شبح غريس كيلي يظهر في شارع باريسي

نيكول كيدمان استكملت مشاهدها في فيلم فرنسي عن أميرة موناكو الراحلة

الممثلة الأسترالية نيكول كيدمان في المشاهد الأولى من الفيلم و غريس كيلي مع كاري غرانت في مشهد من فيلم «أن تمسك لصا»
TT

المشهد الخارجي: حواجز الشرطة تقطع حركة المرور بين ساحتي الأوبرا وفاندوم، وسط باريس. حشد من المصورين والمارة أمام متجر «كارتييه» العريق في شارع «لابيه»، وسائق يفتح باب السيارة لسيدة شقراء فارعة ترتدي قبعة قرمزية، تمد ساقيها بأناقة خارج السيارة وتنزل بخفة لتخطو ثلاث خطوات على الرصيف ثم تختفي داخل المحل الشهير للمجوهرات. من هي؟ يتساءل الفضوليون؟ إنها غريس أميرة موناكو. لكن الأميرة رحلت عن هذه الدنيا قبل 30 سنة.

المشهد الداخلي: المخرج الفرنسي أوليفييه دهان يشرف على استكمال لقطات الدخول إلى المتجر، حيث يقف مدير المتجر ومساعداته في استقبال الأميرة. إنها ليست غريس كيلي، نجمة هوليوود التي هام بها أمير موناكو السابق، رينيه، أواسط خمسينات القرن الماضي، بل ممثلة شقراء أخرى تقوم بتقمص شخصيتها على الشاشة ولا تقل عنها بريقاً: نيكول كيدمان. أي تحد تخوضه الممثلة الأسترالية الأصل وهي تندس تحت ملامح امرأة كانت تفوقها جمالا ورفعة؟

بدأ تصوير فيلم «غريس أميرة موناكو» قبل أيام في باريس. وهو لن ينزل إلى الشاشات قبل العام المقبل. لكنه ليس سيرة كاملة، بل يتوقف عند فترة معينة من حياة النجمة التي خلفت وراءها أمجاد هوليوود ولحقت بدليل القلب الذي توجها أميرة لإمارة أوروبية في حجم الكف، مزروعة فوق الصخور بين فرنسا وإيطاليا، على الضفة الشمالية للمتوسط. إنها وقائع حياة غريس خلال 6 أشهر فحسب من عام 1962. لذلك جاء المخرج بأكثر من 130 «كومبارس يرتدون ثياب الستينيات» وبسيارات وحافلة للنقل العام من طراز تلك الفترة، لـ«تأثيث» مشهد التصوير الخارجي في باريس. إنه ليس أول مشاهد الفيلم الذي بدأ دهان العمل فيه منذ الصيف الماضي وصور مشاهد كثيرة في موناكو وبلجيكا قبل أن يختم التصوير في إيطاليا. لقد أصبح مخرجاً ذا سمعة عالمية منذ أن نقل حياة المغنية إديت بياف إلى الشاشة في فيلم لقي نجاحا كبيرا وجاء لممثلته الفرنسية ماريون كوتيار بتمثال «الأوسكار» الأسود المرموق.

ماذا حدث في ذلك العام؟ إنها فترة حرجة من تاريخ الأميرة، حين سعى صديقها المخرج الأميركي الكبير ألفريد هتشكوك، ومن ورائه شركة «مترو غولدن ماير»، لاستعادة غريس كيلي إلى الشاشة لتقوم ببطولة فيلم «مارني» أمام النجم شون كونري (جيمس بوند الأول والأشهر). وقدمت الشركة المنتجة صكا على بياض للأميرة والممثلة المعتزلة التي كانت قد أصبحت أما لولدين، آنذاك، هما كارولين وألبير. وقد رفضت غريس العرض المغري وفضلت عائلتها على السينما، لكنها كانت تتضور شوقاً لمهنتها السابقة وتتمنى لو كانت قادرة على العمل مجددا مع هتشكوك. وللتنفيس عن احتضارها، كانت الأميرة تهرب من موناكو إلى باريس، مع عدد من صديقاتها المقربات، لكي تشتري الغالي من الثياب والمجوهرات، على سبيل التعويض.

استرجع المخرج صور كل شقراوات الشاشة فلم يجد من هي أكثر لياقة بالدور من كيدمان (45 عاماً). ومع قليل من الماكياج والبدلات الرصينة والقبعات، تحولت النجمة الأسترالية إلى نسخة من الأميرة.. نسخة ليست طبق الأصل، لأن الأرستقراطية الطبيعية التي ميزت ملامح غريس كانت عصية على التقليد. هذا ما لاحظته الصحافة منذ تسرب الصور الأولى للتصوير، ومنها تلك المشاهد التي جرت تحت شمس مدينة «مونتون» الفرنسية الجنوبية، قرب موناكو، والتي ارتدت فيها كيدمان بدلة صفراء ضيقة وعوينات شمسية مع وشاح على الرأس منقط بالأخضر. لقد جاءت الأميرة تشتري حاجتها من سوق الخضراوات في المدينة الصغيرة مثل أي ربة بيت أنيقة. لكن رأسها كان مشغولا بأمور أخرى، فقد كانت موناكو تمر بأزمة مالية مع جارتها الكبرى فرنسا ولا بد من رفع مداخيل السياحة والاستثمار العقاري وعائدات المصارف والكازينو. إنها النجمة التي تمثل أفضل إعلان ترويجي للإمارة وعليها تقع مسؤولية اجتذاب رؤوس الأموال الأميركية إلى هذه البقعة الساحرة على البحر.

في حديث لصحيفة «فيغارو» قالت نيكول كيدمان إنها أحبت الدور لأن الفيلم ليس وثائقياً ولا من سيرة حياة كاملة، بل هو يسلط الضوء على الجانب الإنساني الكبير في شخصية الأميرة ويكشف مخاوفها وهشاشتها. لقد تركت مهنتها وهي في قمة المجد وتحولت إلى أم وزوجة لأمير لها مسؤوليات برتوكولية كثيرة. ورغم سعادتها الظاهرة فإن هناك شيئا ما ينقصها وكان يجتذبها دائماً، أن تمثل في الأفلام. لقد كانت تتمنى أن تعود إلى هوليوود لكن واجباتها كانت أقوى من رغباتها.

عادت كيدمان إلى أفلام غريس كيلي واسترجعت مشاهدها واحداً بعد الآخر، كما قرأت أكثر من 10 كتب من أفضل ما صدر عن سيرتها. وأخذت من كل كتاب ملمحا معينا مختلفا عن الآخر وحاولت أن تتوصل إلى حقيقة الشخصية من خلال التناقضات والأقاويل الكثيرة التي دارت حول النجمة ثم الأميرة. ولعل تلك الاختلافات في الرؤية حررت الممثلة التي تؤدي الدور من ضرورة الانضباط وفق وجهة محددة. لقد كان همها أن تعكس صورة امرأة تترك موطنها وعملها وتتزوج من رجل لا تعرفه بشكل كامل. امرأة عاشت تجربتين مختلفتين تماما، وقد وجدت أن مفتاح شخصية غريس يكمن في علاقتها بوالدها أثناء الطفولة، الأب القاسي الذي قال لها بعد فوزها بالأوسكار: «هذه الجائزة تستحقها أختك بيغي لأنني أراها الأفضل». وقد أحبت كيدمان، بشكل خاص، الأفلام الثلاثة التي أدتها غريس كيلي مع هتشكوك، لا سيما «نافذة على الباحة» الذي تؤكد أنها شاهدته 40 مرة، حيث نجح المخرج في إظهار الجانب المثير في الممثلة. وقد كانت نصيحة المخرج لها وهي تستعد لدور غريس ألا تحاول تقليدها، بل إن تتفهم نفسيتها وتؤديها حسب فهمها للشخصية. أما هي فأرادت أن تمضي أبعد من ذلك، أي أن تلتقط روح الأميرة التي فارقت الحياة في حادث سيارة عام 1982.

في الفيلم الجديد، نرى هتشكوك (يقوم بدوره الممثل روجر آشتون غريفثس) يتبادل الحديث مع غريس في مونت كارلو، وهي شطحة من شطحات المخرج الفرنسي دهان لأن هتشكوك لم يضع قدما في إمارة موناكو طيلة حياته. لقد كان في تلك الفترة منشغلا باستكمال فيلم «الطيور» ويستحيل عليه السفر. لكن المشهد استلهم محادثة هاتفية بينه وبين غريس، وهي المحادثة التي عرض فيها عليها بطولة «مارني».

قبل تصوير الفيلم، أرسل دهان السيناريو إلى الأمير ألبير، نجل غريس كيلي، فقرأه وكانت له ملاحظات عليه. لكن كيدمان لم تلتق بالأمير ولا بشقيقتيه كارولين وستيفاني لأنهم كانوا في الخارج أثناء حلولها في موناكو. هل تفادوا لقاء فريق العمل لاعتراضهم على السيناريو؟ إن كيدمان تقول إنها تود أن يعرفوا كم تحترم والدتهم الأميرة غريس وتحبها وتجد قواسم مشتركة بينهما. لقد أوشكت الممثلة الأسترالية أن تتخلى عن السينما وهي في الثانية والعشرين من العمر، أي في أول الطريق، عندما تزوجت من زميلها توم كروز. وقال لها أهلها وأصدقاؤها إن مهنتها ستتلاشى في ظل نجوميته. لكنها أصرت على الاقتران به وتألقت على الشاشة وهي زوجة له، قبل افتراقهما الذي أحزنها كثيراً. لقد كانت مثل غريس، مستعدة للتضحية بالمجد الفني في سبيل الحب.