فاطمة بيفي أول قاضية مسلمة بالمحكمة العليا في الهند

ثاني امرأة في العالم تحصل على هذا المنصب القضائي بعد الأميركية ساندرا داي كونور

في مسيرة حياتها المهنية القانونية اللاحقة.. حققت فاطمة بيفي تميزا وتقلدت العديد من المناصب الأولى من نوعها بالنسبة لامرأة
TT

إنها تحظى بشرف كونها الأولى في عدة نواح. كانت فاطمة بيفي أول قاضية بالمحكمة العليا في الهند، وأول قاضية بمحكمة عليا في دولة في آسيا وأول قاضية مسلمة في محكمة عليا على مستوى العالم. وبهذا فقد أصبحت ثاني امرأة في العالم تحصل على ذلك المنصب الرفيع؛ حيث سبقتها القاضية ساندرا داي كونور من الولايات المتحدة الأميركية.

صعدت بيفي إلى قمة سلك القضاء مقبلة من موقع منعزل من ولاية كيرالا جنوب الهند دون أن يكون لها أب روحي سياسي. تم تسجيل فاطمة، التي ولدت في عام 1927 في باثانامثيتا بولاية كيرالا، كمحامية في عام 1950. وبدأت مسيرة حياتها القانونية في محاكم كولام. وبعد شغلها عدة مناصب رفيعة في مجال القضاء، ترقت إلى منصب قاضية في المحكمة العليا في عام 1983، وفي عام 1989، تمت ترقيتها إلى منصب رئيس المحكمة العليا قبل تقاعدها في عام 1992.

وتزامن كونها أول قاضية مسلمة مع نصيبها من الانتقادات، إذ نظر إلى تعيينها في المحكمة العليا على رأس عدة قضاة كبار بوصفه قرارا سياسيا من قبل راجيف غاندي في أعقاب الجدل المثار حول قانون المرأة المسلمة (تأمين حقوق المرأة في حالة الطلاق).

كانت هناك فترة ظلت فيها فاطمة بيفي سيدة نبيلة أو «صاحبة عصمة» وسط كوكبة من «النبلاء» وأثبتت صحة اعتقادها بأن «عالم اليوم ليس عالم الرجال فقط». فقد دأب كثير من المحامين على مخاطبتها بعبارة «سيدي»، متناسين اختلاف الجنس.

ونظرا لانحدارها من مجتمع إسلامي، فقد تعين عليها شق طريقها في الحياة لترتقي في مجتمع يهيمن عليه الذكور. أثناها أصحاب الآراء التقليدية في الأسرة عن الترقي في المناصب القضائية، نظرا لأنه لم يكن يسمع في تلك الأيام عن عمل أي سيدة مسلمة في محكمة. ومع ذلك، فإن والدها، وقف بجانبها وشجعها على العمل بوظيفة في سلك القضاء.

في مقابلة نادرة قبل بضع سنوات، تحدثت عن الأيام العسيرة من مسيرة حياتها المهنية. تروي فاطمة: «كانت تلك الأيام عصيبة. كان من الصعب بحق بالنسبة لامرأة دخول سلك القضاء. حينما التحقت بالجامعة، كان هناك ثلاث فتيات مسلمات فقط من بين 500 طالب. وكان والدي مصرا على أن أعمل في سلك القضاء. في واقع الأمر، كان هو من اختار هذه المهنة لي، كما حفزتني أمي أيضا على ارتداء عباءة المحاماة».

في مسيرة حياتها المهنية القانونية اللاحقة، حققت فاطمة بيفي تميزا وتقلدت الكثير من المناصب الأولى من نوعها بالنسبة لامرأة. كانت أول قاضية على الإطلاق في كيرالا؛ وأول امرأة عضو في محكمة الاستئناف الضريبية وأول قاضية مسلمة بمحكمة كيرالا العليا والعضو الوحيد من السيدات بلجنة حقوق الإنسان الوطنية. وعادة ما كانت تصف نفسها بأنها محامية «الشعب»، بعد أن شقت طريقها من أدنى مستويات القضاء إلى أعلى محكمة.

بوصفها عضوا في لجنة حقوق الإنسان، اهتمت فاطمة بيفي، بشدة بالحد من الأعمال الوحشية التي ترتكب بحق السيدات وحماية حقوقهن. وأكدت على الحاجة لكبح جماح التهديدات التي تمنع النساء من التمتع بحقوقهن الأساسية. كانت هناك قوانين وتشريعات يتم تعديلها من وقت لآخر للتعامل مع العنف ضد النساء، لكنها شعرت بأن ثمة حاجة إلى قوانين أقوى تطبق بشكل فعلي ملموس.

أثناء عملها باللجنة، تبنت رؤية محددة بشأن القضية محل النقاش المطول المتعلقة بوضع قانون مدني موحد يطبق على الجماعات التي تعيش في الهند. وعلى الرغم من ذلك، فإن المسلمين في الهند يتبعون مبادئ الشريعة في ما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، ويلتزمون بقانون الدولة في وقائع المحاكمات الجنائية. وشعرت، حسبما زعم، بأن الدستور يكفل الحرية ويطبق قانون الأحوال الشخصية على كل فئة من الناس في الدولة. لم يكن سن القانون الموحد أمرا ممكنا بالنظر إلى حجم القارة والفروق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الهند. ومتحدية الاحتمالات المتناقضة، كان لها السبق في جانب آخر، حينما أصبحت حاكمة ولاية تاميل نادو جنوبي الهند في عام 1997.

لكن من قبيل المفارقة أنها بعد استمرارها مدة أربعة أعوام في وظيفتها، تعين على فاطمة بيفي، التي فاتها قطار الزواج وتعيش مثل راهبة في مقر حاكم الولاية، أن تترك منصبها في ظل ظروف مثيرة للجدل.

دفعت فاطمة بيفي للاستقالة من منصبها كحاكمة لولاية تاميل نادو من قبل الحكومة الهندية، مسجلة حالة نادرة لإقالة شخص من منصب دستوري رفيع بسبب أعمال تنم عن إهمال.

حتى عام 2001، اضطلعت فاطمة بيفي بواجباتها الدستورية من دون أي أجندة سياسية. لكن سرعان ما تغيرت قوانين اللعبة بعد انتخابات الجمعية التشريعية. وقد انزعج حزب درافيدا مونيترا كازاغام، الذي هزم في الانتخابات، حينما دعت فاطمة بيفي مرشحة المعارضة، جايالاليثا، التي لم يمكنها خوض غمار المنافسة في صناديق الاقتراع بسبب تهم الفساد الموجهة ضدها، لتشكيل الحكومة الجديدة.

انزعج حزب درافيدا مونيترا كازاغام وشركاء آخرون بالائتلاف الديمقراطي الوطني وحكومة أتال بيهاري فاجبايي من أن حاكمة الولاية لم تقم باستشارة الحكومة الوطنية بشأن تعيين جايالاليثا رئيسة وزراء للولاية. وقد شكا قادة بالحزب من أن جايالاليثا قد أبرمت صفقة مع فاطمة بيفي. بل إن بعضهم اتهم جايالاليثا «برشوة» الحاكمة من أجل تعيينها.

غير أنه من الغريب أن الحاكمة لم توضح مطلقا مبرراتها لدعوة جايالاليثا لرئاسة الحكومة. لكنها قامت بزيارة نيودلهي، فيما يبدو أنها تمت لاستشارة الخبراء الدستوريين بشأن تعيين جايالاليثا. لكن النائب العام الهندي في ذلك الوقت سارع بإنكار مقابلة الحاكمة له لطلب نصيحته بشأن تعيين جايالاليثا. حتى إن سورابجي أصدر بيانا يشير فيه إلى أن بيفي لم تطلب مشورته قط. تحدثت جايالاليثا المنتصرة في ذلك الوقت قائلة: «فاطمة بيفي قاضية متقاعدة بالمحكمة العليا. لا أحد بحاجة لتلقينها القانون». احتفظت بيفي بهدوئها المعتاد، ولم تشرح قط المنطق والموقف القانوني الكامنين وراء اتخاذ القرار. لكن في ذلك الوقت لم تكن بيفي تتخيل قط أنها ستقال من منصبها بسبب إجراء جايالاليثا السريع والقوي ضد كارونانيدهي، الذي زجت به في السجن.

كان الصمت الذي التزمته فاطمة بيفي في راج بهافان غامضا. إنها نادرا ما تخطت أعتاب بيت حاكم الولاية ولم تتم مشاهدتها مطلقا بصحبة نخبة سياسية.

لقد نظر إلى الخروج غير الرسمي لفاطمة بيفي، للمرة الأولى، بوصفه عقبة في مسيرة حياتها المهنية الناجحة في بقية أجزائها في سلك القضاء الممتدة على مدى أربعة عقود. ربما يتمثل الدرس الأخلاقي الذي يمكن أن يستخلصه المرء في أن القاضي الناجح ليس بالضرورة أن يكون ناجحا في منصب حاكم ولاية.

على الرغم من ذلك، فإنها قد حصلت على الكثير من التكريمات وتشارك في تحسين الوضع الاجتماعي للنساء المسلمات، وفي سن السادسة والثمانين في الوقت الحالي، تقيم في منزل أسلافها الكائن في باثانامثيتا وهناك تقارير إعلامية عن ترشحها لرئاسة مجلس الشيوخ الهندي. ربما تكشف يوما ما عن جانبها من القصة حول الإجراءات التي اتخذتها كحاكمة ولاية، وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة من جانب وسائل الإعلام، فإنها قد آثرت الاحتفاظ بهدوئها.