سد الطائف المنيع.. شاهد على حقبة من التاريخ

«السملقي».. يثير التعجب ويقاوم الاندثار

إحدى اللوحات الإرشادية التي تدل على مكان السد
TT

عندما يقبل الزائر لقرية ثمالة، 18 كلم جنوب محافظة الطائف، يتبادر إلى ذهنه سدها الأثري الشهير باسم «سد السملقي»، والذي يثير التعجب نسبة لضخامة حجارته، وطريقة رصفها فوق بعضها بشكل هندسي غاية في الروعة والجمال. وترتفع حدة الاندهاش لتصل في ذروتها إلى التساؤل حول حجم إنسان تلك الفترة وحجم أجسام القوم الذين بنوه، وكيفية صموده لهذه القرون الطويلة شامخا أمام السيول والأمطار التي تشتهر بها محافظة الطائف.

ويعتبر السد شاهدا على حقبة ماضية من تاريخ الطائف، مواكبا لحضارتها ورقيها في أعمال البناء والزراعة التي اشتهرت بها المحافظة السياحية والزراعية منذ آلاف السنين إلى يومنا هذا.

طارق محمود خان مدير فرع هيئة السياحة بالطائف، أشار إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تولي «سد السملقي» الأثري عناية واهتماما خاصا لأهميته من الناحية التاريخية والأثرية للمحافظة، لافتا إلى أن موقع السد له الكثير من الدلائل واللوحات التوضيحية والتعريفية ابتداء من الطائف وحتى موقعه في بلاد ثمالة.

وأبان مدير سياحة الطائف أن هناك اتفاقا مع العديد من المرشدين السياحيين والشركات المنظمة للسياحة في المملكة، لتحويل السد إلى واحدة من الوجهات المطلوبة سياحيا، وخاصة أن الكثير من سياح منطقة الخليج على وجه الخصوص إلى جانب عدد من الآسيويين والأوروبيين يطلبون معلومات عن السد.

وأضاف: «لذلك هناك تعاون بين الهيئة والأمانة والإمارة في وصول الطرق المسفلتة والإنارة إلى موقع السد، كما أنه يوجد أشخاص من نفس القرية متابعون للموقع ويبلغون عن أي مستجدات في السد».

وأكد طارق خان أن السد بوضعه الحالي وبشكل عام بحالة جيدة، ولا يشكل أي خطورة على القرية القريبة منه أو على بنائه، وقال إن هناك دراسة علمية أثرية مستفيضة وبحثا لإمكانية ترميمه بشكل يتوافق مع مكانته التاريخية، مستبعدا أي ترميم في الوقت الحاضر لعدم الحاجة لذلك.

وبحسب الرواية التاريخية التي يصفها لـ«الشرق الأوسط» عيسى القصير المؤرخ والباحث من مدينة الطائف، فإن سد ثمالة أو ما يعرف بـ«سد السملقي» يقع على طريق مركز ثمالة جنوب الطائف، ويبعد السد عن مدينة الطائف نحو 18 كلم، ويعتبر «سد السملقي» الذي يتوسط وادي الجفن عبارة عن طبقات من القطع الكبير الضخمة بمساحات مختلفة من البناء، ويعد هذا البناء من الأعمال الإنشائية في قرى الطائف من حيث التصميم في بناء السدود المعروفة في الجزيرة العربية.

ويقول القصير إن هناك روايات متواترة منذ القدم على أن هذا السد يعود إلى زمن العمالقة الذين سكنوا الطائف منذ العصور السحيقة، ويقال إنهم من بني هلال واشتهروا بأجساد كبيرة وضخمة.

ويزيد القصير قائلا إن أول من سكن الطائف عبد بن الضخم من قبيلة العمالقة والتي منها بنو هلال الذين أقاموا السد، ثم اندثرت تلك القبيلة وسكنها قبيلة أخرى من العمالقة وهم وج بن عبد الحق، ثم قبيلة بني مهائيل، وقبيلة ثمود، وإياد، وقبيلة عدوان، ثم هوازن وثقيف، واستبعد الباحث القصير الرواية التي تقول إن السد بني في عهد معاوية بن أبي سفيان، أي في العهد الأموي، مؤكدا أن الثابت تاريخيا أن السد له قرابة 2000 عام والقبيلة التي أقامته هي بنو هلال من العمالقة الذين اندثروا مثل كثير من الأمم القديمة.

وأضاف الباحث أن السد كما ذكر في بعض المصادر يعتبر من أضخم السدود مساحة في المنطقة، حيث يبلغ طوله 212 مترا، وعرضه 10.80 متر عند المنتصف، وعند القمة 10 أمتار، وارتفاعه قرابة 11 مترا، ويمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وواجهته الخلفية متدرجة، وقد بني من جدارين حشي ما بينهما بالدبش والجص.

ويستطرد المؤرخ عيسى القصير في وصف القصة التاريخية للسد والمتوارثة منذ قديم الأزل، حيث ذكر أن أحد بني هلال أنشد شعرا بقوله: «يا سد السملقي بنيناك بالعسل والسمن الأزلقي، إن شئت تمطري وإن شئت لا تمطري»، فأرسل الله عز وجل عليه ملكا وضرب السد بالسيف فانشق السد إلى نصفين، فأغرق من كان بهذه القرية من قبيلة بني هلال، ومعنى كلمة «السملق» لغويا أي الأرض المستوية.

من جهته، قال خالد العتيبي مدير الآثار بمتحف قصر شبرا بالطائف، إن الطائف تزخر بمواقع أثرية كثيرة ومنها «سد السملقي»، الذي يعتبر مسارا سياحيا لكثير من محبي المواقع الأثرية القادمين للطائف من خارجها، مرجعا ذلك لوجود الموقع في الكثير من الكتب التاريخية وكذلك وجوده في مطبوعات الهيئة العامة للسياحة والآثار، حيث برز بشكل لافت وأصبح وجهة يخرج لها بشكل أسبوعي تقريبا مع وفود سياحية أجنبية وأحيانا خليجية.

ويرى العتيبي أن ما يميز السد هو طريقة البناء بالصخور الكبيرة وعرض الجدار واستواؤه، وكذلك قد بني على شكل جدارين من المداميك بصخور تتفاوت بين الكبيرة والمتوسطة، وهذان الجداران متوازيان يتوسطهما رديم يسمى الدبش ويظهر استخدام «المونة» في البناء، والواجهة الأمامية وقمة السد تغطيهما طبقة من الجص، ويروي مدير الآثار أنه لا يجزم بتاريخ بناء السد، حيث توجد روايتان أنه بني في عهد العمالقة قبل 2000 عام، ورواية أخرى أنه بني في عهد معاوية مع عدم الجزم بالأخيرة بشكل خاص.

ويروي محمد ضيف الله الثمالي، أحد سكان مركز ثمالة ومن المهتمين بتاريخ السد، أن موقع السد، والقصص التاريخية التي كانت تروى عنه، وضخامة البناء، كل ذلك جعل المكان مقصدا للكثيرين من الزوار والسياح، حيث يستقطب الموقع سياح دول أوروبية ومن دول مجلس التعاون الخليجي، ومن مختلف مناطق المملكة.

وأضاف الثمالي أن السد بشكله الحالي يوحي لمن يأتي للمكان بعظمة أولئك الناس الذين بنوا السد، حيث يتعجب من يشاهد حجارة مرصوفة فوق بعضها ومنها أحجار تتجاوز المترين عرضا وطولا، وقال إن الثابت لديهم أن السد بني في العصر الجاهلي، ومن الروايات التي تواترت على وصف عدد من المهتمين أن هناك نقوشا تدل على أنه بني في العهد الأموي، ولكن لم يرجح ذلك الكثير من المؤرخين والباحثين.

ويصف الثمالي شكل بناء السد بقوله إن «الجزء الأول يتكون من البنيان الذي في الواجهة، والجزء الثاني الردم المدكوك في الوسط، وجزؤه الثالث الجدار الشرقي وهو البنيان المتدرج من الناحية الشرقية والمعاكس للواجهة».

ويروي الثمالي قصة الصخرة الكبيرة التي تتجاوز المترين وتسمى صخرة «الجارية»، حيث يقول إن «هناك رواية تقول إنه عند بناء السد مرت جارية بالرجال تجلب الماء فطلبوا منها صخرة في طريق عودتها وأتت لهم بصخرة كبيرة، مما يدل على أنهم عمالقة حتى النساء»، مبينا أن السد لا يزال يؤدي دوره كسد يصد سيول الأمطار، إلا أن هناك خوفا عليه من الانهيار بسبب طول زمن البناء وعدم ترميمه أو دراسة المخاطر المحتملة عليه، وطالب الثمالي بالمزيد من الاهتمام بالموقع الأثري من الجهات ذات العلاقة.