أسرار عالم الطهي الملكي الهندي في كتاب جديد

مجموعة من الوصفات تزخر بها مختلف الثقافات

قاعة الطعام في قصر مهراجا حيدر آباد.. وفي الإطار غلاف الكتاب
TT

العلاقة التي تربط العائلات المالكة بالطعام علاقة طويلة تمتد إلى قرون مضت. لقد كان أفراد العائلات المالكة خبراء في الطعام. وكان لكل منزل ملكي وصفات متوارثة تعد من الأسرار العائلية التي تورث من جيل إلى جيل. وكان هناك أيضا طهاة مدربون على إعداد تلك الوصفات. وكان كل طاه يتخصص بعمل طبق بعينه. واحتفظت العائلات المالكة السابقة بأسرار الطهي داخل جدران مطابخهم فلم تبارحها مثل كنوز متوارثة.

مع ذلك، أفصحت أكثر من عشر أسر ملكية هندية عن تقاليدها في الطهي ووصفاتها للصحافية والكاتبة نيها براسادا، التي دونتها في كتاب بعنوان (Dining with Maharajas) «تناول الطعام مع المهراجات» الذي يصطحب القارئ في رحلة داخل المطابخ التي تشبه قدس الأقداس في المعابد، التي قدمت في الأزمان الغابرة مجموعة مذهلة من الوصفات التي تزخر بها الثقافات التي تختلف باختلاف المنطقة. ويستعرض الكتاب مجموعة متنوعة من مطابخ العائلات المالكة، التي تتفرد كل منها بهوية خاصة بها. ويقدم الكتاب من خلال نحو مائة وصفة لمحة عن تلك المطابخ، التي حمل كل منها للهند نكهات مختلفة. بعض هذه الوصفات السرية لم تنشر من قبل.

ويعرض الكتاب السميك ذو الغلاف الأرجواني المخملي، نوادر وطرائف وقصصا لقصور حيدر آباد وجامو وكشمير وأودة وتريبورا وأودايبور وجودبور ومحمد آباد وميسور وباتيالا ورامبور وسايلانا. ويزخر الكتاب بصور رائعة لقصور، ويستعرض حياة تلك القصور، والطعام، والتحف التي تكون معا تراثا ثريا، مما يجعل الكتاب عملا فنيا وإضافة غالية إلى مكتبة المرء.

في هذا الدليل الفريد في عالم الطعام والطهي، تتشارك العائلات المالكة الحكايا والنوادر عن الأجداد وطرق الطهي المميزة الفريدة، ويظهر شكل من أشكال الفن الذي تم الحفاظ عليه جيدا. ويقول راندير سينغ، حفيد العائلة الثامنة وهي عائلة بوبايندر سينغ من ولاية باتيالا: «ولا يزال أكثر أفراد العائلة يقضون أمسياتهم في طهي الوجبات الغنية. وتستخدم العائلة ما يتراوح بين 60 و70 كيلوغراما من الزبد شهريا». وعندما سافر جده المهراجا بوبايندر سينغ إلى لندن، شغل طابقا كاملا من فندق «سافوي» حتى يتسع للطهاة ولزوجاته وأكل قرص من «الأومليت» مكون من 24 بيضة. وقام فندق «سافوي» بتغيير ورق الحائط في الطابق إلى اللون الزهري لأنه كان يحب هذا اللون. وكان للمهراجا سينغ مخبز منفصل وكان يحب المطبخ الفرنسي.

وتكشف النوادر والقصص التي نجدها في الكتاب الكثير، فمثلا عندما نفى البريطانيون موتي لال نهرو، والد أول رئيس وزراء هندي، جواهر لال نهرو، إلى الله آباد، كان محمد أمير أحمد خان، من العائلة المالكة لمدينة محمود آباد، يرسل إليه البرياني ليستعين بها على أيام سجنه.

وكل يوم كان يتم طهي أي وجبة لنواب سوجا دوالا، حاكم أودة، وزوجته في ستة مطابخ مختلفة، وتصل التكلفة الشهرية إلى 60 ألف روبية. ولا يشمل هذا المبلغ أجر الطهاة. وينقل الكتاب قول شيزادي ناغات أبيدي، من الأسرة المالكة لولاية لكناو، إن الوصفات لم تعد قاصرة على مطابخ القصور. وأوضحت كما جاء في الكتاب: «الغني والفقير يحب طبق (التار غوشت) (لحم الخراف المخفوق) الذي يقدم بعد حفل الزفاف». وقالت: «إنه طبق مكون إما من لحم الضأن الصغير أو اللحم الجاموسي المطهو على نار هادئة مع بعض البهارات من الزنجبيل والفلفل ويقدم مع صوص التمر الهندي».

لقد اعتاد الأمراء تناول طعام عامة الشعب، كما كانوا يتركون للطهاة حرية اختراع أصناف شهية تتسم بالبذخ مثل طبق «كوندانا كاليا» الذي اخترعه مهراجا في محمد آباد. ويتكون هذا الطبق من لحم الضأن بالكاري والكاجو وعطر الزهور.

وكان حكام حيدر آباد يتعاملون مع الطهي باعتباره إحدى متع الحياة، فقد اعتادوا تناول الطعام على مائدة طولها 108 أقدام تكفي لجلوس 101 شخص في القصر المكسو بالرخام الإيطالي. وكان البند المخصص للبيض وحده في الميزانية قيمته مليونا روبية خلال ثلاثينات القرن العشرين.

لقد كانوا يعيشون حياة الملوك والأمراء. واصطحبت أميرة كوتش بيهار، أنديرا ديفي، الطاهي الخاص بها إلى «ألفريدوز» في روما حتى يستطيع طهي المعكرونة كما يطهونها في مطعمها الإيطالي المفضل. واشترى المهراجا غانغا سينغ، حاكم بيكانر، ملاعق من الفضة صنعت خصيصا لأصحاب الشوارب حتى يستطيعوا الاستمتاع بطعم الحساء من دون إزعاج. ويعد أهم إنجاز حققته مؤلفة الكتاب هو إقناع دكتور كاران سينغ، حفيد العائلة المالكة بجامو وكشمير الذي قضى حياته غير عابئ بنسبه، بالحديث عن الطعام الملكي. ورغم أن كاران سينغ لا يحب الطعام، يتحدث بعشق عن أبيه المهراجا هاري سينغ، آخر ملوك عائلة دوغرا، الذي يعرف باهتمامه بتفاصيل طعامه إلى الحد الذي قد يجعله يسافر بعيدا من أجل تذوق وصفات شهيرة. وكذلك، كان يشتهر بمهاراته في الطهي. ويكشف كاران سينغ عن أن والده كان يذهب إلى فرنسا فقط لتناول المحار في «برونيرز» أو البط في «تور دارجون». وعلى الطاولة أسفل الثريا الكريستال، تمتد صنوف طعام غير عادية.

كان هناك طاه في فترة حكم نواب ناصر الدين حيدر في لكناو كان بإمكانه جعل «الكيتشيدي» (العصيدة) المعدة من اللوز تبدو كما لو كانت معدة من الأرز.

يبدو طبق كورما آخر متخف في صورة تجعله يبدو مثل المربى. يعرض لنا هذا الكتاب بأسلوب رائع، وإن كان مثيرا للاشمئزاز في بعض المواضع، تفاصيل ما ظن هؤلاء الرفاق أنه يمثل وجبة مغذية. كانت الوجبة اليومية التي يتناولها نواب من أودة تطهى في ستة مطابخ مختلفة.

وهكذا.

ولا يزخر الكتاب فقط بوصفات لأطعمة، وإنما أيضا بنوادر على لسان أفراد من نسل العائلات «المالكة». بالطبع، كان هناك راجا سايلانا في ولاية مادهيا براديش بوسط الهند الذي جمع وصفات من «أفراد آخرين ينتمون للأسرة المالكة» متعهدا بأن تبقى سرية - حتى عن بناته، اللائي سيتزوجن وقد يحملنها إلى أسر أزواجهن.

وهناك نواب رامبور الذي صعد ببقرة لعدة طوابق بحيث تكون أول شيء يتسنى لضيفه، أحد أفراد الأسرة المالكة في بيناريس، رؤيته في الصباح، مثلما اعتاد، وكان حسن الضيافة يطلب منه ذلك.

كان المهراجات فخورين بمطبخهم وكان لطعامهم مذاق مميز. وهذا أمر تتفق معه لا سيما علام خان، التي كانت من قبل من أفراد الأسرة المالكة والتي تقول: «تتمثل الخدعة في كيفية قيامنا بإعداد طعامنا، الذي كان سرا مصانا. قدم منزلنا أفضل أطباق البرياني والكباب والباذنجان المحمر».

يكشف فصل «تريبورا» الكثير على وجه الخصوص، نظرا لأن ثمة قدرا قليلا نسبيا من المعلومات المعروفة عن المنزل. كانت تطهى أربعة أنواع من الطعام (من البنغال وشمال الهند وأوروبا وتريبورا) للعشاء كل ليلة، وكان طاهي الحلويات عبقريا، ولكن فقط حينما يكون في حالة سكر حتى الثمالة.

لذلك، ففي كل مرة كان يطلب فيها إعداد نوع خاص من الحلويات، كانوا يرسلون له زجاجة في المطبخ ليكون في حالة مزاجية جيدة. ينظر براديوت بيكرام ديب بورمان، البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاما، وهو السليل رقم 185 لعائلة مانيكيا المالكة، لأفراد عائلته بوصفهم «أوصياء على الأرض»، لا أسرة مالكة.

بعد قراءة هذا الكتاب، من المستحيل ألا نندهش من الدور الذي لعبته الملكات والسيدات رفيعات المقام في العملية برمتها، وكيف أدار رؤساء المطابخ سلسلة الإمداد. أعني من يقرر ماهية الطعام الذي سيتناولونه هذا اليوم ومتى؛ وما الأسلوب الذي كان ينتهجونه في ذلك؟

إن أكبر موطن قوة في كتابات نيها براسادا وصور أشيما نارين، هو أنها تسلط الضوء على جزء من الهند بدأ يندثر بالفعل، بأسلوب بديع.

والسؤال المهم هو بعد تناول كل تلك الدهون واللحوم والكربوهيدرات والتوابل، كيف كانوا يهضمونها؟