون بالرياض وعمل معلما للتربية الفنية لعدة سنوات ثم رئيسا لبيت التشكيليين بجدة، بالإضافة لمشاركاته في محافل ومهرجانات محلية ودولية متعددة حصل على الكثير من الجوائز خلال مسيرته الفنية، فيما أقام ما يزيد على 20 معرضا شخصيا في السعودية وعواصم دولية متعددة.