حليم الكريم.. شاهد من بغداد في ذكرى غزو العراق

الفنان العراقي: البريطانيات يرسلن أبناءهن لقتل العراقيين وأمي أرسلتني لأجلب لهم الحب من بغداد

حب ابدي وانفصام في الشخصية
TT

أشباح، تصغير وتكبير، واقع وأحلام.. كلها رؤى وآراء تدخل في تكوين التصوير المعدل الذي يقدمه الفنان العراقي حليم الكريم، في أثناء مسيرته الفنية التي تمتد إلى 30 عاما، عرضت أعمال الفنان في أماكن مختلفة مثل دينفر بكولورادو وميلانو بإيطاليا وبيروت بلبنان، في ذلك الوقت كان قد انتقل من موطنه في العراق إلى هولندا وأخيرا إلى الولايات المتحدة، ولكن على الرغم من العناصر المتناقضة المرتبطة بالحالة الإنسانية التي تعبر عنها أعماله، يبدو أن هناك فكرة واحدة لم تفارق ذهنه طوال هذه الرحلة: عكس ويلات الحرب التي علقت في ذاكرته.

قال الكريم لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه قبل افتتاح أول معرض منفرد له في بريطانيا: «لا أشعر بأن هناك أي تغيير في أعمالي على مدار كل هذه الأعوام، لم يتغير موقفي تجاه الحب والحرب منذ عام 1985 أو حتى قبله، كذلك لم يتغير الأسلوب الذي أعبر به عن هذا الموقف». هنا يتحدث الكريم عن أسلوبه المميز الذي يستطيع أن يلاحظه أي شخص معتاد على أعماله: حيث الوجوه الأقرب إلى الأشباح، مبهمة الملامح من دون أي تفاصيل بل مجرد أشكال ناعمة وألوان ضبابية، إذا نظر المشاهد إلى هذه الصور، يجب أن يحدد المسافة التي تفصله عنها كي يركز على ما يشاهده؛ ويلعب الخداع البصري المستخدم في الصور دورا في غموض وجمال كل عمل.

تقول ربى أصفهاني مديرة فنية في مركز آت سبيس لندن، الذي تعرض جدرانه صور الكريم الممتدة من الأرضية إلى السقف: «الطريقة التي يبدع بها أعماله الفنية فريدة، فهو يلتقط الصور بكاميرا 35 مم، ولكن ما بين التقاط الصورة ومعالجة الفيلم، يقوم الكريم بتلوين الصورة السالبة ومسحها ضوئيا وتكبيرها، كما يضيف ستارا حريريا أسود اللون أمام بعض الصور مما يضيف مزيدا من الغطاء، ويعد هذا جزءا مهما في أعماله؛ لأنه يزيل الخط الفاصل بين الواقع والخيال حتى لا تعرف ما الذي تراه».

قال الفنان العراقي، الجالس بالقرب من نافذة المعرض مرتديا ملابس سوداء، بإصرار: «أود أن يأتي الجمهور البريطاني إلى هذا المعرض لمشاهدة أعمالي لكي يعرفوا أنني أقدم لهم الحب بينما يرسلون هم أبناءهم إلى غزو العراق». يؤمن الكريم من خلال صور الحب المحيطة به أن رسالته هي محاربة القبح والخوف الذي رآه في أعوام العنف والاضطرابات في العراق.

تعتبر أعمال الكريم بعيدة كل البعد عن بداياته المتواضعة حيث خاض تجربة مروعة أثناء حرب الخليج الأولى، لجأ الكريم الذي عارض نظام صدام حسين والخدمة العسكرية الإلزامية في عهده إلى الاختباء في الصحراء؛ حيث أمضى نحو ثلاثة أعوام في حفرة تحت الأرض، وكان لهذه الأحداث تأثير كبير على حياته كما شكلت أساس ممارسته الفنية.

يضم معرضه الحالي المقام تحت عنوان «شاهد من بغداد» مجموعة من أعماله التي أنتجها ما بين 1985 و2011. ابتكر الكريم أسلوبا وعملا فنيا لا يقدم وصفا، بل رؤية خفية للواقع غير معترف بها داخل مجتمعه، يقول الكريم: «هناك حقائق خفية في كل مكان، وليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن في أوروبا أيضا، هناك أجندات خفية وقواعد ووحشية خفية في محاولة الحكومة إضفاء شرعية على الحرب من خلال أكاذيب، بالنسبة لي، هذه الصور وسيلة للتعامل مع الوحوش بداخلي، اكتشفت أن الوحوش تعيش داخلي من خلال السياسات المضللة والسياسيين المخادعين».

في ظل سعيه الفني إلى تقريب الفجوة بين الواقع التصويري والخداع البصري، تعكس أعمال الكريم بقوة الرغبة النفسية في الهروب بالإضافة إلى تداعيات أحلامه وتجربته الشخصية في الحب والحرب.

تقدم سلسلة صور «سجناء خفيين» مثالا قويا على تصويره للوجوه المبهمة، يعلق عليها الكريم عائدا إلى ذكرياته قائلا: «اعتدت زيارة أسرتي وأقاربي في سجن أبو غريب في بغداد، وكانوا معتقلين سياسيين، رأيت الخوف في وجوههم وكان واضحا للغاية وكأنه قناعا يغطي الوجوه».

يركز معرضه الحالي المقام في «آرت سبيس» فقط على التعبير عن الحب، جاء الكريم بأعمال تحمل أسماء وموضوعات مثل «إلهة من فلورنسا» و«حريم حسناوات» ليجلب معه الجمال فقط إلى إنجلترا، ويؤكد مرارا أنه هنا لنشر الحب. ويقول: «أريد أن أظهر للشعب البريطاني أن أمي أرسلتني إلى بريطانيا لأريهم الحب، بينما ترسل الأمهات البريطانيات أبناءهن لغزو العراق وقتل العراقيين، جئت لأجلب لهم الحب من بغداد». يحيي معرض «شاهد من بغداد» الذكرى العاشرة لغزو عام 2003 الذي أدى إلى الإطاحة بصدام حسين وحكومته البعثية، يستمر المعرض في جاليري «آرت سبيس» حتى 23 فبراير (شباط).