بيروت تحتضن الدراما السورية.. وأهلها ليسوا بمستوطنين ولا بنازحين

الهجرة الفنية تتواصل ولا شيء يوحي بتوقفها

«نيران صديقة»
TT

على مبدأ «مجبر أخاك لا بطل»، دفعت الأحداث الدامية في سوريا الدراما إلى حزم حقائبها وإلى أن تحط رحالها في لبنان البلد الأقرب إليها جغرافيا وثقافيا، فقد فتحت بيروت «ست الدنيا» ذراعيها لأشقائها المخرجين السوريين من الذين قرروا أن يحملوا أعمالهم إلى بر الأمان ويبدأ الشهر الحالي تصوير مسلسلين سوريين في لبنان ليلتحقا بالموسم الرمضاني المقبل.

فإلى بيروت لجأ الكثير من المثقفين السوريين أمثال الكاتب والمترجم سعيد محمود، والممثلة سلافة معمار، والممثل عبد الهادي الصباغ، والممثل والمخرج سيف الدين السبيعي.. وإن كان بعضهم ينشد الهدوء ولا يتحرك باتجاه أي نشاط ثقافي أو فني بعدما كانت دمشق مدينة الياسمين تحرك أقلامهم وأعمالهم بأريجها.

لكن في مقابل ذلك، قررت الدراما السورية التي تعد من أهم الصناعات السورية أن تتحدى أزمة البلاد، إذ يتوقع أن يصل عدد الأعمال للموسم الرمضاني لعام 2013 إلى 12 عملا ستصور بجزء ضئيل منها في البلاد، بينما يهاجر القسم الأكبر إلى خارج الحدود بين عمان والقاهرة ودبي وبيروت.

ويتوقع أن تحتضن بيروت عددا لا بأس به من هذه الأعمال، إذ سيحمل المخرج الليث جحو مسلسله «سنعود بعد قليل» إلى بيروت، كما وستكون بيروت على موعد مع تصوير المسلسل الشامي «القنوات»، وسيصور في لبنان المخرج رامي حنا مسلسلا طويلا على غرار «روبي». وفي منطقة البترون الشمالية، سيتم تصوير المسلسل السوري اللبناني «نيران صديقة»، وللاستفادة من الطبيعة القريبة من القرى السورية سيتم تصوير مسلسل آخر لم يعط اسما بعد، تدور أحداثه بين ضيعتين مع رصد علاقات القرويين التي تضفي جوا كوميديا. علما بأن المسلسل من تأليف حازم سليمان، وبطولة مجموعة من فناني سوريا ولبنان.

ويؤكد المؤلف السوري نجيب نصير الذي قدم عددا من المسلسلات التي لاقت نجاحا مشهودا أن أهل الدراما السورية ليسوا بمستوطنين ولا بنازحين، فمعظم إقاماتهم مؤقتة في لبنان، والكثير منهم يبقى لأيام معدودة يؤدي دوره في المسلسلات التي يتم تصويرها حاليا إن في البترون أو في الجنوب اللبناني، ومن ثم ينتقل إلى الشام كي يؤدي دورا آخر هناك إن للمسلسل ذاته أو لمسلسل آخر.

ومن هؤلاء من وصل إلى لبنان منذ نحو 4 أشهر مع عائلته، ويتحفظ عن ذكر اسمه؛ حيث تجاوزت فاتورة إقامته ما يزيد على الـ100 ألف دولار، ولا يزال ينتظر العودة إلى بلاده.

وحول أسباب هذه الهجرة يوضح نصير أنها «تأتي نتيجة الأحداث الأمنية الجارية في سوريا فقد تعطلت عملية الإنتاج حيث إن الفنان بات يفتقر إلى الأمان في ظل صعوبة في التنقل والمواصلات، فمثلا أصبح من الصعب على الفنانين والفنيين الدخول والخروج إلى أماكن سكنهم في صحنايا وداريا وجديدة وريف دمشق وبالتالي هذا يعيق وصولهم إلى مناطق تصوير المسلسل ما يجعلهم مع بقية المشاركين فيه غير جاهزين لأداء أدوارهم».

فالجو العام غير المستقر لدى المواطنين، وافتقارهم إلى القدرة على التحرك في كل المناطق دفع بالفنان السوري والذي لديه حساسية من أوضاع كهذه إلى التفكير بالخروج من هذه «المعمعة» والتوجه إلى بيروت بالدرجة الأولى.

ويقول نصير إنه يعرف بوجود 30 فنانا سوريا على الأقل في لبنان، في الوقت الحالي، خمسة مخرجين ونحو 20 ممثلا وخمسة كتاب، عازيا أسباب هذه الهجرة إلى «العلاقات الاجتماعية الوثيقة بين البلدين؛ حيث يتمتع لبنان بانفتاح ثقافي مميز على العالم، متمنيا أن يصل السوريون إلى انفتاح مماثل ذات يوم، فالسوري يشعر أنه من نفس الطينة والعجينة».

ووفق نصير، «فإن اللبنانيين لديهم الخبرة لكنهم يفتقرون إلى الأسواق، وعندما يقدم السوريون عملية الإنتاج والتي يحملون سمعة عريقة فيها ويقدم اللبنانيون خبراتهم فإنه بالإمكان تقديم عمل فني مفيد للاثنين معا وهذا سيفتح المجال للبنانيين في المحطات العربية كلها، معتبرا أن كل شيء يتم تحضيره من خلال الكلام لا قيمة له، فالعمل في النهاية هو الحكم لا سيما في عالم الدراما؛ حيث إن عملية الإنتاج ووضع أي خطة كانت يتطلب دفع المال فحتى كاتب الدراما يقبض المال مقابل قراءته نصا معينا».

وفي حال استمر توجه رؤوس الأموال السورية إلى لبنان، فإن اللبنانيين هم المستفيدون بالدرجة الأولى وهذا ما بدأ يحصل اليوم؛ حيث إن بعض المنتجين وشركات الإنتاج بدأ يضخ ملايين الدولارات في هذا المجال.

يتابع نصير: «نحن اليوم نشهد استئنافا للتعاون السوري اللبناني في عالم الدراما، وما يحصل حاليا يمكن وصفه بالبيزنس، لأن ما يهمنا أن نجد الشخص المناسب للمكان المناسب فعندما تتوفر الخبرات يمكن لنا أن نوفر في المال، أولا يقال: أن الفهيم يرتاح ويريح؟» بدوره يشير الممثل السوري أيهم الآغا إلى أن بيروت عادت وكعادتها نقطة انطلاق للدراما السورية فهي تستهوي معظم الممثلين والممثلات في سوريا كونه سوقا لبنان مشابها لسوق دبي، بدليل أن المسلسلات السورية لا تزال تأخذ مساحة كبيرة على الشاشة اللبنانية.

وعن الصعوبات التي تواجه أهل الدراما السورية في لبنان فيرى الآغا أنها «تتمثل في التأقلم بادئ الأمر والتعرف على الأجواء المحيطة بالمسلسل، خاصة أن المشاركين فيها لا يعرفون بعضهم البعض»، كاشفا عن مشاركته في عمل لبناني – سوري – فلسطيني يحمل اسم «قيامة البنادق» يتم تصوير بعض مشاهده في النبطية جنوب لبنان؛ حيث إن المخرج ومساعده، والمنفذ، والتعاون الفني كلهم سوريون.

وردا على سؤال يقول: «لا أحد يقدم لنا المساعدة هنا، نعتمد على شبكة علاقاتنا وعلى أصدقائنا ونحن نتعامل مع شركات الإنتاج اللبنانية من صديق لصديق، وأنا مرتاح لهذا الأمر لأنه يساعدنا في تنظيم وتسهيل أمورنا لكن في الوقت نفسه له سلبيات».

وانتقالا إلى أسباب اختيار بيروت يؤكد الآغا أن «القرب الجغرافي يلعب دورا أساسيا، فهناك نوع من التطابق والانسجام في البيئة الجغرافية. فالأرياف بين البلدين تشبه بعضها البعض، ولبنان منفتح أكثر على الثقافات فيما لدى السوريين خصوصية أكثر، فحتى الروح نشعر أنها واحدة حتى لو كان هناك بعض الاختلاف في المدن، نبقى نشعر أن الشعبين السوري واللبناني شعب واحد».

يضيف الآغا: «هذا يلعب دور مهما في تسهيل أمورنا، لكنه ليس بالعنصر الجديد فالتعاون السوري اللبناني هو تعاون قديم ومنذ عشرات السنين ويعود إلى فترة الستينات والسبعينات أيام الفنان القدير دريد لحام وغيره». ويختم الآغا: «أتمنى أن نستأنف عمليات التصوير في الشام التي أكن لها حبي الشديد».