متحف شيراك يفتح أبوابه لهدايا الخصم الحميم.. هولاند

الخلاف السياسي بين الرئيسين لا يفسد للود قضية

متحف شيراك في ساران
TT

هل يمكن لتراث رئيس من زعماء اليمين الفرنسي أن يتعايش مع تراث رئيس من زعماء اليسار؟ الاستفهام الطريف قفز إلى السطح بعد أن أعلنت إدارة متحف مقتنيات الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، أن المكان يمكن أن يستقبل، أيضا، المتعلقات والتذكارات والهدايا التي تقدم للرئيس الحالي فرنسوا هولاند. ويقع المتحف في ساران، إحدى قرى منطقة الكوريز، وسط البلاد، التي كان الزعيمان نائبين عنها في البرلمان وتعتبر معقلهما الانتخابي.

وحسب متحدث باسم المجلس البلدي للمنطقة، فإن الاقتراح قد نوقش في المجلس، بناء على طلب تقدم به «الإليزيه». وأضاف أن برناديت شيراك، التي كانت تحتفظ بمقعد استشاري، قد أيدت الفكرة وقالت إن زوجها يشاركها الرأي. وأوضح المتحدث أن المتحف لن يحمل اسم الرئيسين بل يتعلق الأمر، في الوقت الحالي، بحفظ الهدايا التي بدأ هولاند يتلقاها من رؤساء الدول منذ توليه الرئاسة في الربيع الماضي.

أمضى شيراك شطرا طويلا من حياته في المواقع المرموقة، وزيرا ورئيسا للوزراء وعمدة لباريس ثم رئيسا للجمهورية. وقد تلقى، مع زوجته، آلاف الهدايا الثمينة أو الرمزية من الزعماء والملوك في الدول التي زارها، أو من عموم الناس. كما تجمعت لديه ثروة صغيرة من المنحوتات والقطع الفنية التي كان يقتنيها خلال سفراته الخاصة. ولما استعد لمغادرة السلطة، كان لا بد أن يجد مكانا يجمع كل تلك التذكارات، خصوصا أنه اعتبرها ملكية عامة تخص الشعب وليست ممتلكات شخصية ينقلها معه من «الإليزيه» إلى بيته الخاص. هذا مع العلم أن الزوجين شيراك لا يملكان بيتا في باريس، بل قصرا صغيرا في قرية ساران التي كانت برناديت شيراك نائبة لعمدتها ومستشارة بلدية في المنطقة. كان الحل في تحويل منزل ملحق بمخزن للحبوب، في القرية نفسها، ليكون متحفا يجمع مقتنيات شيراك بعد تقاعده. وتولى المهندس جان ميشال ويلموت تنفيذ الخرائط وتم تدشين المشروع أواخر عام 2000 بحضور الرئيس. وقد حمل متحف شيراك تسمية شعبية هي «متحف السباعية»، نسبة إلى فترة الولاية الرئاسية الأولى لشيراك، وبعدها صارت الولاية لخمس سنين فحسب. ويشغل المتحف مساحة 1700 متر مربع، وهو مؤلف من قسمين، معرض دائم وآخر مؤقت، يجمعان 5 آلاف قطعة فنية وألفي كتاب تحمل إهداءات وتواقيع كبار هذا العصر. وقد أودع شيراك فيه مجموعته الخاصة من المنحوتات الخشبية والحجرية كهاو للفنون الفطرية الأفريقية والآسيوية، لا سيما تلك التي تصور مصارعي رياضة «السومو» في اليابان.

في خريف 2011، تعرض المتحف لعملية سطو احترافية مثيرة لم تستغرق سوى دقيقتين، حيث تسلل إليه لص وسرق منحوتة صغيرة لصقر من الذهب مطعم بالأحجار الكريمة، كان الرئيس الفرنسي قد تلقاها هدية من المملكة العربية السعودية. وفي السنوات التالية، أضيفت إلى المتحف 3 آلاف متر مربع لبناء أجنحة جديدة تحوي مكتبة ومطعما ومشغلا. وبهذا، زادت تكلفة المشروع المسجل ملكية للمجلس العام للمنطقة، على 16 مليون يورو، الأمر الذي أثار حفيظة إدارة الرقابة المالية رغم العائدات التي تجنيها المنطقة من تذاكر الزيارة. فقد زار المتحف، في سنته الأولى، 144 ألف فرنسي وسائح.

المتحف، كان أيضا مسرحا لتلك العبارة العفوية التي صدرت عن شيراك، قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكانت بمثابة دعم معتبر للمرشح الاشتراكي هولاند. لقد نمت بين الرئيسين صداقة من نوع «إنساني» يطفو فوق التخندق الحزبي. كما جمع بينهما الطابع البسيط والميل إلى الفكاهة، وهو ما بدا واضحا على شيراك بعد تقدمه في السن وتحرره من قيود السلطة. ففي زيارة مشتركة قام بها شيراك وهولاند للمكان وحضرها حشد من الصحافيين ومصوري التلفزيون، سأل أحدهم الرئيس الأسبق عن المرشح الذي سيمنح صوته له، ورد شيراك: «سأصوت لهولاند». وكان لتلك العبارة وقع الزلزال في أوساط الرئيس ساركوزي، خصم هولاند والمرشح لولاية ثانية، وكذلك في أوساط الحزب الحاكم الذي كان شيراك من دعائمه. وسرعان ما تطوع الأنصار ليبرروا ما بدر عنه بأنه «هفوة ومزحة»، لا أكثر، وقد يكون سببها خرف الشيخوخة، لكن المطلعين على خفايا العلاقة المتذبذبة بين ساركوزي وشيراك أدركوا أن العجوز كان يقصد ما يقول. ثم جاءت فكرة جمع هدايا الرئيسين في متحف واحد لتؤكد الود الذي يكنه أحدهما للآخر.