أوروبا تقرر خفض ضجيج السيارات لحماية الصحة العامة

سمحت به في الهجين والكهربائية لتنبيه المشاة من الحوادث.. وتنفيذه خلال 8 سنوات

البرلمان الأوروبي: يمكن أن يؤدي التعرض المستمر لمستويات مرتفعة من الضجيج المروري إلى أضرار صحية واضطراب في أداء وظائف أعضاء جسم الإنسان
TT

بعد أن وقع وزير النقل الألماني ونظيرته السويسرية في العاصمة برن على اتفاقية للحد من ضوضاء الطيران المنبعثة من مطار زيوريخ والتي تؤثر على سكان الجنوب الألماني العام الماضي. جاء الآن الدور على ضجيج السيارات، حيث أقر البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء مشروع قانون يطالب بخفض ضجيج السيارات في أوروبا لحماية الصحة العامة.

ووفقا للمشروع الذي يتعين التفاوض بشأنه مع حكومات دول الاتحاد الأوروبي قبل إقراره بشكل نهائي، سيتم وضع حدود جديدة للضجيج الذي يمكن للسيارة العادية أن تصدره وكذلك للسيارات الأكبر، ليتم تنفيذ الخفض تدريجيا على مدى ست وثماني سنوات بعد دخوله حيز التطبيق. كما يشمل المشروع خططا لتزويد السيارات الهجين والكهربائية بمولدات ضجيج من أجل تنبيه المشاة عند اقترابها منهم.

وذكر البرلمان الأوروبي في بيان: «يمكن أن يؤدي التعرض المستمر لمستويات مرتفعة من الضجيج المروري إلى أضرار صحية واضطراب في أداء وظائف أعضاء جسم الإنسان، وأن يسهم في الإصابة بأمراض الجهاز الدوري وغيرها». ولكن المشروع لا يشمل أي خفض للضجيج الناجم عن الشاحنات الثقيلة.

وانتقد تحالف أحزاب الخضر في البرلمان الأوروبي نتيجة التصويت ويطالب بضرورة خفض المعدلات المستهدفة للضجيج المقبول. وقالت ستاو هاسي، المتحدثة باسم تحالف الخضر، إن نتيجة التصويت يمكن أن تكون انتصارا لصناعة السيارات المزعجة حيث كثف لوبي الصناعة ضغوطه داخل البرلمان.

ويعاني نحو ثلثي سكان سويسرا بصفة متزايدة ومرضية من الضجيج المتصاعد للسيارات والطائرات والقطارات والشواغل. يؤكد الخبراء أن التعرض للضجيج ساعات كثيرة قد يؤدي إلى المرض، خصوصا في الساعات الليلية التي يهجع فيها الناس للنوم والراحة بعد عناء العمل في النهار.

ويقول هؤلاء الخبراء إن حدة الضجيج الذي ينتزع الإنسان من نومه تقع بحدود 30 ديسيبل (dB)، وإن كل ما زاد على ذلك قد يبعث على القلق والقنوط والصداع، وعلى الحرمان من النوم، إلى مخاطر الانهيار العصبي والنوبات القلبية، إذا دام الوضع زمنا طويلا. فالحرمان من النوم بصفة متكررة وفترات طويلة، كما يقول الخبراء، قد يؤدي إلى الخلل في الإفرازات الهرمونية في الجسم وإلى ارتفاع ضغط الدم، والضرر بالشرايين والنظام العصبي، وما يترتب على ذلك من مضاعفات سلبية معروفة.

لكن الأهم من ذلك هو أن الأبحاث الأخيرة على مضاعفات الضجيج قد أقامت الدليل القاطع، على ما يبدو، على أن جسم الإنسان يتعرض للخلل في الإفرازات الهرمونية والمضاعفات التي تترتب عليه، حتى وإن لم يصحُ الإنسان من نومه بسبب الضجيج.

ويقول الباحثون إن الضجيج الذي يزيد على 30 ديسيبل يترك بصماته على الحالة الصحية للنائم لأنه يحفز الجسم على إفرازات المقاومة إلى الكبت والقنوط، مما ينعكس في معالم القلق وعدم الطمأنة لدى الصحوة من النوم. ولا يوجد أي تقييم علمي دقيق للتكاليف المالية والاجتماعية التي يحدثها الضجيج في البلدان الصناعية الثرية، التي يؤكد الخبراء أنها كبيرة جدا، إذا أخذ المرء بعين الاعتبار جملة التكاليف الصحية والخسائر نتيجة تغيب المرضى عن العمل بسبب الضجيج. وللضوضاء تأثير على وظائف الجسم المختلفة وأهمها الجهاز السمعي.. فمع تقدم التكنولوجيا تعددت مسببات الضوضاء.. من أصوات الخلاط والمكنسة والمكيف وأجهزة التلفاز والمذياع وأصوات مسجلات الصوت وبعض أنواع أجهزة الموسيقى الصاخبة العالية الشدة (مصادر متنوعة موجودة مع الإنسان في المنزل) إلى أصوات السيارات (في الطريق العام) وأجراس الهواتف، وغلق الأبواب والأصوات المتداخلة عن طريق المحادثات الجانبية (في المكاتب) إلى أصوات آلات المصانع والمعامل (أثناء العمل)، وكذلك أصوات الأسلحة عند العسكريين.

كما أن الضوضاء هي من أحد الأسباب الرئيسية في خفض الدافع للأداء والتركيز وتشتيت الانتباه، وسبب في الإزعاج والضيق وهذا يؤثر على العامل القريب من مصادر الضوضاء في شعوره بالتعب والإرهاق السمعي والجسدي، وبالتالي تقل إنتاجية العامل وتسوء مقدرته على العمل.

إن أثر الضوضاء على الأداء تتدخل فيه عوامل كثيرة تؤثر على الأداء الإنساني عامة، ومنها طبيعة العمل، والأصوات الغريبة غير المألوفة، والضوضاء ذات الشدة العالية، فهي تسبب نقصا في مستوى الأداء للمهام الصعبة التي تحتاج إلى تركيز عال. كما أن الضوضاء المتقطعة تسبب التوتر والقلق وتشتت الانتباه مما يقلل الأداء. ويتوقف انخفاض مستوى الأداء على إدراك الفرد للضوضاء وعجزه عن ضبطها.

وكان الدكتور براد باكوس الباحث في معهد الأذن بجامعة لندن كوليدج، قد أجرى دراسة على معظم الألعاب التي تسبب تلفا لسمع الأطفال إذا استخدموها لفترة طويلة أو إذا أمسكوها قرب آذانهم. وفي دراسة بتفويض من مؤسسة أبحاث الصمم بالمملكة المتحدة اختبر باكوس مستويات الضجيج الصادرة من 15 لعبة شعبية لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر و15 عاما.. علما أن الحد الأقصى الذي يسمح به لضجيج ألعاب الأطفال هو 85 ديسيبل (الديسيبل وحدة لقياس شدة الصوت)، لأن التعرض لمدة طويلة لضوضاء أعلى من هذا المستوى قد يسبب تلفا مستديما في السمع. وأصدر 8 من الألعاب متوسط ضجيج تراوح بين 81 و105 ديسيبلات، وأصدرت لعبة نماذج السيارات «لايتننج ماكوين» 82.5 ديسيبل، بينما أصدرت لعبة «ليزر كوماند» معدل ضجيج بلغ 88.6 ديسيبل. لكن حين أمسك على بعد 2.5 سم من الميكروفون، وهي نفس المسافة تقريبا إذا أمسك الطفل اللعبة قرب أذنه، بلغ متوسط الضجيج الصادر عن 14 لعبة بينها أكشن جوبيتر لفايرمان سام وسيارات تومي (سبين أن ساوند) التي يتم التحكم فيها عن بعد، بين 84 و115 ديسيبلا. واللعبة الوحيدة التي كان مستوى الضجيج الصادر عنها أقل من الحد الأقصى المطلوب للأمان كانت هواتف «في تيك» المحمولة للأطفال الرضع. وكانت المسدسات اللعبة الأسوأ، حيث انبعث منها ضجيج بين 120 و140 ديسيبلا حين أمسك بها على مسافة تعادل طول ذراع. ويمكن أن يسبب الضجيج الصادر بمعدل 140 ديسيبلا أو أعلى تلفا فوريا للسمع. وينصح بعدم السماح للأطفال بمسك اللعب التي تصدر ضجيجا قريبا جدا من آذانهم إلى درجة قد تضرها، أو اللعب بها أكثر من ساعة في اليوم، حيث يتوفر معها احتمال فعلي للإصابة بفقد مستديم للسمع.

وفقدان السمع الذي يعاني منه الملايين من الناس، يعد مشكلة حادة، ففي أميركا مثلا ووفقا للمسح الذي أجرته وكالة حماية البيئة، فإن ما يقرب من 3 ملايين من الأميركيين يعانون من فقدان السمع بالتأثير. وهناك نتائج توصل إليها زوزن، برجمان، بليستور وساتي (1962) يشير إلى مدى امتداد هذه المشكلة في الولايات المتحدة الأميركية بالقياس إلى الحضارة الهادئة السودانية.. ففي الحضارة الأخيرة فإن رجلا عمره 70 سنة من إحدى القبائل يتمتع بقدرات سمعية تقارن بتلك التي يتمتع بها شخص أميركي في العشرين من العمر، ولكي يمكن تجنب فقدان السمع بشكل جاد بين العاملين في الصناعة، فإن هيئات العمل في الدول المتقدمة قد حددت قواعد يجب اتباعها وبموجبها يسمح بالعمل لمدة 8 ساعات يوميا عند التعرض للضوضاء ذات العلو (شدة) 90 ديسيبلا، و4 ساعات يوميا عند التعرض لضوضاء قدرها 95 ديسيبلا، وساعتين يوميا عند التعرض لضوضاء قدرها 100 ديسيبل، ونصف ساعة في اليوم عند التعرض لضوضاء قدرها 110 ديسيبلات، وهكذا، ومع ذلك فإن سيارة نقل على بعد 50 قدما تحدث ضوضاء شدتها 95 ديسيبلا. لذلك فإن الأفراد الذين يعيشون بالقرب من شوارع أو مناطق ذات حركة مرور ثقيلة ومزدحمة هم بلا شك يتعرضون لمستويات ضوضائية تعلو كثيرا عن المستويات السابق ذكرها.

أما الشباب دون العشرين فغالبا ما يتعرضون لنوع آخر من مصادر الضوضاء المخربة، ونعني بها الموسيقى العالية الشدة، الموسيقى الصاخبة. وهناك دراسات عدة أجريت أوضحت أن الشباب الذين يوجدون في جو من الموسيقى الصاخبة التي تتراوح شدتها بين 110 و120 ديسيبلا ويستمعون لنغماتها المستمرة من دون توقف لمدة ساعة أو ساعة ونصف الساعة يصابون بفقدان السمع.