أسبوع الأزياء الراقية الباريسي.. يعتمد على الكبار للبريق وعلى الشباب للاستمرارية

جيورجيو أرماني يجدد ولا يغير جلده.. و«جيفنشي» غائبة هذا الموسم

من مجموعة جورجيو أرماني (أ.ب)
TT

لا يمكن اتهام المصمم الإيطالي جيورجيو أرماني بالبخل، أو بشح الأفكار والإمكانات. فقد قدم مساء يوم الثلاثاء الماضي 54 قطعة بالتمام والكامل، تميزت كل واحدة منها بالتفصيل الإيطالي الذي لا يعلى عليه، إلى جانب حس تجاري قوي. فالمصمم الذي فكك التايور في الثمانينات وأعطى المرأة العاملة آنذاك قوتها وأنوثتها، لا يزال يبدع لها أزياء تتباين بين القوة والنعومة مع رشة بريق تجذب النجمات كما يجذب الورد النحل. في الصف الأمامي، جلست النجمة أوما ثيرمان، وهيلاري سوانك، وابنة بلده وجيله كلوديا كاردينالي، فضلا عن الفرنسية إيزابيل هيبار، في منظر يشير إلى أن زبونة المصمم قد تكون شابة في مقتبل العمر أو فوق السبعين، وهو ما تأكد بمجرد أول نغمة موسيقية وتوالي ظهور العارضات.

كان البنطلون أول ما طالعنا، وسرعان ما تبين أنه القطعة الأهم في التشكيلة، أو على الأقل في نصفها الأول. فقد ظهر في عدة إطلالات، سواء كجزء من تايور، أو كقطعة منفصلة يمكن تنسيقها مع كنزة أو قميص أو مع جاكيت توكسيدو أو «بوليرو»، بل تم اقتراحه أيضا كمرافق لفستان ضيق قصير، أو لتنورة مستديرة تصل إلى نصف الساق. ولأنه مفصل على الجسم، بشكل مستقيم يتسع قليلا عند أسفل القدم، فإنه لم يبد نشازا أو نافرا، بل العكس تماما، اكتسب في معظم الإطلالات صفة إكسسوار أساسي وأضاف لمسة هندسية على الإطلالات. ما زاد من جمال تأثيره أقمشته المترفة التي تباينت بين حرير «ميكادو» والساتان. بعد المجموعة الأولى من البنطلونات التي تخاطب سيدة أعمال، أو امرأة من الشرق الأوسط تتوخى الحشمة والأناقة في الوقت ذاته، اقترح مجموعة من فساتين الكوكتيل وعددا لا يستهان به من فساتين السهرة. هذه الأخيرة ستعرف طريقها لا محالة إلى حفل توزيع جوائز الأوسكار ومناسبات السجاد الأحمر المماثلة. فأرماني، ومنذ أن أطلق خطه «بريفيه» يستهدف نجمات السينما والفن مستعملا كل وسائل الإغراء، من تفصيل وتطريز وبريق، مما أوقعهن في شباكه. الدليل أنه لا تمر مناسبة كبيرة من دون أن نرى نجمة من عيار كايت بلانشيت أو أوما ثيرمان، مثلا في أحد إبداعاته. ولن تخرج هذه التشكيلة عن القاعدة، فهي ساحرة بتصميمها وألوانها الدافئة، التي ركز فيها على الأسود والأحمر إلى جانب البرتقالي، وغيره من ألوان البهارات الحارة، قد يكون استقاها من أسواق المغرب وتوابل مراكش، أو من صحراء المكسيك، لا سيما أنه أدخل على بعضها نقوشات هندسية تستحضر الآرت ديكو تارة وثقافة الأزتيك أو البربر، جنوب المغرب، تارة أخرى، خصوصا أنه نسقها مع قبعات قريبة من أشكال القبعة الفاسية العالية. وتعتبر هذه من المرات النادرة جدا التي يستعمل فيها المصمم النقوشات والرسومات المطبوعة على الأقمشة.

من الأخبار الجانبية والمهمة في الأسبوع، غياب «جيفنشي» التام هذه المرة. فرغم أن الدار تبنت في المواسم الماضية فكرة تقديم عروض صغيرة جدا ولا تكلف كثيرا، من حيث الإخراج على الأقل، لم تكن تدعو إليها سوى حفنة من الزبونات ووسائل الإعلام، فإنها لسبب لم تعلن عنها قررت أن تستغني حتى عن هذا في الموسم. بيد أنها أعلنت أنها ستستمر في تفصيل أزياء على مقاس الزبونات والنجمات حسب الطلب فقط. بعبارة أخرى، لن نفاجأ إن رأينا نجمة في حفل توزيع جوائز الأوسكار المقبل مثلا بفستان من تصميم ريكاردو تيشي، مصممها الفني على غرار ما تقوم به «غوتشي» منذ بضع سنوات. الفرق أن «جيفنشي» كانت جزءا لا يتجزأ من الأسبوع منذ عهد هيبار جيفنشي، ولها تاريخ وباع فيه، بينما «غوتشي» لم تدخل المجال إلا منذ عامين تقريبا مدفوعة بالإقبال والانتعاش اللذين يشهدهما قطاع المنتجات المرفهة عموما و«الهوت كوتير» خصوصا.

ما لا يختلف عليه اثنان أن غياب «جيفنشي» خسارة للأسبوع الذي غابت عنه أسماء مهمة في العقود الأخيرة، إلا أن فيدرالية الموضة الفرنسية، متحسبة لمثل هذه الأمور. فمنذ سنوات قدمت دعوات لمصممين كبار من أمثال جيورجيو أرماني، وفالنتينو، وعز الدين علايا، وإيلي صعب، للمشاركة فيه بصفة مراسلين، من دون أن تنسى أن تدرج بين الفترة والأخرى أسماء شابة ومن جنسيات متنوعة، لضخه بدماء جديدة ورؤية حيوية تضمن استمراريته. آخر هذه الأسماء، الشاب الكندي، الأردني الأصل، راد حوراني، البالغ من العمر 30 عاما، الذي شارك في الأسبوع لأول مرة في يوليو (تموز) الماضي بتشكيلة صغيرة للخريف والشتاء أثارت الكثير من الانتباه إليه. الآن، تلقى دعوة من فيدرالية الموضة الفرنسية للمشاركة في البرنامج الرسمي للأسبوع، بعد أن أثبت أنه يمتلك أسلوبا خاصا ومختلفا، فضلا عن كل العناصر التي تتطلبها المشاركة في أسبوع يتبنى فكرة كل ما هو غال ونفيس هو مطلوب.

فسعر بنطلون بتوقيعه، مثلا، يقدر بنحو 7000 دولار أميركي، بينما يقدر سعر جاكيت بـ15000 دولار أميركي، وهي أسعار لا تعني كثيرا بالنسبة لزبوناته من الطبقات الأرستقراطية والنجمات، لأنها بالنسبة لهن «فن»، كما يقول.

حوراني يصمم منذ 5 سنوات، وله خط خاص يحمل توقيع «راد باي راد حوراني» يتوافر في 130 محلا في 30 بلدا عالميا، ويتميز أسلوبه بعدم التفريق بين الجنسين. فهذه هي بصمته وماركته المسجلة: تفصيل يليق بالرجل والمرأة من دون أي إيحاءات سوى أنها فنية في تصميمها وهندسيتها التي تحاكي المنحوتات في بعض الحالات.

ديدييه غرامباش، رئيس الفيدرالية، متفائل بهذه المشاركة قائلا إنها من ستغني الأسبوع وتضيف إليه طعما جديدا: «أنا متأكد من نجاحه، لأنه مصمم مبدع ومنظم في الوقت ذاته، وهاتان ميزتان لا تتوافران في كل مصمم، حسب رأيي». مشاركة حوراني في الأسبوع جاءت أيضا بمساعدة ودعم مادي من سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لدار «ديور».

من الأسماء التي حفرت لها مكانة في الأسبوع في السنوات الأخيرة أيضا، المغربية بشرى جرار التي تتوجه، مثل جيورجيو أرماني، للمرأة العاملة، بطرحها الكثير من القطع المنفصلة التي يمكن أن تنقلها من النهار إلى المساء بسهولة. بيد أنها على العكس من جيورجيو أرماني، مقلة في عدد ما تقدمه في كل موسم، ليس لعدم قدرة على الإبداع، بل لقة إمكاناتها مقارنة بالمصمم المخضرم. تكونت تشكيلتها لربيع وصيف 2013 من 25 قطعة فقط، كان فيها البنطلون المستقيم هو البطل بلا منازع، فقد كان حاضرا مع جاكيتات قصيرة من الجلد أو كنزات من الصوف أو جاكيتات مفصلة أو قمصان، إلى جانب معطفين تقريبا وعدد قليل من الفساتين بينها اثنان للسهرة، تميز واحد منهما بتنورة واسعة ومنسدلة بفتحة جانبية عالية، بينما تميز الثاني ببساطة راقية في انسدال يعانق الجسم من دون أن يشده.

بشرى جرار، ليست الوحيدة التي اكتفت بما قل ودل، فالمصمم كريستوف جوس، بدوره لم يقدم سوى 15 إطلالة، كانت بالنسبة له قادرة على استعراض إمكاناته وفي الوقت ذاته ما تعنيه الـ«هوت كوتير» من فنية وحرفية لا تتطلب الكثير من التكلف بقدر ما تحتاج إلى البساطة، أو بالأحرى القدرة على تطويع الصعب والممتنع بأسلوب سهل وراق. قبل العرض، اعترف بأنه لن يقدم تشكيلة كبيرة، مبررا أنه فضل التركيز على عدد قليل حتى لا يضع نفسه تحت ضغوط ويفقد إحساسه بالمتعة. وكان من الواضح أن أكثر ما أسعده هو التلاعب بالأقمشة المترفة، التي روضها واستعملها في بليسيهات هندسية تتحرك بشكل عمودي ثم أفقي، في قطعة واحدة، مثلما هو الحال في تنورة باللون الأبيض، تكررت فكرتها.