دروس وبرامج في التربية الرقمية لسلامة الأسرة

لتعليم الأبناء المسؤولية وحمايتهم من سوء استخدام التكنولوجيا

كل هذه الأمور والآثار السلبية لسوء استغلال أجهزة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، أصبحت في حاجة عاجلة إلى نشر برامج ودروس جادة في «التربية الرقمية»
TT

رغم الآفاق الواعدة لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في العصر الرقمي في العديد من المجالات، والتي غيرت وشكلت حياتنا وعلاقاتنا بشكل كبير، سواء مع أنفسنا أو مع الآخرين، فإنها قد قللت من الأنماط المباشرة للاتصالات والمحادثات البشرية، وتسببت في العديد من الآثار السلبية، نتيجة إساءة الكثيرين لاستخدامها.. فهناك حاليا شبكة الإنترنت، والأجهزة والهواتف الذكية الحديثة المزودة بالكاميرات، وجهاز «آي باد»، ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيس بوك»، و«تويتر»، وخدمة الرسائل النصية وغرف الدردشة، و«يوتيوب» وخدمة المحادثة عبر «سكايب»، وتبادل رسائل البريد الإلكتروني، وقد أثرت هذه التكنولوجيات على علاقاتنا الإنسانية وتواصلنا واتصالنا المباشر، ودفعت الأفراد إلى الاقتراب أكثر إلى أجهزة الكومبيوتر والإنترنت والهواتف الجوالة، والابتعاد عن بعضهم البعض.. فمثلا الهواتف الجوالة الذكية التي نحملها في كل مكان، تكون أول شيء بين أيدينا في الصباح وآخر شيء في المساء، واقتصرت أنماط الاتصال على التفاعل والتواصل الإلكتروني، والتي أغلبها تفاعلات ومشاعر سطحية زائفة يتوقع منها القليل ويمكن التخلص منها بسرعة.. فأصبحت تعبيراتنا مقيدة بمجموعة من الأدوات والمنصات الإلكترونية والرسائل النصية، بدلا من الحديث وجها لوجه أو عبر الهاتف، فمئات الملايين من البشر يراجعون صفحاتهم كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي، والمراهقون يرسلون الآلاف من الرسائل النصية كل شهر، ويقضون الساعات يوميا على خدمة «الرسائل النصية» ومواقع التواصل الاجتماعي، و«غرف الدردشة»، ويتوقعون الاستجابة على الفور لكل رسالة نصية، وأصبحت هذه السلوكيات سلوكيات قهرية، أي إجبارية إلزامية ملحة ومتكررة بصورة غير معقولة وغير منطقية، كما أن الكثير من الأطفال والمراهقين لم يعودوا يهتمون بمسألة الخصوصية على شبكة الإنترنت.

وفي الآونة الأخيرة بدأ البعض في إساءة استخدام الحرية المتاحة على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، من خلال نشر معلومات مضللة أو تغريدات مسيئة تتعمد إهانة أو إساءة شخصيات أو مؤسسات في الدولة، من خلال إرسال رسائل تهديد أو تشهير إلكترونية أو تعليقات مسيئة، أو الحصول على معلومات أو صور من أجل ابتزاز الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة تضر بالفرد وبالصالح العام، أو الدخول على المواقع الإلكترونية غير اللائقة وغير الأخلاقية، أو المواقع الإلكترونية التي تتضمن محتويات وتيارات فكرية ضارة تمثل تهديدا للهوية الثقافية.

وفي ظل غياب المسؤولية وعدم وجود عقوبات صارمة ورادعة، وصل الحد لدى بعض ضعاف النفوس إلى استخدام كاميرا الأجهزة والجوالات الذكية الحديثة في التقاط بعض الصور للنساء والفتيات سواء في الأماكن العامة أو المدارس والجامعات، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تؤدي إلى مخاطر ومشاكل لا يحمد عقباها.

كل هذه الأمور والآثار السلبية لسوء استغلال أجهزة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، أصبحت في حاجة عاجلة إلى نشر برامج ودروس جادة في «التربية الرقمية» المتمثلة في ثقافة وآداب التعامل المناسب والأمثل مع مثل هذه التقنيات، من خلال تنظيم محاضرات وندوات وحلقات نقاشية وورش عمل لجميع أفراد المجتمع، وخاصة بين الأطفال والشباب في المدارس والجامعات، تتناول إيجابيات وسلبيات الاتصال وكيفية الاستفادة المثلى من التقنيات الحديثة وآداب التعامل معها، وذلك من حيث حماية والحفاظ على الحياة الخاصة للآخرين، والمسؤولية وحدود حرية الفرد، ومراعاة حقوق الآخرين، والتثبت من صحة المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت، وحقوق الملكية الفكرية، واحترام القوانين، مع ضرورة استخدام هذه الأجهزة والهواتف الذكية الحديثة في إرسال رسائل توعوية للأفراد، لاستخدامها الأمثل، وتجنب استخدامها في إيذاء وتتبع وانتهاك خصوصية الآخرين والتجسس عليهم، لأن الكثير من جرائم المعلوماتية يتم ارتكابها عن جهل بالقواعد والنظم أو تتم من دون قصد الإساءة، وذلك للاستخدام الخاطئ لأجهزة الاتصال الحديثة، فالكثير من الأفراد قد لا يقومون بالاطلاع الكافي على ما ستقدمه البرامج والتطبيقات المختلفة بالأجهزة والهواتف الذكية من خدمات، وتكون المفاجأة أن هذه التطبيقات والبرامج قد تتوغل أكثر في خصوصياته، وتصبح متاحة على الإنترنت.

ولتحقيق هذه الأهداف، ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح «المواطنة الرقمية» (Digital Citizenship) كمفهوم حديث في التربية الرقمية، يهدف إلى إيجاد الأساليب والطرق والبرامج والأنظمة المثلى لتوجيه وحماية جميع مستخدمي التكنولوجيا، وخصوصا الأطفال والمراهقين، وذلك بتحديد، من البداية، الأمور الصحيحة والخاطئة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، لتشكل جدار حماية لجميع الأفراد، وخاصة أن التحكم فيما يطلع عليه الأطفال والمراهقون على الإنترنت وأجهزة الهواتف الجوالة قد أصبح أمرا مستحيلا عمليا.. وذلك سوف يؤدي إلى خلق المواطن الرقمي الذي يحب وطنه ويسعى ويفكر لخدمته ومصلحته وحمايته، فهو يستخدم التكنولوجيا الحديثة بصورة أمثل، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، لخدمة وحماية مجتمعه ووطنه بعيدا عن الإساءة والتشهير بالآخرين.. فالمواطنة الرقمية هي قواعد السلوك المناسبة والمسؤولة المتعلقة باستخدام التكنولوجيا، وتشمل محو الأمية الرقمية وأخلاقيات التعامل وآداب السلوك والسلامة على الإنترنت، والقواعد المنظمة، والحقوق، والمسؤوليات، وغيرها من الأمور المتعلقة بالأساليب المثلى لاستخدام التكنولوجيا الحديثة. والمواطنة الرقمية الصالحة تحدث عند الاستخدام الإيجابي الأمثل لأجهزة الكومبيوتر والإنترنت والأجهزة الجوالة، وهذا سوف يعزز بيئة إلكترونية إيجابية أكثر أمنا وسلامة للجميع. وتعد إدارة ومراقبة سلوكيات الفرد على الإنترنت من العناصر المهمة في المواطنة الرقمية الجيدة.. فمع التكنولوجيا الحديثة المتاحة الآن للعديد من الأفراد وخاصة الأطفال والمراهقين، أصبح هناك طلب متزايد لإعداد أبنائنا لاستخدام هذه التكنولوجيا بأمان وبصورة قانونية وأخلاقية في الأنظمة المدرسية والجامعية وفي جميع نظم ومهن المجتمع.

وهناك 9 مواضيع متعلقة بالمواطنة الرقمية، وهي وفقا لما نشر على الموقع الإلكتروني «www.digitalcitizenship.net»: النفاذ أو الوصول الرقمي، أي المشاركة الإلكترونية الكاملة في المجتمع، فالوصول الإلكتروني ينبغي أن يكون متاحا للجميع على قدم المساواة، لخلق الأساس للمواطنة الرقمية، والاستبعاد الرقمي من أي نوع لا يعزز نمو وتطور المستخدمين في المجتمع الإلكتروني. وينبغي أن يتم تعزيز المنظمات والأماكن التي لديها اتصال إلكتروني محدود. وموضوع التجارة الرقمية التي تعني الشراء والبيع الإلكتروني للسلع والمنتجات، وفيها يجب أن يكون مستخدمو التكنولوجيا على فهم وبينة بالتبادلات الشرعية والقانونية والآداب العامة والقضايا المرتبطة بها، والأنشطة التجارية غير القانونية، وكيف يكونون مستهلكين فاعلين في الاقتصاد الرقمي الجديد. وموضوع الاتصالات الرقمية والتي فيها خيارات عديدة مثل البريد الإلكتروني والهواتف الجوالة والرسائل الفورية، والتي أتاحت التواصل مع أي شخص في أي مكان وزمان، ولكن هناك العديد من الأفراد الذين لم يدرسوا كيفية اتخاذ قرارات مناسبة عندما يواجهون العديد من خيارات الاتصالات الرقمية المختلفة. ومن المواضيع التسعة الأخرى المتعلقة بالمواطنة الرقمية، موضوع محو الأمية الرقمية أي تعليم وتعلم التكنولوجيا واستخداماتها، وموضوع الآداب الرقمية، وتشمل المعايير والقواعد الإلكترونية المناسبة والمسؤولة والمنظمة للسلوك، حتى يصبحوا مواطنين رقميين مسؤولين في هذا المجتمع الرقمي الجديد. وموضوع القانون الرقمي أي القوانين الإلكترونية عن الأعمال والأفعال والجرائم الإلكترونية غير المسؤولة وغير الأخلاقية، مثل اختراق معلومات الآخرين وإرسال رسائل غير مرغوب فيها والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية وفيروسات الأجهزة وغيرها. وموضوع الحقوق والمسؤوليات الرقمية، والتي تمتد لتشمل الجميع في العالم الرقمي، حيث يساعد تحديدها على استخدام التكنولوجيا بطريقة مناسبة ومنتجة. وموضوع الصحة الرقمية، ويتناول الصحة الجسمية والنفسية في العصر الرقمي، مثل سلامة العين وإدمان الإنترنت، من حيث دراسة الممارسات الصحية السليمة والمريحة للجسم، ودراسة الأخطار الكامنة وراء التكنولوجيا، وكيفية حماية الفرد جسميا ونفسيا من خلال التعليم والتدريب. وموضوع الأمن الرقمي أو الحماية الذاتية، ويعني الاحتياطات الإلكترونية اللازمة لضمان سلامة الأفراد والمجتمع، مثل الحماية من فيروسات الأجهزة الإلكترونية، وحماية معلوماتنا من أي أخطار وأضرار محتملة، والنسخ الاحتياطي للبيانات لحمايتها من الفقد أو التلف.

وأخيرا.. يبقى القول إن عالمنا العربي أصبح في حاجة عاجلة إلى مبادرات وبرامج مدرسية وجامعية ومجتمعية وإعلامية جادة في التربية والمواطنة الرقمية لحماية أطفالنا وشبابنا، وتعزيز سلامة الأسرة، من الاستخدامات السلبية المتزايدة للتكنولوجيا الحديثة في العصر الرقمي، وخاصة التوعية بالسلامة والأمن الإلكتروني عند استخدام شبكة الإنترنت والهواتف الجوالة.