شكوى أميركية ضد اللولب «ميرينا» بعد وقف حبوب «ديان» المانعة للحمل في فرنسا

متاعب شركة «باير» الألمانية لا تأتي فرادى

TT

لم تخفت، بعد، ضجة حبوب منع الحمل الألمانية المنتشرة على نطاق واسع بين الفرنسيات، حتى جاءت قضية مخاطر اللولب الألماني الواقي من الحمل لتزيد الطين بلة. فقد قررت الوكالة الفرنسية للأدوية تعليق رخصة بيع حبوب «ديان 35» بعد مهلة مدتها 3 أشهر، بعد شكاوى بأنها ذات أضرار جانبية قد تصل إلى حد السكتة القلبية أو الجلطة الدماغية. وكانت الحبوب التي تنتجها شركة «باير» الألمانية تندرج تحت فئة العلاجات الهرمونية وتوصف، في الأساس، لعلاج حب الشباب لكن جرى تحريف استخدامها، بعد أن اشتهرت كمانع للحمل وتناولتها النساء على هذا الأساس، بناء على وصفات الأطباء. وتشير إحصائية للوكالة إلى أن عدد اللواتي أخذن الحبة بانتظام في فرنسا يصل إلى 300 ألف امرأة.

وجاءت الشكاوى من «ديان 35» بعد الاتهامات التي وجهتها جهات رقابية صحية إلى حبوب مماثلة من الجيلين الثالث والرابع لعقاقير منع الحمل. وجاء في ملاحظات ودراسات جرت على نساء استخدمن تلك الموانع أنهن تعرضن لخطر متزايد لتكوّن نقاط دموية في الشرايين. وقد ربطت الوكالة الصحية بين تناول الحبة التي تنتمي للجيل الأخير من موانع الحمل و4 حالات وفاة حدثت لنساء في فرنسا خلال ربع قرن من ظهورها، أي منذ أن نزلت «ديان 35» إلى الصيدليات في صيف 1987 كعلاج لحب الشباب لا غير. وبناء عليه، تم إخضاع هذا العقار وما يماثله لتحليلات خاصة ومحددة وصدر تقرير بالنتائج وبتوصية بتعليق رخصة بيعه في أسواق فرنسا.

ومنذ نشر الشكوك حول هذه الحبة، انهالت الاتصالات والمراجعات على أطباء وطبيبات أمراض النساء للتأكد من الخبر ولإجراء فحوص للاطمئنان على أن تعاطي «ديان 35» لفترات طويلة لا يشكل خطرا عليهن ولا ينذر بمشكلات صحية. وتأتي موجة القلق بعد الضجة التي أثارها، طوال العام الماضي، عقار آخر مخصص للنساء بالتحديد هو حبوب «ميدياتور» التي توصف للتخفيف من أعراض السكري البسيط في الدم لكن الأطباء توسعوا في وصفها كمساعد على فقدان الوزن لنساء يعانين من السمنة. وما زالت المحاكم تنظر في عشرات الدعاوى التي تقدمت بها نساء وجمعيات تدافع عن حقوق ضحايا الأدوية الضارة، ضد شركة «سيفييه» الفرنسية منتجة هذه الحبوب.

والسؤال الذي يدور حوله الجدل، حاليا، هو: هل كانت الجهات الصحية على علم بالأضرار المحتملة لهذه العقاقير لكنها لم تتدخل لمنعها أو للتوعية الكافية بأعراضها الجانبية؟ وهناك سؤال أكبر وأخطر حول العلاقات الخفية بين شركات الأدوية الكبرى ومسؤولين وأطباء كبار يتلقون منها دعما ماديا لمختبراتهم وأبحاثهم. فمن المعروف أن مليارات الدولارات تدور في صناعة الدواء، كل عام، حالها حال السجائر والمشروبات الكحولية والمخدرات التي تقف وراء الاتجار بها جهات ذات نفوذ واسع وشبكات قوية تتغلغل في مفاصل كثير من الأجهزة الرسمية.

لذلك، فإنه ليس من السهل أن تستسلم مصانع الدواء وتقر بالمخاطر المحتملة لعقاقيرها على مستخدميها، وحجتها هي أنها ترفق كل دواء بتعليمات تتضمن أعراضه الجانبية وقائمة بالمواد التي تدخل في صناعته، بالإضافة إلى شرح واضح للحالات التي يؤخذ أو يمنع فيها. وفيما يخص شركة «باير» فإن ردة فعلها لم تتأخر على القرار الفرنسي بتعليق استخدام «ديان 35»، وأصدرت، قبل يومين، بيانا عبرت فيه عن مفاجأتها بوقف بيع الحبوب. وجاء في البيان أن هذه الحبة تباع في 116 دولة منذ أكثر من 25 عاما لعلاج حب الشباب لدى النساء. ولم يحدث أن سحبت من التداول لأسباب تتعلق بالسلامة، كما لم تطرأ أدلة علمية جديدة تسمح بتغيير النظرة التقييمية لهذا الدواء من حيث فوائده أو مخاطره.

من جهتها، نصحت الوكالة الصحية الفرنسية النساء اللواتي درجن على تناول هذه الحبة بالاستمرار في تعاطيها وعدم القلق والتوجس ووقفها بشكل مفاجئ، بل انتظار زيارتهن المقبلة للطبيب، الذي يقرر لهن علاجا بديلا. وفي الوقت نفسه منعت الأطباء من وصفها للمريضات كعلاج جديد أو كتجديد لوصفة منتهية المفعول. وسيتم سحب كل الكميات الموجودة في المخازن والصيدليات، بعد 3 أشهر.

وكانت وزيرة الصحة ماريسول تورين قد عقدت مؤتمرا صحافيا أعلنت فيه عن إجراءات للتقليل من استخدام الأنواع المتطورة من موانع الحمل، أي تلك التي توصف بأنها من الجيل الثالث والرابع، وذلك بالتنسيق مع دول أوروبية أخرى. كما دعت الوزيرة إلى رقابة أفضل على المريضات ومتابعة حالتهن الصحية عن كثب، طوال فترة استخدام هذه العقاقير.

وجاء في الإحصائيات أن أعداد الفرنسيات اللواتي يستخدمن حبوب منع الحمل بأنواعها الجديدة تصل إلى مليوني امرأة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة سجلت الوكالة الفرنسية للصحة 567 حادثا يتعلق بتعاطي موانع الحمل من مختلف الأنواع، بينها 13 حالة وفاة. وكانت 43 في المائة من الشكاوى من الأعراض الجانبية تتركز على الجيل الثاني من تلك الحبوب، المطروح في الأسواق منذ سبعينات القرن الماضي. وهي النسبة ذاتها من الأعراض الجانبية المتأتية من تعاطي حبوب الجيل الثالث، التي نزلت إلى الأسواق في التسعينات.

وعلى الرغم من التطمينات والنصائح بعدم التهويل من المخاطر، فإن أعمدة الصحف حفلت، طوال الأسبوع الماضي، بالمقابلات والتقارير التي تتحدث عن حالات وفاة لم يعلن عنها، وعن تحذيرات كثيرة لم تلتفت لها الأجهزة الصحية الرسمية التي لم تتدخل لمنع الحبوب أو لردع الأطباء عن تحويلها من دواء لحب الشباب إلى مانع للحمل ترافقه حملات إعلانية قوية ومبرمجة. ثم جاء خبر جديد، أمس، ليزيد من مخاوف النساء، عن شكوى قضائية مرفوعة في الولايات المتحدة ضد شركة «باير» تتهمها بأنها أخفت المخاطر المتعلقة باستخدام اللولب المانع للحمل، الذي تنتجه الشركة وتسوقه تحت اسم «ميرينا». واللولب هو شريط ملتو من البلاستيك أو مواد أخرى يوضع في المهبل لمنع تخصيب البويضات. وقد جاء في الشكوى التي تنظرها محمكة في ولاية فيلادلفيا أن اللولب المذكور يشكل خطرا يفوق منافعه على النساء اللواتي يحملنه في أجسادهن. ويقدر عدد مستخدمات «ميرينا» بمليوني امرأة في أميركا و15 مليونا في العالم. ويتمثل الخطر في إمكانية أن يلتصق اللولب بالجسم ويؤدي لحدوث حالات حمل خارج الرحم. ولا شك أن الشكوى الجديدة تأتي لتزيد من مأزق الشركة الألمانية التي تعتبر الأولى عالميا في تسويق وسائل منع الحمل بمختلف أشكالها.