العطور المقلدة باتت تجارة رائجة في مدينة فاس العتيقة

بعضها يحمل أسماء عربية مثل «عطر بلقيس» و«عطر المائدة»

اشتهرت فاس بتصنيع الزهر (الورود)، حيث لا يزال بعض سكانها يستعملون الطرق التقليدية لاستخراج العطر من هذه الورود
TT

انتشرت مؤخرا في معظم المدن المغربية، خاصة في مدينة فاس، محلات لبيع العطور المقلدة، تقترح هذه المحلات على الزبائن استنشاق العطر الذي يرغبون فيه، ثم بعد ذلك تتولى إعداد العطر الذي يرغب فيه الزبون وبالكمية التي يريدها. وتجري أمامه عملية إعداد زيوت العطور المركزة، أساس كل تركيبة، وهي زيوت مقلدة للعطور الأصلية، وهناك تشابه كبير في رائحة العطر بين المقلد والأصلي.

اشتهرت فاس بتصنيع الزهر (الورود)، حيث لا يزال بعض سكان المدينة العتيقة يستعملون الطرق التقليدية لاستخراج العطر من هذه الورود. وتقول سميرة بنشقرون التي اعتادت شراء هذا النوع من العطور، إن سكان فاس يعرفون صناعة العطور منذ زمن بعيد، مشيرة إلى أنه «في الماضي كانت هناك عائلات متخصصة باستخراج العطور من الورود والمسك، أما الآن، فقد تغيرت تقاليد هذه التجارة، وأصبحت تعتمد على تقليد العطور الأصلية».

استغل ممارسو هذه المهنة رغبة أبناء الشرائح المتوسطة في اقتناء الأنواع الشهيرة من العطور، حتى وإن كانت مقلدة، لأنهم لا يستطيعون اقتناء الأنواع الأصلية بسبب ارتفاع أسعارها، وأضافت أن كثيرين يعتقدون أن الفرق بين العطور المقلدة والأصلية هو عدم وجود المقلدة في علب أو زجاجات أنيقة كما هو شأن العطور الأصلية. وترى سميرة أن هذا الأمر ليس مهما ما دامت النتيجة في نهاية الأمر واحدة. والرأي نفسه تعتقده جيهان محمد، التي زادت قائلة: «لماذا أدفع أكثر ما دام من الممكن أن أدفع أقل وأحصل على العطر نفسه».

ومن أجل التعرف أكثر على خصائص هذه العطور وماهيتها، دخلنا محلا لبيع هذه العطور في مدينة فاس العتيقة. يلاحظ كل من يزور هذا المحل انتشار تشكيلة مختلفة لروائح مركزة، بعضها له طابع أوروبي وأخرى تعبر عن أصالة وعراقة عربية، يعرفها الزبون من خلال الروائح المركزة، مثل الزهر والعنبر والعود.

تعمل داخل المحل مريم المراني، وهي منهمكة باستمرار في إعداد العطور لزبائن المحل. وتقوم مريم بوضع كمية بسيطة من زيت العطر في قارورة وتضيف إليها كحولا، وقطرات من سائل يعمل على تثبيت رائحة العطر. بعد أن تكمل مريم عملية المزج، ترش قليلا منه على يد الزبون حتى يستنشقه ويعبر عن انطباعه حول مدى مطابقة التقليد للأصل. لاحظنا أن الزبون الذي أعدت له مريم العطر كان راضيا، وهو مطمئن إلى أن العطر أعد طبقا للمواصفات التي طلبها.

سألنا مريم عن مصدر هذه المستخلصات المركزة ومدى علاقتها مع العطور الأصلية. وردت أن «المستخلصات تسمى زيوت العطور المركزة، نستوردها من أوروبا، وهي تقترب من الأصلية إلى حد كبير». وأشارت مريم المراني إلى أن المستخلصات الأصلية باهظة الثمن، كما أن صاحب المنتج لا يقوم ببيع منتجه الأصلي كمادة أولية، بل يبيعه كعطر جاهز للاستهلاك أي في شكل عطر نهائي، ودون الكشف عن الوصفة التي أعد منها المستخلص، ولهذا الغرض يتجه الراغبون في إنتاج مثل هذه العطور للحصول على المستخلص الذي تجتهد بعض المصانع في العمل على إنتاج نظيره لتقوم بتسويقه للراغبين في إنتاج مثل هذه العطور العالمية. تباع المستخلصات أو ما يسمى زيوت العطور المركزة في قوارير للتجار ويختلف بعضها عن بعض من حيث النوع والثمن، وأغلاها ثمنا هو زيت عطر العود. يعود انتشار هذه التجارة في فاس خصوصا وفي بعض المدن المغربية، لكن بدرجة أقل، إلى زيارة تجار بعض الدول الأوروبية والعربية التي تعرف فيها العطور انتشارا واسعا ومن خلال احتكاكهم بالمختصين في هذا المجال». وبشأن الأسعار، قالت مريم المراني إنها تتراوح من 20 إلى 200 درهم (دولاران إلى 22 دولارا)، حسب حجم القارورة وكمية زيوت العطور المركزة.

وعن الطريقة التي يمكن من خلالها التمييز بين العطور الشرقية والأوروبية أشارت إلى أن «ذلك يمكن أن يعرف من خلال التسمية، مثلا هناك (عطر بلقيس) و(عطر المائدة). إضافة إلى ذلك، فإن العطور الشرقية تغلب عليها النكهة القوية لمستخلصات المسك والعنبر والعود»، وأردفت مريم: «رغم أن العطور الشرقية تعبر عن أصالة وعراقة العطور عند العرب، فإن العطور الأوروبية هي الأكثر رواجا، لا سيما منها الفرنسية التي تعتبر هي الأعلى في المبيعات».

ومن المفارقات اللافتة أن السياح الأجانب عند زيارتهم مدينة فاس يقتنون هذه العطور، وفي هذا الصدد تقول مريم المراني: «إن السياح خلال زيارتهم للمدينة يقتنون كميات كبيرة من هذه العطور ويعودون بها إلى بلدانهم». وبشأن طريقة اختيار الزبون للعطر المناسب، قالت: «إن ذلك يرجع إلى ذوق الزبون أولا، هناك من يفضل أنواع الزهور، وهناك من يفضل رائحة البرتقال والحمضيات، وهناك من يفضل روائح الحلوى»، مشيرة إلى أن «الفصول أيضا تلعب دورا في اختيار الزبون للعطر المناسب، إذ يفضل الناس خلال الصيف العطور الخفيفة، على عكس فصل الشتاء الذي يميل فيه الناس نحو العطور القوية».

وعادة، يقدم للزبون نوعان أو ثلاثة من العطور ليختار بينها، وهناك من الزبائن من يطلب عطرا محددا الذي تعوده كثيرا، بينما هناك من يتردد في الاختيار، ويساعده أصحاب دكاكين العطور على تحديد العطر المناسب.