أسبوع باريس للأزياء الراقية لربيع وصيف 2013.. الإبداع يزيد من سخونة الجو

بين عبقرية كارل لاغرفيلد لـ«شانيل» وفنية ستيفان رولان

TT

كان اليوم الثاني من أسبوع باريس للأزياء الراقية لربيع وصيف 2013 حافلا بالعروض المهمة، مثل «شانيل» التي قدمت عرضين في «لوغران باليه»؛ كان الأول في الساعة العاشرة، والثاني في الساعة الثانية عشرة لاحتواء كل المدعوين، بينما قدم ستيفان رولان في «باليه دو طوكيو» سيمفونيته الأوبرالية، التي ستتردد أصداؤها في أوساط الموضة طويلا.

رغم تفرق العروض وبعد المسافات بينها، ورغم صقيع باريس هذه الأيام، فإن أغلب الحاضرات فضلن الأناقة على السلامة والدفء، ولم يتنازلن عن الأحذية ذات الكعوب العالية رغم أن الثلوج غطت الأرض ببضعة سنتمترات، بينما تجمدت بعض الطرقات. ما يحسب لهن أنهن برهن على مهارة وقدرة عجيبة على المشي فيها من دون أن يتزحلقن أو يسقطن. طوال الطريق، المحفوف بالمخاطر بسبب تجمد الأرض، إلى «باليه دو طوكيو»، كان الحديث منصبا على ضيوف عرض ستيفان رولان: من الشهيرات اللاتي وقع الاختيار عليهن ليجلسن في الصفوف الأمامية، وأيهن ستنهي عرضه؟ في الموسم الماضي، كان الدور من نصيب النجمة الصينية بينغ بينغ، بينما استضاف كيم كارداشيان والمغني كيني ويست، ورغم ما أثاره حضورهما من جدل، كونهما لا يتمتعان بالصورة التي ترتبط في الأذهان عن زبائن الـ«هوت كوتير» فإنهما كانا ضربة معلم من الناحية الدعائية. ويبدو أن كيم كارداشيان انضمت إلى لائحة معجباته، لأنها حضرت عرضه أمس أيضا حيث جلست إلى جانب العارضة ياسمين لوبون وهي مبهورة بما يجري أمامها، وعند انتهاء العرض كانت أول من وقف للتصفيق له مع العارضة ياسمين لوبون.

استراتيجية ستيفان من كل هذه الإثارة، هي ملاعبة عاشقاته، سواء القادرات على اقتناء تصاميمه أو الحالمات بها، بتأجيج الحلم، مرة بإبداع قطع كأنها منحوتات لملكات وأميرات، أو بتقديم اقتراحات لفتيات مجتمع أو نجمات ولدن من رحم الثقافة الشعبية وتلفزيونات الواقع، مثل كيم كارداشيان، كأنه يريد أن يقول إن أي امرأة يمكن أن تكون أميرة أو نجمة. وبالنظر إلى المنحوتات التي يصوغها من الأقمشة، فإنها بالفعل يمكن أن ترقى بأي واحدة إلى أعلى مستويات الأناقة.

خلف الكواليس قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الثقافة الشعبية، جزء من الحياة اليومية، لأنها تعكس ثقافة المجتمعات التي نعيش فيها»، مضيفا أن الـ«(هوت كوتير) ليست بمعزل عن تأثيرات هذه الثقافة، وبالتالي لا يجب أن تعيش في برج عاجي لا تخرج منه، بل يمكن أن تتاح لكل من يقدر عليها. بالنسبة لمن لا يملكن هذه الإمكانات، فإنها تبقى مصدر إلهام لهن. بمعنى أنه بإمكانهن أن يستقين منها أفكارا يطوعنها بطريقتهن وحسب إمكاناتهن وأسلوبهن الخاص». ولا ينكر المصمم أنه يجد متعة كبيرة في خلق الفستان الأخير بالذات، وما يسبقه ويرافقه من لحظات تشويق، خصوصا عندما يفاجئ الحضور بوجه معروف يطل عليهم بابتكار أقرب إلى الاختراع. يعلق: «رغم أن الفستان الأخير لا يكون تقليديا بالمعنى المتعارف عليه، فإنه بالنسبة للمصمم بمثابة الكنفس الذي تنبثق منه الكثير من التقنيات والأفكار في ما بعد». ولا يخفي ستيفان، الذي يتخصص إلى حد الآن في الـ«هوت كوتير»، وينوي إطلاق خط ملابس جاهزة قريبا بافتتاح أول محل له في أبوظبي، أن «فستانا من هذا النوع يتطلب تفرغ 5 خياطات محترفات لإنهائه، لما يتطلبه من مهارة وحرفية ووقت يتعدى الثلاثة الأسابيع أحيانا». هذا الموسم أنهت العرض العارضة السابقة كارمن ديلاروفيس، التي يتعدى عمرها السبعين بثلاث سنوات، لتؤكد أن الأناقة عموما، والـ«هوت كوتير» خصوصا، لا تعترف بزمن أو عمر.

وهكذا في «باليه دو طوكيو» بمعماره الهندسي المميز، الذي ألهم المصمم، قدم ستيفان تشكيلة متكاملة إخراجا وإبهارا وأناقة وفنية، ليؤكد لنا مرة أخرى أنه مزيج نادر بين الفنان والمصمم. في تشكيلته لربيع وصيف 2013، لعب على عناصر يعشقها، مثل الفن والموسيقى، لتنساب القطع واحدة تلو الأخرى، وكأنها نغمات كلاسيكية من سيمفونية أوبرالية، على أقمشة من الحرير والدانتيل وحرير الغازار. رغم أنها اقتصرت على اللونين الأسود والأبيض مع قطعة وقطعتين زين أسفلهما بالذهبي، فإن تنوع التصاميم أغناها. يجدر التنويه هنا إلى أن المقصود بالكلاسيكية، تلك القطع التي أصبحت مرتبطة به ويعود إليها دائما بشكل جديد مثل «الفستان التوكسيدو»، والـ«كاب» الطويل الذي عكسه هذه المرة، بحيث جعل الظهر هو الصدر، بينما ترك الظهر عاريا ومثيرا. من جهة أخرى، كانت هناك قطع مبتكرة بمفهوم جديد تماما. تجسد هذا الجديد في اللعب على السميك والشفاف، بطريقة انسابت فيها الفساتين كأنها شلال مائي خفيف. فقد أخذت بعض الفساتين، مثلا، شكل جاكيت طويل مشبوك بقطعة شفافة من الموسلين، أو التول المطرز بتنورة طويلة تبدأ من الركبة وتمتد إلى الخلف على شكل ذيل حورية بحر. بالإضافة إلى التطريزات والريش، لم تغب تقنية الأوريغامي، إذ زينت الصدر حينا والتنورات حينا آخر لتتحول المرأة في لحظة إلى وردة متحركة، كأنه يذكرنا بأنه رغم اللونين الأسود والأبيض والتصاميم الهندسية المنحوتة على الجسم، فنحن في موسمي الربيع والصيف.

في «لوغران باليه» جسدت دار «شانيل» هذين الموسمين بتحويل المكان إلى شبه مسرح أولمبي، تناثرت على جوانبه الأشجار الوارفة وانبعثت بمجرد دخوله زقزقات العصافير.

مصممها الفني كارل لاغرفيلد، قال في هذه التشكيلة إنه غير مهتم بابتكار توجهات جديدة، بقدر ما هو مهتم بأن يجعل الدار مواكبة للعصر ومفعمة بالشباب في كل الأوقات بالعودة إلى جذورها. وهذا ما ترجمه باللعب على الكثير من رموز الدار التقليدية وتجديدها بأسلوبه المبدع، بدءا من تايور التويد الذي استهل به العرض أو الفساتين الناعمة. إذا كان لا بد من البحث عن جديد، فقد كان تركيزه على مفهوم الطبقات المتعددة، لكن في قطعة واحدة، باستعماله لونين مختلفين فيها أو أقمشة متنوعة. فقد يبدو فستان من بعيد كأن العارضة تلبس تحته الفستان أو أكماما من قطعة منفصلة تماما، أو تبدو ياقة مستديرة بلون أبيض من التول المطرز مستقلة عن تايور أسود من التويد، بينما كل هذا في الحقيقة جزء لا يتجزأ من القطعة. وتكررت هذه الفكرة في الكثير من القطع، أحيانا بلون واحد وأحيانا بتطريزات مبتكرة وألوان متعددة. ولأن لاغرفيلد هو أكثر من يتقن السهل الممتنع، فإن التصاميم جاءت في غاية الرقة والهدوء، ركز فيها على حرفية ورشات «شانيل» العشر، ربما يكون أبرزها في هذه التشكيلة حرفية ورشة لوساج للتطريز، و«ماسارو» للأحذية. والحقيقة أن هذه الأخيرة كانت أكثر من مناسبة لأحوال الطقس الحالية في باريس، لأنها عالية تغطي الركبة.

هو الآخر ركز على ألوان محددة مثل الأبيض والأسود والأزرق النيلي والرمادي وبعض الوردي، ليخلق لوحات من الفن المعاصر، اتسم بعضها بلمسة «فينتاج»، لا سيما في فساتين سهرة تميل إلى الرمادي بتصميم الإمباير غطاها بالورود أو الأبيض السكري، بينما ترك بعضها الآخر ينساب براحة من تحت الصدر إلى الكاحل مستحضرا عهد الإمبراطورة جوزفين. بين المجموعة المخصصة للنهار وتلك الموجه للمساء والسهرة، كان الفرق شاسعا، ومع ذلك يصعب تحديد أيهما أجمل، لأن لكل واحدة منهما ميزاتها ومناسباتها. لكن الحقيقة التي لا تنكرها أي امرأة أنه عندما يتعلق الأمر بـ«شانيل» فإنها تصرخ بالجاذبية والرقي حتى في قمة بساطتها وصمتها، مما يجعل الكل يضعف أمامها. ولم يخل العرض من بعض الإثارة عندما أرسل المصمم عارضتين بفستان زفاف بنفس القماش واللون والتصميم. كان المنظر مفتوحا للتأويل، لكن يبقى التأويل الأهم أن من ستحظى بهذا الفستان محظوظة، لأنها ستفخر بصور زفافها طول العمر.