بقيادة «تودز» و«فندي» و«برادا».. بيوت الموضة تتسابق على ترميم آثار إيطاليا

الأزمة المالية تدفع الحكومة للاستعانة بالشركات الخاصة مقابل صفقات إعلانية

تكفلت شركة «ديزل» للأزياء بتكاليف ترميم جسر ريالتو الشهير بالبندقية
TT

لا نستطيع أن نأكل الثقافة، جملة قالها وزير المالية الإيطالي جوليو تريمونتي في عام 2011 دفاعا عن خطة التقشف في إيطاليا والتي اقتطعت ثلث ميزانية الثقافة في إيطاليا. وتبعا لذلك تأثرت الأنشطة الثقافية في إيطاليا بشكل كبير وامتد هذا التأثير إلى خطط صيانة وترميم المعالم الأثرية الممتدة فيها. وكما هو معروف فروما على سبيل المثال تحتضن 44 أثرا عالميا مسجلا في قائمة التراث العالمي باليونيسكو و5000 متحف و60 موقعا أثريا.

وبالنسبة للزائر لروما فإن اهتماماته في الغالب تنصب حول زيارة أهم رموزها الأثرية وبالطبع القائمة طويلة جدا قد لا تمكن السائح من الوفاء بحق معالم المدينة التاريخية في زيارته. ويتصدر الأماكن الرئيسية على القائمة أثران عالميان هما المدرج الروماني (الكولوسيوم) ونافورة تريفي. وعموما لا تتوقف أفواج السياح عن زيارة المعالم في إيطاليا وهو ما يعد خبرا طيبا في هذا البلد الأوروبي الذي يعاني من ضائقة مالية يتشارك فيها مع باقي دول الاتحاد الأوروبي. لكن تدفق السياح يحمل معه أيضا بعض الضرر لتلك الآثار مما يعني إنفاق المزيد من المال لترميمها وصيانتها. ولمواجهة تلك الأضرار وجد جياني أليمانو عمدة روما حلا عمليا قريبا يتمثل في دعوة الشركات الإيطالية الكبرى للمشاركة في نفقات ترميم وصيانة تلك المواقع، الصفقة فيها أيضا ما يحمس الشركات للموافقة عبر اتفاقيات لحملات إعلانية داعمة.

العرض الذي يبدو مغريا نجح في إقناع عدد من الشركات الإيطالية ورجال الأعمال في المساهمة. فشهد العام الماضي تقدم شركات أزياء ومنتجات فاخرة مثل «تودز» و«ديزل» و«فندي» بعروض لترميم أماكن أثرية وتاريخية معينة في صفقة تبدو رابحة لكل الأطراف.

شركة «فندي» للأزياء والمنتجات الفاخرة تقدمت هذا الأسبوع بعرض للمساهمة في ترميم نافورة تريفي الشهيرة في وسط روما حسب ما ذكرت صحيفة «لا ريبوبيليكا» الإيطالية. وذكرت الصحيفة أن الاتفاق قد تم بين الشركة والمسؤولين في جهاز الآثار ومن المتوقع أن يؤكد خلال أسبوع روما للأزياء الذي يعقد نهاية هذا الشهر.

النافورة الشهيرة التي بنيت بناء على تكليف من البابا كليمنت الثاني عشر في عام 1732 من أكثر الأماكن التي يحرص السياح على زيارتها وممارسة طقس شهير أمامها بإلقاء قطعة نقود معدنية فيها تمنيا للعودة مرة أخرى. وقد أثرت الأحوال الجوية على بعض أحجار النافورة وتساقطت بعض قطع من الجص والحجر منها في العام الماضي تأثرا بموجة صقيع أصابت روما.

ومن المتوقع أن تبدأ أعمال الترميم في شهر مارس (آذار) المقبل وأن تستمر لعام كامل ولم يعلن إن كان ذلك سيؤدي لحجب النافورة عن الزوار لفترة.

وكانت شركة المنتجات الجلدية «تودز» قد تقدمت بعرض 25 مليون يورو لعملية ترميم لأثر روما الأشهر المدرج الروماني «الكولوسيوم»، حيث أعلن لورنزو أورناغي وزير الثقافة الإيطالي في شهر يوليو (تموز) الماضي بحضور دييغو ديلا فالي صاحب الشركة عن أن «تودز» ستخصص المبلغ لأعمال الترميم والصيانة في مقابل فرص للدعاية، وإن كانت خلافات حول اختيار شركات المقاولة قد عطلت بداية أعمال الترميم. وهذا الأسبوع علق جياني أليمانو عمدة روما على التأخير بأنه أمر «محبط» وطالب بسرعة الوصول لقرار حتى تبدأ عمليات الترميم.

وبالأمس ذكر وزير الثقافة الإيطالي المنتهية ولايته لورينسو أورنجي أن أعمال تجديد «الكولوسيوم» بروما التي تأجلت لفترة طويلة يمكن أن تبدأ في فبراير (شباط) المقبل شريطة تسوية المعركة القضائية والبيروقراطية التي تعرقل المشروع بحلول هذا الموعد.

وقال أورنجي في حوار مع صحيفة «الميساجيرو» ومقرها روما: «نحن مستعدون للبدء، ولكن يتعين أن ننتظر الإشارة التي لم تصل بعد لسوء الحظ».

وكانت مؤسسة حماية المستهلك الإيطالية قد لجأت للقضاء لإيقاف الاتفاق مع شركة «تودز» طارحة تساؤلا حول شرعية اللجوء للشركات الخاصة لدعم عمليات الترميم والصيانة وأثارت في شكواها أيضا عدم وجود شفافية في إرساء المناقصات على شركات المقاولات التي ستقوم بالعمليات الترميمية. ولكن المحكمة قررت رفض الدعوى لتزيح بذلك آخر العراقيل أمام البدء في المشروع.

ومن المتوقع أن تتم العملية على عدة مراحل أولاها ستستغرق 915 يوما وتشمل الأقواس في مدخل المدرج الروماني. ويعاني المدرج من سقوط أحجار منه بشكل مستمر وخاصة في منطقة الحلبة التي شهدت معارك المصارعين الرومان (جلادياتورز) كما يعاني من تأثير عوادم السيارات التي أضفت عليه طبقة من اللون الأسود. كما يشمل مشروع الترميم التعامل مع الذبذبات التي تسببت في انخفاض المبنى في الجانب الجنوبي منه. وتشمل الصفقة إقامة مركز للسياح خارج المدرج وأيضا ترميم المنطقة الداخلية للحلبة وأيضا للغرف الحجرية تحت الأرض.

أما بالنسبة لشركة «تودز» فطبقا للاتفاق فإن الصفقة الضخمة ستعود عليها بحق استخدام شعار المدرج الروماني الذي بني بين عامي 70 و72 بعد الميلاد تحت حكم الإمبراطور فيسباسيان على حملاتها الإعلانية لمدة 15 عاما وأن تضع شعارها على تذاكر الدخول. جدير بالذكر أن عدد زوار المدرج الروماني يصل إلى ستة ملايين زائر في العام.

ولكن ديل فالي، حسب تقرير لصحيفة «الديلي تلغراف»، سارع لتهدئة الشكوك التي قد تثار حول الاستغلال لصورة الأثر الروماني وقال: إن الاتفاق لا يعني أن يقوم بتغطية واجهة المدرج بلوحات إعلانية وأكد أن الهدف الأول هو حماية كنوز إيطاليا الأثرية للأجيال القادمة.

وإلى جانب المدرج الروماني ونافورة تريفي ستستفيد مدينة البندقية من هذا التوجه الجديد إذ تكفلت شركة «أو تي بي» التي يرأسها رينزو روسو مؤسس ورئيس شركة «ديزل» للأزياء بتكاليف ترميم جسر ريالتو الشهير. وتبلغ قيمة العرض خمسة ملايين يورو تخصص لتنظيف وترميم الجسر الشهير على القناة الكبرى بالبندقية. وحسب تقرير «التلغراف» فمن المتوقع أن يستغرق العمل 18 شهرا.

جسر ريالتو صممه المعماري أنطونيو دا بونتي وانتهى بناؤه في عام 1591 ويعد من أشهر وأقدم معالم مدينة فينيسيا. ولا شك أن عمر الجسر«أكثر من 400 عام» وملايين السياح، 20 مليون سنويا، قد أثر على بنية الجسر الشهير وتسبب في تهدم أعمدة فيه بل وإغلاق جزأ منه مؤخرا بعد أن تكسرت بعض درجاته الرخامية.

روسو وديل فالي ينضمان لقائمة من رجال الأعمال والشركات التي رأت فرصة سانحة في دعوة عمدة روما لدعم التراث الإيطالي فقام رجل الأعمال الفرنسي فرنسو بينو مالك بيوت أزياء مثل «غوتشي» و«بالانسياجا» بشراء قصر بالازو غراتسي التاريخي في فينيسيا حيث احتفظ بمجموعته من اللوحات الفنية النادرة واستخدمه أيضا لإقامة المعارض الفنية. دار «بولغاري» و«شركو ريبلاي» كلها قامت بشراء قصور على جانبي القناة الكبرى. وعادت الحياة لقصر بالازو دوكالي بعد السماح لعلامات «بولغاري» و«شوبار» و«غوتشي» لوضع لافتات إعلانية عليه. بينما تنوي شركة «بينيتون» للملابس تحويل مقر رابطة التجار الألمان في فينيسيا (فونداكو دي تيديسكي) الذي بني في عام 1228 إلى مركز تسوق ولكن مشروعها يواجه معارضة من نقابة العاملين بالثقافة في إيطاليا وأيضا من جماعات من المواطنين التي ترى في ذلك تغييرا للشكل التاريخي للمدينة العائمة. وعموما فهناك حركة احتجاج قوية ضد وضع اللافتات الدعائية على مباني البندقية فهي تغطي جسر التنهدات الشهير وقصر الدودج في ساحة سان ماركو.

ولعل جانب الاستغلال التجاري هو الجانب الذي يختلف عليه الإيطاليون، فبعضهم رأى أن في ذلك تعديا على معالم أثرية خالدة ولكن البعض الآخر تبنى عقلية عمدة روما العملية ورأى في الأمر فائدة للطرفين وإنعاشا لحركة السياحة للبلاد.