خيول بيضاء ترقص وتصهل وتطير على أجنحة السريالية

في معرض للفنان البيروفي خوسيه كارلوس راموس في دبي

الفنان راموس (يسار) مع بعض الضيوف في المعرض («الشرق الأوسط»)
TT

نظمت مؤسسة «كونتمبو كوربوريت آرت» أول معرض سريالي عن الخيول بعنوان «خيول الانسجام والأمل: رؤية السريالية في أميركا اللاتينية» للفنان البيروفي خوسيه كارلوس راموس، بالتعاون مع القنصلية العامة لجمهورية بيرو في الإمارات وشـركة «سي أند سي إنترناشيونال آرت ديلارز» في منطقة البوليفارد بجميرا أبراج الإمارات، ودعم هيئة دبي للثقافة. ضم المعرض أكثر من 40 لوحة كبيرة الحجم للخيول و30 من التماثيل الصغيرة للخيول.

نرى في أسماء اللوحات تدفق عناصر الحياة: «قوى حيوية»، و«حقيقة صلبة» و«تحت شجرة الألفة والمودة» و«جولة ليلية» و«تأمل في عزلة» و«حديقة اللون القرنفلي» و«بحث سماوي» و«جولة أحلام» و«شباب شمالي» و«محادثة» و«غصن ذهبي» و«أفق جديد» و«بساطة واسعة» و«وهم عالم مرئي» و«في ضوء الغابة» و«البقاء في الحديقة الذهبية» و«أسبوع سعيد» و«غابة ورد زرقاء» و«حول الشجرة» و«بوصلة وردية» و«دليل الغابة الذهبية» و«الدورادو» و«وقفة ملونة» و«استراحة ذهبية» و«واحة» و«إزالة الظلام» و«زهرة ذهبية» و«شجرة الفيض» و«في انتظار غروب الشمس» و«الفجر» و«غرب». كل هذه العناوين هي مفاتيح تؤدي إلى فهم اللوحات من خلال روحانية خاصة هي أقرب إلى الصوفية، يعبر عنها من خلال رسم الخيول البيضاء في كافة أشكالها وأطوارها غير المتوقعة، وأسفارها فيما بين الأرض والسماء، حاملة بعدا روحيا يجعل المشاهد يخرج من المعرض وهو يغير نظرته للخيول عبر آفاق بعيدة وزوايا نظر جديدة.

يحتفل الفنان راموس بالأساطير والحكايات من خلال الخيول، التي يعطيها أشكالا متنوعة، وهي بين حالات الرقص والطيران والتأمل، إنها الخيول البيضاء السحرية، ولكنها تحمل روحا سريالية تتدفق في ثنايا اللوحات.

وقد ألهبت السريالية أميركا اللاتينية بوصول مؤسسها ورائدها أندريه بريتون إلى المكسيك عام 1939. وسرعان ما أصبحت السريالية حقيقة واقعة، تأخذ أشكالها في المتنوعة في أميركا اللاتينية، وتحولت إلى حلم يراود أذهان الفنانين.

تتميز لوحات راموس بأنها تعبر عن انسجام الألوان، والأشكال في لغة متناسقة، موسيقية، حيث يقنعنا بأن خيوله البيضاء قادرة على الطيران من دون أجنحة. إنها ترحل من مكان إلى آخر، وتجتمع سويا، وتؤدي رقصات رقيقة، تعبر عن الحب والكلام والضحك. إنها تغني الموسيقى بصمت ناعم، لكي تقطع المفاهيم السائدة عن هذا الحيوان الملازم للأرض، الذي يركض ويَخِب قاطعا المسافات.

يقوم الرسام بنقل هذا الحيوان الملائكي والمثيولوجي مع حياتنا الاجتماعية، إنها رسالة من الانسجام الكوني الذي ينقلنا إلى عوالم لا علاقة لها بالمنطق، لكن لها علاقة بالقلب والعاطفة. فقد استطاع الفنان راموس أن يخلق عالمه الخاص به، وهو عالم غني بالأحلام. وحين يبدأ بالرسم، يبدو وكأنه لا يريد أن يتوقف، بل يريد أن يطير مع خيوله، في تدفق شعري هائل، على قماش لوحاته.

يتعامل الفنان مع الضوء والعتمة، النهار والليل، في ألوان متوازنة، كثيفة على اللوحة، كأنها تتكون من طبقات متراكمة، لكي يعبر عن أحلامه السريالية، جامعاً في لوحاته ذاكرة القصص المنسية، التي يستخرجها من أنفاق التاريخ، ويبعثها في عصرنا. إنها خيول آتية من السماء، كما يعنون لوحاته، وتمتلك قدرات خارقة. إنه يعطينا رؤية عن السريالية السحرية لأميركا اللاتينية، صورة بصرية، قلما طرحها فنان بهذه الطريقة الفريدة.

راموس يجمع في لوحاته عناصر كثيرة، وهي: الشجاعة، والصبر، والأمل، والسلام، والإرادة، والإيمان، والتفاؤل، والانسجام، والحب والمعرفة من خلال الخيول البيضاء التي يرسمها، التي تحمل روح الإنسان في التخاطب مع الكائنات الأخرى. وهو يقول: «إن هذه الأرض تغذت بهذه العناصر، التي وصلت إلى مثالها وعاشت بسعادة. وإن قائد هذه الأرض، التي هي جزء من الجنة، أصدر أوامره إلى شعبه بأن يحمي هذه الكائنات الجميلة، ويغذيها من السماء لكي يحتفظ بجمالها وقوتها. وعندما تم إهمالها ازدادت الأمراض والكوارث، ثم أدرك قائد هذه الأرض بأن السبب في ذلك يعود إلى غياب هذه الخيول من حياتهم». هكذا يروي القصة والحكاية.

وكما يؤكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: إن «الخيول وما يحيط بها هي كل ما تحتاجه البشرية لكي تعيش بهناء وسلام وهدوء وانسجام، وأنا سعيد أن أقدم لوحاتي في بلد عربي مثل الإمارات يشارك الناس حبهم للخيول».

ولعل من مميزات هذا الفنان المبدع أنه مزج بين تقاليد الفن الأوروبي وبين التراث البيروفي المحلي، وهذا ما أنتج أسلوبا خاصا، يمتد إلى جذور الفضاء الملون للمناظر الطبيعية التي تعود إلى بدايات عصر النهضة والعصر الباروكي. جذبت أعماله متحف الفن الحديث في نيويورك في الستينات. وفي السبعينات، توجه الفنان راموس نحو الفن الفلكلوري البيروفي أثناء إقامته في العاصمة ليما، وطور من أسلوبه. وفي عام 1976 طرح في أعماله ما أطلق عليه «الفن الفولكلوري» في متحف ليما الفني، ومنذ ذلك الحين، استضافته غاليريهات العالم ومتاحفها في كل من كولومبيا والبرازيل وكوبا وبورتوريكو وبنما واليابان وإسبانيا وسويسرا ويوغسلافيا السابقة والولايات المتحدة.

لقد أثرت دراسته للفن الياباني والفن الفلكلوري في بيرو على إبداعه. نرى تأثير المناظر الطبيعية والأشجار المنسقة من تأثيرات الفن الياباني. وبدأ ينتج إبداعاته المتأثرة بالبيئة البيروفية، وخاصة الألوان الباذخة والأسلوب الشرقي.

لقد طور الرسام راموس لغته السريالية لكي يعبر عن موضات إنسانية كثيرة من خلال رسم الخيول، انطلاقاً من لاوعيه. وخيوله لا تطير فحسب. بل إنها تتخاطب مع بعضها البعض كما يتخاطب البشر، تبتسم وترقص، تتأمل وتتحادث، تطير وترقص حول القمر من دون أجنحة. ويصور غابات الأمازون بألوان بهيجة لامعة ومضيئة. وهو يستخدم أوراق الذهب والفضة ليضيف إشعاعا سحرياً على لوحاته الزيتية. وهنا يدعو الفنان المشاهد أن يتجاوز العقل والمنطق والحقيقة ويصبح جزءاً من انسجام الكون. ويتحول الخيال بين أصابع الرسام إلى شيء حقيقي. وكل حصان له اسمه، بل هو يخلق قصة حوله، بل يروي القصص والحكايات عبر الخيول كما في لوحة «البساطة الواسعة» حيث يوضح بأن تسع خيول تتبع حصاناً وهو قائدهم الذي يقود الحياة. وكذلك في لوحة «واحة» حصانان ينحنيان لشرب الماء من الينبوع، والقمر يطل عليهما من السماء المظلمة، والنجوم تنعكس في الماء.

يضيف الفنان إلى رسوماته، تماثيل صغيرة للخيول، تتكون من ثلاث مجاميع تحتوي كل منها على عشرة تماثيل صغيرة. أحد المجموعات مطلية بالذهب والأخرى بالفضة، والثالثة بالأكليريك الأسود. وكل حصان يظهر مختلفاً عن الآخر، في وضعيات سريالية مثل رسوماته.