كتاب محزن عن المعانين من هوس الرشاقة حتى الموت جوعا

هنا الشابة الألمانية أوقفت إضرابها عن الطعام بعد أن بلغ وزنها 29 كغم

هوس النساء نحو الخصر الرقيق واللياقة البدنية ظهر حاليا لدى الرجال بشكل هوس أيضا.. وفي الإطار غلاف الكتاب
TT

حسب الإحصاءات الصحية في ولاية الراين الشمالي - فيستفاليا الألمانية، التي يسكنها نحو 20 مليون شخص، هناك نحو 100 ألف مريض يعاني من «القهم»، أي من الفقدان الإرادي للشهية إلى الطعام. يضاف إليهم 300 ألف يعانون من هوس تجويع النفس عن طريق التقيؤ (القهم العصبي).

والمقلق في الإحصائية أن 10 في المائة من المعانين من هذين المرضين تنتهي حياتهم بعد أن يفقدوا السيطرة على الغذاء. وطبيعي فإن غالبية المصابين هم من النساء، ومن الفتيات الصغيرات أساسا، ممن تستهويهن رشاقة «المانيكان»، أو لنقل تجويع النفس وراء القوام المثالي.

كان القهم العصابي حتى الآن، أي قبل انتشار هوس النحافة واللياقة البدنية، مرضا نسائيا يصيب النساء بنسبة 95 في المائة. لكن انتشار استوديوهات اللياقة البدنية والنزوع نحو النحافة، حول دفة المرض باتجاه الرجال حسب قناعة مركز الأبحاث الصحية واتحاد اضطراب التغذية الألمانيين.

وحسب زيغريد بورسة، رئيسة اتحاد اضطراب التغذية، فإن هوس النساء بالخصر الدقيق والثديين المرتفعين ظهر حاليا لدى الرجال بشكل هوس نحو الخصر الرشيق، والصدر العضلي، ومراقبة الوزن. وعبرت بورسة عن قناعتها بأن نسبة الخمسة في المائة التي قدرها مركز الأبحاث الصحية للرجال المصابين بالقهم العصابي قبل 15 سنة ما عادت صالحة اليوم.

وقدرت الباحثة الألمانية أن عدد الرجال المصابين بالقهم العصابي قد تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1988، كما تضاعف عدد المصابات بالقهم العصبي بنفس النسبة خلال ذات الفترة. ومن المتوقع أن يكون عدد مهووسي النحافة من الرجال أكبر بكثير مما هو معلن، لأن آلاف الرجال الألمان يخجلون من الكشف عن إصابتهم بمرض «نسائي» مثل القهم العصابي.

واحدة من هذه المصابات، وهي طالبة جامعية من مدينة هام (غرب)، لم تعد إلى صوابها إلا بعد أن رأت الموت بعينيها، حسب تعبيرها. أصيبت بحالة هوس جعلتها تنظر إلى الطعام كعدو، وصار وزنها يتناقص إلى أن بلغ 29 كيلوغراما، وذلك بطول 170 سم. ونشرت هنا - شارلوته بلومنروث (20 سنة) كتاب يوميات ضمنته صراعها من أجل الحياة ضد القهم، والقهم العصبي، وأخيرا انتصارها على الحالة. وتقول الكاتبة، بعد أن ارتفع وزنها إلى «الطبيعي»، إنها لا تشعر بنفسها «سليمة» بعد.

تقارن هنا تجربتها مع القهم، ومع التجويع النفس، مع تجارب الضالين في الصحراء، أو التائهين في الغابات. فقد كانت معرضة للموت في أي لحظة، وتقول إنها من التجارب التي »تعلم الإنسان ضرورة التمسك بالحياة». منحت هنا كتابها عنوان «فقدان السيطرة على السيطرة»، وتقسم فيه المراحل التي اجتازتها وصولا إلى حافة الهاوية، ومن ثم العوامل التي دفعتها باتجاه الحياة. على الإنسان أن يختار يوما بين أن يعبر جسرا أو أن ينسفه، لكن هنا نسفت كل الجسور تقريبا في اندفاعها نحو الرشاقة المثلى، ولولا «جسر» الطبيب والأهل لفقدت حياتها.

دامت تجربتها 4 سنوات، وتعرف في كتابها القهم العصبي على أنه تحطيم غير واع للجسد. وتعتقد أنه خوف شديد من البدانة، ومن فقدان الرشاقة، متأصل في العقل الباطني، وفي زاوية ما من الدماغ. وتبدأ الحالة بحمية معتدلة، تتزايد حدة كل يوم بفعل الخوف الكامن في الدماغ، وتتحول بالتدريج إلى جوع شديد تحاول بكل قواها العقلية والجسدية السيطرة عليه. ولما كان ضعف الجسد يؤدي إلى ضعف الفكر أيضا، حسب المثل القائل: «العقل السليم في الجسم السليم»، يفقد العقل الجائع السيطرة على الحالة.

يؤدي الجوع، ومقاومة الطعام، بل وتعمد التقيؤ بعد تناول الطعام، إيهاما للمعدة، وللدماغ، إلى عدم القدرة على النوم. وفي الطور الأول من الحالة، ما كانت هنا تنام أكثر من 4 ساعات يوميا، لأن الجسد لا ينام على الطوى. تحاول أن تسد رمقها بلبن زبادي مجمد طلبا للنوم، لكنها تستيقظ بعد ساعات قليلة بإيعاز الجسد المحتاج للغذاء. وحينما تستيقظ صباحا، من نومها القصير، لا تراودها غير فكرة واحدة: كيفية التملص من وجبة الفطور.

حاول الأهل والأصدقاء ردعها حينما وصل وزنها إلى 40 كغم، لكن ذلك لم يكن كافيا لها. تنظر إلى نفسها في المرآة وتفكر بإنقاص المزيد من الكيلوغرامات. والمهم أنها لم تكن تأكل شيئا يذكر طوال تلك الفترة، وكانت دائما على قناعة بأنها رشيقة وليست «نحيفة». هنا صار تجنب الأكل، والالتزام بالحمية القاتلة أهم من الدروس، وعلى أي حال فإنها صارت تتغيب عن الدروس لأنها «لم تعد تستوعب» في الطور الأخير من المرض.

لا تفصل هنا - شارلوته بلومنروث الخوف من البدانة، والخوف من أشياء أخرى كثيرة، عن حياتها العائلية ككل. وربما أن تصور وزن أمها البدينة، التي ولدت 4 مرات، تأصل في عقلها الباطني منذ أن أصبحت مراهقة. ولدت في ميونيخ عام 1991، وانفصلت الأم عن الأب وهي صغيرة جدا، وانتقلت الأم مع طفليها إلى العيش قرب الأهل في أيسن. تزوجت الأم ثانية وولدت طفلين جديدين، ثم تم طلاقها من جديد. مات والدها وجدها وهي بعمر 16 سنة، وتعتقد لذلك أن اضطراب فترة المراهقة، والعواصف التي أطاحت بعائلتين، ربما لعبت دورا في نشوء استعدادها للقهم العصبي. يقول عقلها الباطني إنه إذا فشل الإنسان في كل شيء، وفقد السيطرة على كل شيء، فلا يبقى أمامه غير النجاح في السيطرة على جسده نفسه.

لم تكن هنا مرتاحة في حياتها العائلية والشخصية، وكانت تعتبر نفسها دائما قبيحة وبدينة، ولذلك فقد صارت تمتنع تدريجيا عن حضور الحفلات، ومراقص الطلبة، والأماكن العامة، وأصبحت تمارس الرياضة في الاستوديوهات بشكل مكثف. وحينما كانت تخرج مع زميلاتها كانت تكتفي بكأس ماء، أو بزجاجة «كولا لايت»، وحينما كن يحذرنها من تجويع النفس كانت تعتقد «أنهن يغرن» منها.

صارت تشعر بالرضا عن حياتها، ولكن أيامها أصبحت عبارة عن معارك مستمرة مع أمها، بسبب امتناعها عن الطعام. وتقول هنا إن «الشجار» حول ذلك كان يجري عند تناول كل وجبة، لكنها كانت دائما المنتصرة، وصارت تشعر بالفخر لشخصيتها القوية وقوة إرادتها. وبعد معركة حامية حول قطعة بسكت، قدمتها أمها لها، ورفضت هي أكلها، اضطرت إلى الخضوع لضغط الأم وزارت أول مصح لمعالجة المعانين من القهم. وكانت معركة البسكويت بداية سلسلة زيارات إلى 4 مصحات مماثلة. كان وزنها آنذاك 37 كيلوغراما فقط.

لم تنفع المصحات في تلك الفترة لأنها كانت ضد إرادتها، فكانت تقضي فترة المصح، وتكسب بضعة كيلوغرامات تضاف إلى وزنها، لكنها تفقدها حالما تعود إلى البيت، وهكذا دامت هذه الدوامة 3 سنوات بين البيت والمصحات. ومن حظ هنا - شارلوته بلومنروث، أنها كانت تدرس في مدينتها، وتعيش مع أمها وإخوتها، وإلا لكان الجوع أنشب مخالبه القاتلة في جسدها.

أدت هنا امتحان البكالوريوس، استعدادا إلى دخول الجامعة، وهي أقل ما تكون تركيزا، ونوما، ووزنا. إذ انخفض وزنها في هذه المرحلة إلى 29 كيلوغراما، أي أنها بلغت المرحلة الأخيرة من المرض، أو أدنى نقطة في الهاوية، حسب تعبيرها. وتكرر في هذه المرحلة فقدانها لوعيها وسقوطها في البيت بين غرفتها والحمام. لكنها كانت تحرص على أن لا يلاحظ ذلك أبدا.

وبعد سقوطها مرة أمام مدخل البيت اقتادتها أمها هذه المرة إلى مصح «روزينيك» في بافاريا، المعروف كأفضل مصح لعلاج هذه الحالات، وهنا نجح العلاج بالتوعية أساسا، ومن ثم من خلال زيادة الشهية، في رفع وزنها إلى 40 كغم. وخرجت من المصح قبل عام، وتداوم على زيارة عيادة لمعالجة الاضطرابات العصبية للشباب، لكنها حافظت على الأربعين كيلوغراما دون أن تتخلى عن الطعام. تكتفي بالنباتات، وتكثر من أكل السلطة، لكن وضعها اليوم أفضل 100 في المائة من وضعها قبل عام.

فضلا عن كتابها، ظهرت هنا - شارلوته بلومنروث في الكثير من البرامج التلفزيونية التي تهتم بالمواضيع الاجتماعية، وخصوصا في البرنامجين التلفزيونيين اللذين تقدمهما مجلتا «دير شبيغل» و«شتيرن» المعروفتان. وتقول بمرح إنها تعرف ألف حيلة وحيلة لتجنب تناول الطعام. تقول في كتابها: «كنت أنظر إلى عارضات الأزياء في التلفزيون، وأقول لنفسي، لماذا يحتفظن برشاقتهن، في حين نسمن نحن؟». وربما أن هذه هي العقدة الرئيسية التي تعاني منها نسبة كبيرة من المراهقات.