معمرة لبنانية تدخل عامها الـ123 وتتهيأ لدخول موسوعة «غينيس»

ميمونة الأمين تروي أحداثا مأساوية من الحرب العالمية الأولى

ميمونة الأمين مع المرعبي خلال الاحتفال بعيد ميلادها الـ122 («الشرق الأوسط»)
TT

تعيش في منطقة حدودية شمال لبنان.. حياتها مفعمة بالبساطة والعفوية.. تتمتع رغم سنيها المتقدمة بروح وقادة، وهي تصف جيل اليوم بجيل «النايلون»: «هذا الجيل كله جيل نايلون حمرة وبودرة وكحل، وأنا العبدة كل الناس تراني اليوم ختيارة».

هي لم تزر الطبيب في حياتها إلا منذ مدة، حين أجرت عملية المياه الزرقاء لعينيها.. همتها وصحتها جيدة جدا، وكذلك تحاليلها المخبرية.. ذاكرتها لا تزال فتية وتتذكر أدق التفاصيل.. لا تسرف كثيرا بالمأكولات الدهنية.

تعتمد على الخضراوات والجبن والألبان والبيض وبعض الطبخات في نظامها الغذائي، الذي يرتكز على الطعام الطبيعي والصحي، فهي لم تحمل السيجارة يوما ولم تدخن النرجيلة قط، وتراها دائمة الحركة في ساحة منزلها ومهتمة بأناقتها وهندامها.

محاطة بأحفادها وبأحفاد أبنائها ومن بينهم أحفاد ابنها حسن البالغ من العمر 82 عاما.. أطفأت المعمرة الحاجة ميمونة الأمين عشية استقبال عام 2013 الشمعة الـ122 من عمرها في بلدتها الدبابية عكار.

«الشرق الأوسط» التقت ميمونة حيث تعيش وابنها حسن داخل منزلها المتواضع جدا، وتحديدا داخل غرفة الجلوس العربية وإلى جانبها مدفأة الحطب التي وضع عليها إبريق الشاي.

وإذ يصف حسن والدته بالمعجزة التي تبدو في صحتها وذاكرتها وكأنها في بداية عمرها، يضيف: «أقبل يديها صباحا ومساء.. حياتها هنية ولم تتعبني في أي شيء، ورغم كبر سني، فإنني ما زلت أعمل كي أؤمن لقمة العيش لهم في ظل أوضاع مادية صعبة، وأنا أدعو الدولة في هذه المناسبة إلى الاهتمام بنا وبوالدتي التي أرجح أن تكون أكبر معمرة في العالم».

المعمرة ميمونة، وبحسب بطاقتها الشخصية من مواليد 1890، ولكنها تؤكد أنها أكبر من ذلك بسنوات، مستذكرة: «عندما تزوجت كنت في العشرينات من العمر وأنا من بلدة فنيدق عكار.. تزوجت من خالد حسن صبحة وسكنت في الدبابية منذ مائة عام».

في دارها المتواضعة، عاشت ميمونة قرنا من حياتها بعد أن حطت فيه عروسا وهي في العشرينات من عمرها.. لم يكن زواجها تقليديا وإنما كان بطريقة الخطيفة وبدافع الحب، وفي ذلك تشرح: «عشت قصة حب جميلة.. زوجي ليس له مثيل في الدنيا كلها، وهو كان من رعاة الغنم، لولا أنني لم أحبه لما كنت تزوجته.. حملته على ظهري وخطفته بعدما تأكدت من حبه لي، لأنه كان خائفا من أهلي، ولا تغيب عن ذاكرتي عبارته آنذاك: (توكلنا على الله)». ومشت ميمونة بحبيبها مسافات طويلة حتى وصلت إلى البلدة، وكان جميل الشكل وأنجبت منه عددا من الأبناء، ثم توفى منذ 38 عاما، وفي تلك الفترة كان شبان من بلدتها يغادرون إلى سفر برلك في تركيا.

شيخوختها لا تخفي تقاسيم العزم والإرادة في وجهها وعينيها.. قضت أياما صعبة وطويلة في أزمان الحرمان والجوع لا سيما إبان الحرب العالمية الأولى.. لكنها لا تزال شخصية صلبة، وتقول مستذكرة: «قضينا أوقاتا طويلة من الفقر، نحمل أمتعتنا على رؤوسنا ونذهب لنغسلها في الوادي، وكنا نقوم بتقطيع الحطب للتدفئة. أما والدي، فقد هرب من التجنيد الإجباري في زمن الأتراك.. حينها كنت صبية.. أصابنا الجوع والغلاء، وراحت النسوة يبعن أقراطهن مقابل حفنة من الطحين، وكان الناس يموتون على حافة الطرق من الجوع».

وردا على سؤال تجيب: «أتمنى الخير للبنان واللبنانيين جميعا بمناسبة حلول العام الجديد، وإن شاء الجميع يكبرون أكثر مني..».

ولا تخفي هذه المعمرة اللبنانية عتبها الكبير على المسؤولين الذين لم يلتفتوا إليها ولم يخصصوا لها أي مساعدات مادية أو غذائية، سائلة: «لماذا وزارة الشؤون الاجتماعية لم تهتم بي؟ ألست أكبر معمرة في لبنان والعالم؟ ولماذا في دول أخرى يهتمون بكبارهم؟».

كما توجهت ميمونة بالدعاء لرئيس مجلس الوزراء السابق سعد الحريري، مترحمة على والده، متمنية عليه أن يهتم بها.

بدوره، يدعو منذر المرعبي (إعلامي لبناني) الذي كان أول من اكتشف هذه الظاهرة النادرة، إلى توفير كل الرعاية والاهتمام والمتابعة لها، بغية الوصول إلى الاعتراف بها بصفتها أكبر معمرة في لبنان والعالم من خلال إدراجها في كتاب «غينيس» للأرقام القياسية، خاصة بعدما توفيت أكبر معمرة في العالم وهي اليابانية كوتو أوكوبو، وذلك عن عمر يناهز 115 عاما في 12 يناير (كانون الثاني) الحالي.

أصداء كبيرة تركها اكتشاف هذه الظاهرة في نفوس اللبنانيين، حيث يغص منزل الأمين وبشكل يومي بالشخصيات والزوار من المناطق اللبنانية كافة، بهدف التعرف ‎عليها‎ ‎والحوار معها‎ ‎عن‎ ‎ماضيها‎ ‎الجميل والاطمئنان عليها، ومنهم من تدفعه حشريته إلى معرفة كل التفاصيل المتعلقة بنمط حياتها اليومية‎، ‎فيما‎ ‎تحرص‎ هي على‎ ‎استقبال‎ ‎الجميع‎ ‎بكل‎ ‎رحابة‎ ‎صدر‎ ‎وكرم‎ ‎ضيافة..‎ ومن بين هذه الشخصيات، التقينا الشيخ ربيع المحمد على رأس وفد من المشايخ مكلف من رئيس دائرة أوقاف عكار الشيخ مالك جديدة، الذي قدم إليها هدايا عينية ومادية باسم الدائرة ورئيسها.

وما هي إلا أيام حتى لاقت قضية الأمين الاهتمام من وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تلقى المرعبي اتصالا من الخبير في مصلحة التخطيط والبحوث في الوزارة جورج أيدا أبلغه فيه اهتمام الوزير وائل أبو فاعور بالمعمرة ميمونة، مؤكدا أن الوزارة ستكرمها قريبا.

وفي الختام، تتطلع ميمونة اليوم إلى رعاية صحية على الأقل، كما تتمنى أداء مناسك العمرة وهي التي استطاعت إلى الحج سبيلا قبل عقود طويلة.

وإشارة إلى أن عكار مشهود لها بالمعمرين، ففي الصيف الماضي توفيت المعمرة الحاجة حلوم الأكومي عن عمر ناهز الـ110 أعوام حسب بطاقة هويتها، وكرمها وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك سليم الصايغ.