حادثة الاغتصاب الجماعي في الهند تكشف ذكورية المجتمع الهندي

دعوات لقيود في المظهر والسلوكيات تحمل المرأة مسؤولية مثل تلك الحوادث

دفعت حادثة اغتصاب الفتيات في الهند إلى الالتحاق بدورات الدفاع الذاتي. وفي الصورة مجموعة عاملات في فندق إمبريال بالعاصمة نيودلهي في احدى هذه الدورات (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي تواجه فيه الهند تبعات حادث الاغتصاب الجماعي البربري الذي وقع في حافلة في نيودلهي الشهر الماضي ووفاة الضحية الطالبة البالغة من العمر 23 عاما، بدأت تظهر مجموعة من الإرشادات التي يجب على النساء اتباعها حتى لا يتعرضن لمثل هذه الحوادث.

وتتضمن نصائح حماية المرأة من التعرض للاعتداء الجنسي عدم سفرها بمفردها أو استخدام الهاتف المحمول أو الحديث مع الفتيان أو ارتداء ملابس غربية، وارتداء معاطف فوق ملابسهن وعدم الخروج من المنزل أو محل العمل بعد الساعة السادسة مساء. بدأت مثل هذه البيانات المتشددة على طريقة طالبان تخرج من المناطق الريفية والحضرية في الهند منذ الشهر الماضي.

يوضح هذا الاتجاه الانفصال الذي تعاني منه الهند وطبيعة التقاليد الذكورية الراسخة، حيث يؤكد المحافظون على أن «التغريب والرأسمالية والنزعة الاستهلاكية والفردية المتنامية» هي السبب في هذه الحوادث. على سبيل المثال، فرض مجلس قروي في ولاية هاريانا الشمالية حظرا على ارتداء النساء للسراويل الجينز والـ«تي شيرت»، ومنع الفتيات من حمل هواتف محمولة إلى مدارسهن.

وفي رد فعل غير متوقع لمنع الحوادث التي تستهدف المرأة في أعقاب حادث الاغتصاب في نيودلهي، أصدر المجمع الإسلامي في ولاية راجستان بيانا بمنع الفتيات من استخدام الهواتف المحمولة والغناء والرقص في حفلات الزفاف.

على جانب آخر أثار أساران بابو الزعيم الروحي الهندوسي، جدلا وسخطا واسعا بعد أن صرح بأن ضحية الاغتصاب الجماعي في نيودلهي تشترك في تحمل مسؤولية متساوية عن الجريمة.

أثارت تصريحاته انتقادات أسرة الضحية، التي تعرضت للاعتداء على يد مجموعة من الأشخاص داخل إحدى الحافلات ثم ألقيت على جانب الطريق عارية، وذلك في طريق عودتها مع صديقها إلى المنزل مرتدية ملابس غربية بعد مشاهدة فيلم في أحد المراكز التجارية.

كما قدمت الجماعة الإسلامية، وهي منظمة دينية سياسية إسلامية في الهند، إحدى عشرة توصية للجنة قاضي المحكمة العليا السابق جا إس فيرما، التي شكلتها الحكومة لتقديم مقترحاتها بشأن التغييرات المطلوبة في القوانين القائمة لتحسين تأمين المرأة في الهند. تضمنت توصيات الجماعة الإسلامية منع الاختلاط في مراحل التعليم وفرض ملابس محتشمة على الفتيات في المؤسسات التعليمية.

كذلك أصدرت شرطة نيودلهي مجموعة من الإرشادات للسيدات والفتيات في جميع أنحاء المدينة تضم قيودا على حياتهن، مثل التوجه مباشرة من المدرسة أو الجامعة إلى المنزل والركض في خوف بدلا من الرد على المضايقات ومراوغة المطاردين بتغيير الحافلات والعربات. كما تتضمن الملصقات نصائح للفتيات بعدم الحديث مع الغرباء أو قبول التوصيل بسيارة شخص غريب أو تناول أي طعام من شخص لا يعرفنه.

لاقى هذا الإجراء ردود فعل حادة. صرحت مديرة مركز الأبحاث الاجتماعية رانجانا كوماري أن مثل هذه النصائح غير مقبولة: «إنها تحمل المرأة مسؤولية سلامتها، بل وتبعث على الخوف في وقت يجب أن تتحلى فيه المرأة بالثقة. كما أن التعليمات تقيد حركة النساء، في حين توجد قيود كثيرة بالفعل من العائلات. لماذا لا توجد نصائح وقيود للفتيان؟ لقد أخفقت الدولة في حماية الفتيات والآن الشرطة تفرض عليهن القيود. أهكذا تتعامل المدن الحديثة مع المرأة؟» وصفت كافيتا كريشنان، رئيسة جمعية كل النساء التقدميات في الهند، هذه التعليمات بعدم مراعاة المشاعر، إذ إنها «تعني نجاح المغتصبين في بث الخوف وتقييد حرية المرأة. إن من يحملون المرأة مسؤولية سلامتها يدافعون عن المغتصبين».

وكان كثير من كبار الشخصيات في البلاد، منهم رجال دين وسياسيون وجماعات دينية، قد أدلوا بتصريحات غريبة حول الحد من الجرائم التي ترتكب ضد المرأة، ولكن تبنى معظمهم رأيا مشتركا بأن المرأة تتحمل مسؤولية متساوية عن الجرائم التي ارتكبت ضدها. جاءت بعض هذه التعليقات لتكشف عن عقليات مثيرة للشفقة وأخرى تعكس غباء واضحا.

طالب عضو المجلس التشريعي المنتخب في ولاية راجاستان في شمال الهند، بانواري لال سينغال، بحظر ارتداء الفتيات للتنورات لإبعادهن عن نظرات الرجال الطامعة.

بعد هذه التعليقات، طلبت حكومة بونديشيري من طالبات المدرسة الثانوية ارتداء معطفا يغطي زيهن المدرسي. بالإضافة إلى ذلك، سيكون عليهن الانتقال في حافلات مدرسية منفصلة مع مرشدات. كما تستعد الحكومة لفرض حظر على استخدام الهواتف الجوالة في المدارس.

ولكن مقاطعة بونديشيري الاتحادية ليست محافظة مثل ولايات راجاستان وهاريانا وأوتار براديش، حيث تطالب المجالس القروية المحلية بالقيود. لذلك واجه القرار رفض كثير من جماعات حقوق المرأة. فصرحت سودها ساندارار أمان الأمين العام لجمعية «كل النساء الديمقراطيات» في الهند بأنه من المؤسف ألا تعرف الحكومة عدم علاقة الملابس بالجريمة. كما أنها تتجنب حل المشكلة، حيث يجب على الحكومة تأمين السيدات والفتيات. من خلال وضع قانون للزي، يضع المرأة محلا للمساءلة إذا تعرضت للجريمة.

وفي حين رحبت الأمين العام بفكرة تخصيص حافلات للطالبات، إلا أنها أضافت أن الفصل بين الجنسين لن يحل المشكلة.

في الوقت الذي يشتعل فيه غضب غير مسبوق بسبب ارتفاع معدل حوادث الاغتصاب، يستمر القادة السياسيون في الهند في إطلاق تصريحاتهم التي تثير مزيدا من مشاعر الغضب والاستياء.

صرح أبو عزمي، عضو المجلس التشريعي من ولاية ماهاراشترا قائلا: «لا يجب على المرأة الخروج من دون رجل من أقاربها. لماذا تتجول ليلا مع رجل ليس من أقاربها؟ يجب أن يتوقف ذلك.» وأضاف عزمي: «تقع مثل هذه الحوادث (حادثة الاغتصاب الجماعي في نيودلهي) بسبب تأثير الثقافة الغربية، إذ تجذب من ترتدي ملابس كاشفة نظر الرجال».

ورغم مقاطعة المحامين في نيودلهي الدفاع عن المتهمين في قضية الاغتصاب الجماعي، إلا أن محامي المتهمين الثلاثة ألقى باللوم على ضحية الحادث قائلا: «إن السيدات (المحترمات) في الهند لا يتعرضن للاغتصاب».

تعكس مثل هذه الآراء التوترات الثقافية والاجتماعية التي أسفرت عنها التغييرات الاقتصادية التي تسارعت وتيرتها في الهند في العقود الأخيرة. وكتبت الصحافية والمذيعة ساغاريكا غوس: «كما أصابنا الحادث بالصدمة، كذلك كانت الأصوات التي انطلقت بعده. ما زالت النزعة الذكورية حاضرة بقوة بل هي أصعب من ذي قبل».