الجزائرية كنزة فرح تقف على مسرح «الأولمبيا» وتغني للحب

خرجت من أحياء المهاجرين ونالت الأسطوانتين الذهبية والبلاتينية

كنزة فرح تغني في صالة «الأُولمبيا» وسبقتها إليها كوكب الشرق أُم كلثوم في حفلة فريدة قبل 4 عقود، وكذلك وردة الجزائرية
TT

إنه المسرح الذي لا يقف عليه سوى الكبار. ومن العرب ما زالت جدران صالة «الأولمبيا» تردد أصداء حنجرة كوكب الشرق أم كلثوم في حفلة فريدة قبل 4 عقود، وكذلك صوت وردة الجزائرية. كما وقف على هذا المسرح الممثل عادل إمام وفرقته ليقدم «الواد سيد الشغال» في ثمانينات القرن الماضي. فمن هي هذه الشابة الجزائرية الأصل المولودة في بجاية والتي ارتسم اسمها بأنوار النيون على واجهة هذه الصالة العريقة، قبل يومين؟

لا تحمل كنزة فرح في رصيدها سوى 5 سنوات من العمل في الفن، وهي واحدة من أبناء ملايين المهاجرين الذين نشأوا في مدينة مرسيليا، جنوب فرنسا، وداعبت أحلام المجد أجفانهم. لكن كنزة عرفت كيف تجد لنفسها موطئ قدم في الغابة الباريسية الاستعراضية الشاسعة، وأصدرت ألبومها الأول «أوتنتيك» ونجحت في اجتذاب الأضواء إليها. من كان يتوقع أن يحوز عملها الأول الأسطوانة الذهبية؟

اسمها الثاني، فرح، هو اسمها الحقيقي الأول، وهي في الخامسة والعشرين من العمر وتقول إنها جاءت إلى الدنيا وهي ترقص وتغني. ومثل كل البنات، راحت تغني في الحفلات المدرسية والمناسبات العائلية في مرسيليا حتى وقع الاختيار عليها لتكون رمزا للحي الذي تقيم فيه. إن لكل دائرة في المدينة تميمة يتفاءل الأهالي بها وتجلب الحظ في المسابقات، وقد كانت كنزة تميمة الدائرة الخامسة في مرسيليا، تشارك في المنافسة وتفوز رغم أنها لم تكن تملك أغنيات خاصة بها، بعد، بل تستعير من النجمة الكندية سيلين ديون أغنية «حب أو صداقة». وبسرعة، صارت تلقب بـ«سيلين الصغيرة»، الأمر الذي منحها دفعة للمضي إلى أمام وإلى تجربة تأليف أغنياتها الخاصة، مثلما يفعل كبار المغنين والمغنيات في فرنسا. إنها الفترة التي قررت فيها أن تجعل كنزة، الاسم الذي تناديها به والدتها، اسما فنيا لها. لقد شعرت أن الكنز في انتظارها.

تعرفت كنزة على عدد من مغني «الراب» والملحنين وبدأت تعمل معهم. ومرت سنوات كانت تجتهد فيها لتشكيل هويتها الفنية الخاصة واللون المناسب لصوتها وشخصيتها. وكانت تتلقى الكثير من العروض لكنها قررت، في آخر المطاف، أن تتقدم وحيدة ومعتمدة على نفسها وسجلت بضع أغنيات انتشرت بين جيران الحي والشباب المتحدرين من الهجرة، ومن فم إلى أذن ومن هذا إلى ذاك وصل صوتها إلى الأحياء المجاورة وحققت شهرة محلية لا بأس بها. كانت تقدم نوعا من الأغاني التي تعبر عن الأحوال بصدق وتلقى تجاوبا من مستمعيها، أبناء الأحياء الشعبية المتواضعة. وكانت تفرح وهي ترى الفتيات والشبان يحبون صوتها وأسلوبها، وكانت سعادتها وهي تغني لهم أهم من أي شيء. ومن مرسيليا سافر صوت كنزة إلى المدن الجنوبية المجاورة، وكذلك إلى مدن الشمال التي تقطنها جاليات مهاجرة، وكان لا بد أن يحط الصوت في باريس. لقد انتقلت من مجرد مغنية من مطربات الضواحي إلى ظاهرة يستمع لها آلاف المعجبين. وسرعان ما تلقفتها مجموعة إنتاجية وفرت لها إمكانية تسجيل 5 أغنيات خاصة كانت تمهيدا لأسطوانتها الأولى التي تضمنت 18 عنوانا. وكانت هناك أغنيات تعاونت فيها مع فنانين أكثر شهرة، من ملحنين ومغنين أمثال إدير وبيغ علي وسيفيو ولورا لوتشيانو. وقد نجحت الأسطوانة بفضل أغنيات من نوع «نادوني كنزة» و«أنا أناضل» و«رسالة من الجبهة»، بل إن أرقام التوزيع حققت لكنزة أسطوانة ذهبية مزدوجة وأعيد إصدار الألبوم ثانية. كما بدأت المغنية الشابة، في العام نفسه، جولة فنية في كل أرجاء فرنسا.

في ربيع 2008 وقفت كنزة فرح على مسرح «الأولمبيا» لا لتغني بل لتتسلم جائزة أفضل فنانة في مسابقة نظمتها شركة «فيرجن». ولعل عينا أصابتها بسبب ذلك الصعود المثير فوقع لها ما لم يكن في الحسبان. لقد كانت خارجة من استوديو التسجيل عندما صدمتها سيارة مسرعة وهرب سائقها دون أن يتوقف ليسعفها. وهرع محبوها إلى المستشفى عندما قيل لهم إنها بين الحياة والموت، قبل أن يعلن الأطباء أنها تجاوزت مرحلة الخطر. كما أعلن وكيلها أن أسطوانتها الجديدة لن تتأخر، بل سترى النور في الموعد المحدد لها. وفي الشهر التالي صدر ألبومها الثاني «مع القلب» متضمنا 22 أغنية. ورغم محنتها فقد كتبت بعض الصحف أن الحادث مفتعل والهدف منه الدعاية للأسطوانة الجديدة. وخرجت كنزة لتعلن أن سيارة قد صدمتها بالفعل لكن وسائل الإعلام بالغت في التغطية وأن الصدمة لم تكن شديدة.

قامت المغنية بجولة فنية ثانية في فرنسا وغنت في صالة «زينيث» التي تتسع لآلاف المستمعين، ونال الألبوم الثاني الأسطوانة البلاتينية. ولم يعد أحد قادرا على إيقاف انطلاقة البنت البجاوية الآتية من أحياء المهاجرين في مرسيليا. لقد صدر لها ألبومان آخران: «تريزور»، أي ثروة، و«آمور»، أي حب. وقادتها مسيرتها إلى الغناء على مسرح «الأولمبيا» وهي دون الثلاثين من العمر، كما تفتحت أمامها أبواب التمثيل. ورغم النجاح ترددت أنباء على «فيس بوك»، أواخر العام الماضي، بأن كنزة فرح قررت اعتزال الفن بعد مواجهة عنيفة بينها وبين زميلتها الملحنة والمغنية وعازفة البيانو ليا كاستيل، في كواليس حفل جرى في مدينة صغيرة وكانتا مدعوتين للغناء فيه. ولتوضيح الأمر نشرت كنزة على صفحتها الخاصة كلمة تقول فيها إنها صاحبة «قلب أبيض» وقد جاهدت لكي تصل إلى ما وصلت إليه ويشهد الله أنها كانت تتقاسم ما تكسبه مع زملائها، لذلك لم تكن تتصور وجود كل ذلك القدر من الشر والغيرة في الوسط الفني الذي لا تجد أنه المكان المناسب لها. لكن مدير أعمالها سارع إلى التهوين من قرارها، كما كتبت المغنية شريفة لونا على حسابها في «تويتر» تقول إنها كانت شاهدة على ما حدث، وهو ليس أكثر من «شجار عادي من الذي يحدث بين البنات».

بعد أسبوع، سئلت كنزة عن حقيقة اعتزالها فقالت: «من دون الموسيقى فإن حياتي ليست أكثر من غلطة». وأضافت أنها ابتعدت لعدة أيام وانسحبت لتستريح في محيطها العائلي ولتفكر في مسيرتها ومستقبلها. وكانت النتيجة تراجعها عن قرار ترك الغناء.