السوالم التونسية.. قرية العباقرة والنوابغ

جبلية نائية فيها أعلى نسبة للمتفوقين في البلاد

قرية السوالم ذات مساء وهي منازل متناثرة تحت سفح جبل
TT

تقع قرية السوالم على مسافة نحو 200 كيلومتر جنوب تونس العاصمة، و40 كيلومترا جنوب مدينة القيروان، بها 120 أسرة لا يتجاوز عدد أفرادها الـ700 ومع ذلك هناك 122 من أبنائها كوادر أكاديمية عليا، وبها أعلى نسبة متفوقين في دراستهم على مستوى تونس.

تبعد أقرب مدرسة عن السوالم نحو 5 كيلومترات يقطعها الطلبة مشيا على الأقدام ذهابا وإيابا. لم يمنعهم ذلك من التفوق في الدراسة، وهم الأوائل في جميع المراحل الدراسية حتى خارج منطقتهم سواء على مستوى التعليم الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي.

عياد السالمي، أستاذ أول من القرية قال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك اختصاص لا يوجد به سالمي، وذلك ليس على مستوى الاختصاص في المهنة بل في تدريسها الجامعي، ومن ذلك الطب، والهندسة، والعلوم، والرياضيات، وغيرها»، وأردف: «لدي اثنان من أبنائي مهندسان أحدهما كيميائي والثاني مهندس كومبيوتر، ولدي ابنة تدرس الطب».

كنا في منزل والده عندما قال: «لا يوجد في هذا البيت شخص لا يحمل شهادة عليا، نحن 7 من الخريجين أصغرنا يحمل شهادة دكتوراه، وهو أستاذ في المعهد الأعلى للإعلامية والتصرف، لدينا أستاذ الرياضيات وأستاذ الإعلامية، وأستاذ التربية الإسلامية، ولسنا الأسرة الوحيدة فجميع الأسر في السوالم لديها خريجون جامعيون وأساتذة جامعات وكوادر عليا».

محمد السالمي مهندس معماري وصاحب مكتب دراسات ومعد أطلس القيروان، قال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه القرية ظلت منسية لما يزيد عن 50 سنة، وبعد الثورة تحتاج للفتة مهمة ممن يحتفون بالعلم».

من بين أبناء السوالم الدكتور عمار بن محمد لابن الصغير السالمي، وهو أستاذ في مجال الهندسة، والدكتور محسن بن طالب السالمي أستاذ جامعي يدرس مادة طبقات الأرض، والدكتور محمد بن عمر السالمي، والدكتور عبد الباقي بن محسن السالمي وكلاهما أستاذ رياضيات معروفين، والدكتور عبد الوهاب بن الهاني السالمي أستاذ علم النفس، وخبيرة الجباية فوزية السالمي. والعشرات من الأساتذة الجامعيين الآخرين، بينهم من يدرس في أوروبا والولايات المتحدة مثل الدكتور محمد بن مقطوف، والدكتور فتحي بن عبد الحميد وهما أستاذان جامعيان بالولايات المتحدة الأميركية.

قرية السوالم النائمة تحت سفح جبل والواقعة على مشارف أرض بور شاسعة تبلغ مساحتها نحو ألف هكتار صالحة للزراعة بمختلف أنواعها تشكو اليوم من غياب الكهرباء في بعض أجزائها، ومن بطالة شبابها بينهم نحو 50 من حملة الشهادات العليا. منهم سالم العواني السالمي، أستاذ علوم طبيعية، وعبد الرؤوف السالمي، أستاذ كيمياء، وماهر السالمي أستاذ إعلامية، ومجدي السالمي منشط سياحي. ووسام السالمي أستاذ في الإعلامية.

كانت هناك ثلاثة أسئلة تراودنا ونحن ندخل قرية العباقرة كما يسمونها، وهي كيف حقق أهل القرية هذا التفوق الدراسي؟ حيث يحتلون المراكز الأولى بنسبة تتراوح بين 80 و83% في ظل أوضاع اجتماعية سيئة؟ وكيف ظلت مهملة طوال الحقب الماضية؟ ولماذا لم يبر بها أبناؤها المتفوقون الذين حصلوا على أعلى المناصب الأكاديمية؟

أجاب عن هذه الأسئلة، المهندس الرئيس علي السالمي قائلا: «قلة الإمكانيات التي كانت تعوز أهالينا، كانت حافزا مهما لنا للمراهنة على التعليم، لأنه ليس لدينا بديل، وكان خوف أوليائنا على مستقبلنا وبعدنا عن مركز المدن وراء حرصهم على تعليمنا من أجل ضمان مستقبلنا رغم أميتهم».

ويتابع: «كان لدينا غرفتان، غرفة للوالد والوالدة، وغرفة لي ولأخي نراجع فيها دروسنا على ضوء مصباح يعمل بالوقود نضعه على سطح الجفنة التي كانت الأسرة تتعشى فيها جميعا بعد قلبها، وكنا نقترب من المصباح لرؤية الحروف حتى نشم رائحة احتراق شعورنا، وكان الوالد إذا لم يسمع صوت أخي حبيب يناديه، هل نمت يا حبيب لأني لا أسمع صوتك كما أسمع صوت علي، وكنت أفعل ذلك لأسمع أبي». أما والدته فكانت «تقول للتاكسي ابني علي يقرأ في مدرسة المهندسين فتأتيني لتراقبني وأنا في الجامعة».

ويعترف المهندس المرموق بأن «هناك تقصيرا منا حيال السوالم فهي مسقط رأسنا وأطلال صبانا ولها حق علينا، ولكن حبنا للدراسة، التصق بحبنا للعمل فلم يكن هناك مجال لغير العمل والآن هناك فرص للتدارك لمساعدة القرية».

قرية السوالم الرابضة تحت سفح جبل والواقعة على مشارف أرض شاسعة تبلغ مساحتها نحو ألف هكتار صالحة للزراعة بمختلف أنواعها تشكو اليوم من عدم وجود تيار كهربائي في بعض أجزائها، ومن البطالة.

ويطالب السوالم بتقسيم الأراضي البور بين الفلاحين الفقراء، وتزويدهم بمياه سد سيدي سعد القريب منهم، والإسراع في إكمال بناء دار الثقافة، وإقامة مستوصف صحي، ويسارعون الخطى لتكوين جمعية تمثل جسر تواصل بين أبناء السوالم الذين فرقتهم الوظائف الأكاديمية، وبين ذويهم في القرية الحالمة للأخذ بيدهم وانتشالهم من وهدة الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي عاشوها قبل أن يحققوا أحلامهم خارج القرية التي نشأوا وترعرعوا فيها وقد زارهم والي القيروان عبد المجيد لغوان لمساعدتهم.