فندق «وندسور».. قطعة من التاريخ الحي في قلب القاهرة

أقام به «جورج موستاكي» و«مايكل بالين» وصاحبه يطالب بشهادة مواصفات خاصة

لقطة حديثة لفندق «وندسور» القاهرة وابتسامة معبرة لعامل المصعد
TT

وسط زحام القاهرة وفي منطقة حية بدبيب البشر وحركة المطاعم والمحال التجارية، وما أن تطأ قدماك عتبة فندقق وندسور العريق حتى تشعر بالحركة السابعة وهي حركة الزمن كما وصفها المؤلف الإنجليزي هه. ج ويلز في روايته البديعة «آلة الزمن»، فالأماكن التي تحتفظ بتاريخها يشعر روادها بأن أرواح من ارتادوها في السابق تجلس معهم وترافقهم أثناء تواجدهم في المكان.

لذلك اختار الكاتب الأميركي «أندرو همفري» فندق وندسور ليكون مكانا لإقامة حفل توقيع كتابه الشهير «أعظم فنادق القاهرة التاريخية»، من بين الفنادق الموجودة في مصر، ربما ليشعر بالحركة السابعة التي تروقه.

بني فندق وندسور القاهرة عام 1899. ولكن هناك باحث إنجليزي اكتشف أن الفندق يعود بناؤه لعام 1893. حسبما ذكر المهندس «وفيق دوس» أحد مالكي الفندق.

ويحكي «دوس» أن الخديوي إسماعيل كان مهتما بمنطقة وسط البلد، وأحضر معماريين من فرنسا وإيطاليا ليجعلوها طبق الأصل من الشانزلزيه في باريس، وبالطبع فندق وندسور جزء من المعمار الجميل في هذا الوقت، وكان مكانه حمامات الخديوي، ثم تحولت تلك الحمامات إلى (النادي الإنجليزي) وقت الحرب العالمية الثانية.

في مدخل الفندق تجد مكتب استقبال لم يتغير منذ الخمسينات من القرن الماضي، وقبل مكتب الاستقبال تجد على يسارك المصعد السويسري اليدوي الفاخر، الذي ينقلك عبر الأدوار الستة للمبنى التاريخي، ويستقبلك سائقه بابتسامته ليأخذك في رحلة مشوقة بين الطوابق الستة.

يتذكر «وفيق دوس» أن الشركة السويسرية التي قامت بصناعة المصعد منذ 120 عاما، حضرت إلى مصر منذ خمس سنوات لتقوم بتصوير المصعد الذي لا يزال يحتفظ بحالته منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا.

الدور الأول يوجد به المطعم والصالون الخاص لجلوس رواد الفندق سواء من النزلاء أو من خارج الفندق لمحبي الهدوء، ومن رواده منذ سنوات الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي. حسبما ذكر لي النادل وأشار إلى طاولة الأبنودي المفضلة، وكذلك يأتي الكثير من المثقفين والشعراء من رواد منطقة وسط البلد للجلوس بالصالون الخاص بفندق «وندسور القاهرة» ليجلسوا محاطين بالتاريخ وما تبقى منه، ويشعرون بروح اللوردات الإنجليز الذين كانوا يرتادون نفس المكان ويقومون بصيد الغزلان في البراري ويزينون بقرونها حائط الصالون، في تقليد لتخليد ذكرى تلك الرحلات.

نجا فندق وندسور القاهرة من حريق القاهرة الشهير يوم 26 يناير (كانون الثاني) عام 1952 الذي حول منطقة وسط البلد الجميلة إلى مبان رمادية من آثار الحرائق، وحول فندق شبرد القريب من وندسور إلى كومة من الرماد، ولكن يقول «دوس» إن الباب الحديد على مدخل الفندق قام بمنع مثيري الحريق وقتها من اقتحام الفندق ومن ثم حرقه، وطالته بعض النيران ولكن بشكل بسيط، ومن آثار الحريق لوحة فنية بألوان الزيت احترقت، ولكنها ما زالت معلقة على أحد حوائط المطعم داخل فندق وندسور.

ويؤكد المهندس «وفيق دوس» أن فندق وندسور القاهرة الوحيد من نوعه ولا يتبع سلسلة فنادق سواء داخل مصر أو خارجها، وأنه يوجد عدة فنادق على مستوى العالم بنفس الاسم تيمنا باسم «وندسور بالاس» قصر ملكة إنجلترا.

ويقول: قامت عائلة «دوس» بشراء الفندق من ملاكه السويسريين عام 1962 وكان صاحبه يعمل في فندق شبرد وقتها، وأراد بيعه وقمنا بشرائه بعد تأميم محلج القطن الذي كان يمتلكه والدي في الصعيد عام 1962. وقام وقتها بفك بوليصة تأمين والتفكير في الاتجاه إلى السياحة لأنه رأى فيها مستقبل مصر وقام بشراء الفندق، ومنذ ذلك الوقت لم نحاول تغيير أو تبديل أي من أثاثه وديكوره، وما زال يحتفظ بقيمته التاريخية، ونقوم بترميم الأثاث فقط والمحافظة عليه، لكن نعاني من عدم وجود حرفيين مهرة يقدرون القيمة التاريخية للأثاث الذي يحتويه الفندق، غير أن وزارة السياحة المصرية أنذرتنا أكثر من مرة بعدم إعطائنا شهادة المواصفات الخاصة بالفنادق لأن الأثاث قديم في نظرهم، خاصة أنني ما زلت أحتفظ بالمراتب القطن التي أصبحت نادرة في وقتنا هذا، ولكني أحاول الحفاظ على القيمة التاريخية للمكان قدر المستطاع، وأطالب بشهادة مواصفات خاصة بالفنادق التاريخية للحفاظ عليها لأنها جزء من تاريخ مصر.

ويواصل «وفيق دوس» كانت منطقة وسط البلد منطقة للثقافة والترفيه والموضة والفنون، فكان مطعم الكورسال الشهير ومسرح الميتروبول بجانب حدائق الأزبكية التي كانت تحتضن بحيرات البجع وتأتي كل يوم جمعة فرقة الملك الموسيقية لتعزف أجمل الألحان للجمهور.

ومن أشهر الشخصيات التي زارت الـ«وندسور» المطرب الفرنسي الشهير «جورج موستاكي» وأقام لدينا، وكذلك المخرج الأميركي «مايكل بالين» مخرج الفيلم الشهير «80 يوم حول العالم»، كما قام المخرج عاطف سالم بتصوير آخر فيلم له في الفندق عن الحرب العالمية الثانية، وتم تصوير فيلم «النوم في العسل» للفنان عادل إمام وكذلك فيلم «الباحثات عن الحرية» لمخرجته إيناس الدغيدي.

وتتزين حوائط الفندق بالكثير من البراويز لكل من الشخصيات الشهيرة التي أقامت به أو قامت بزيارته، وقصاصات الصحف التي كتبت عنها، ومن ضمن تلك البراويز صورة لرحالة نرويجيين أقاموا في الفندق منذ أربعين عاما وقت تنقيبهم عن الآثار وقاموا بزيارة الفندق منذ سنوات ليتذكروا تلك الأيام، وبرواز يحمل بداخله ظرفا لخطاب أرسله صاحبه المقيم في «وندسور» عام 1936 متوجها إلى إنجلترا ووصل هذا الظرف التاريخي في يد أحد هواة جمع الطوابع فقام بإرساله لملاك فندق وندسور عام 2002 ليحتفظوا به داخل برواز جميل على أحد حوائط الصالون.

ويتذكر «دوس» أن الرئيس عبد الناصر قام بتسكين الخبراء الأجانب الذين شاركوا في بناء السد العالي لدينا في فندق وندسور، كما قام بزيارتنا منذ عدة سنوات لوردات متقاعدون من الجيش الأسترالي الذي شارك في الحرب العالمية الثانية وكانوا يلتقون في وندسور وقت أن كان به النادي الإنجليزي، ليتذكروا شبابهم وجلسوا في الصالون يغنون نفس الأغاني التي كانوا يتغنون بها وقتذاك.

في نهاية إقامتك في الفندق أو في نهاية جولتك يودعك المهندس «وفيق دوس» بابتسامته التي استقبلك بها ولم تتغير طوال فترة إقامتك، فهو اعتاد أن يصادق رواد الفندق ويظل متواصلا معهم بحب وسلام وبروح الشخصية المصرية الأصيلة.