خريف وشتاء 2013.. فنون من دون جنون

عهد جديد في مسيرة أسبوع لندن.. يحتفي بالعالمية وثقافة النجوم

TT

إنه عهد جديد بالنسبة لأسبوع الموضة، فرئيسته الجديدة هي ناتالي ماسيني، المرأة التي غيرت طريقتنا في التسوق إلى الأبد حين جعلت من التسوق على مواقع الإنترنت متعة تحفها الراحة والأناقة على حد سواء. ماسيني لمن لا يعرفها هي المرأة التي أسست أول موقع للمنتجات الفاخرة «نيت أبورتيه دوت كوم» من مجرد فكرة بسيطة ألحت عليها كامرأة عاملة ليس لديها الوقت الكافي للتسوق من محل إلى آخر، وثغرة في السوق كانت لها الشجاعة في أن تغامر وتعمل على ملئها. وها هي اليوم واحدة من أهم النساء المؤثرات على الموضة في العالم، وغني عن القول: إنها أصبحت مليونيرة بعد أن انضمت إلى مجموعة «ريتشمون» التي اشترت نسبة من أسهم الموقع.

لكل هذا عندما أعلن منذ بضعة أشهر أنها ستتسلم المشغل كرئيسة تنفيذية لأسبوع الموضة البريطانية من رجل الأعمال والمليونير هارولد تيلمان، الرئيس السابق، توقع الكثير منا أنها ستأخذ الأسبوع إلى أماكن جديدة لم يدخلها من قبل، وهذا ما سيتحقق بلا شك. صحيح أن الأسبوع عرف في عهد تيلمان بداية عصره الذهبي، وتقدم بخطوات سريعة متفوقا على أسابيع عالمية أخرى، منها أسبوع نيويورك، إلى أنه ظل في الكثير من الأحيان مركزا على الأسواق الأوروبية والأميركية مع محاولات خجولة لدخول الأسواق النامية مثل الصين. ماسيني في المقابل، لها إلمام أكبر بهذا المجال، وتتمتع بعلاقات جيدة مع مصممين من كل أنحاء العالم بحكم تجربتها السابقة، بالإضافة إلى قدرتها التسويقية الفذة.

وهذا هو الطريق الذي ستسلكه لتأخذ الأسبوع إلى مرحلة جديدة من الانتعاش والازدهار، أو هذا على الأقل ما استشفه الجميع في خطابها الأول كرئيسة وفي اليوم الأول من أسبوع لندن لخريف وشتاء 2013 الذي انطلق صباح يوم أمس الجمعة في «سومرست هاوس» المقر الرئيسي. لم تخف سعادتها أنها تتسلم الأسبوع وهو في كامل عافيته وعنفوانه «فهو ناجح وعالمي بكل المقاييس» حسب قولها. وأضافت: «لقد عدت لتوي من نيويورك، حيث كانت التشكيلات هناك قوية ومنفذة بحرفية عالية وبإمكاننا أن نتعلم الكثير من ستيفن كولب والمصممة دايان فون فورتنسبورغ، رئيسي منظمة الموضة الأميركية. فطريقتهما في التعامل مع صناعة الموضة الأميركية مباشرة وقوية، ومع ذلك فما يثيرني أكثر هو تلك الإثارة والإحساس بأن الآتي أكثر إثارة في لندن». ما تقصده ماسيني أن لندن لا تزال هي مهد الابتكار، وما حصل في السنوات الأخيرة وتحديدا بعد بلوغ الأسبوع الـ25 من عمره، أن ديناميكيته زادت، وأصبح المشرفون عليه، كما المصممون، يفهمون أن الموضة لها عدة أوجه. فهناك الوجه المثير الذي يطل على الحضور بفنونه وجنونه، وهناك وجه عقلاني يتوخى تسويق ما يتم ابتكاره، وإلا ما جدوى أشهر طويلة من الجهد والعمل والسهر. نعم يحمل كل مصمم أن يجذب له الانتباه وأن تتصدر ابتكاراته الصحف والمجلات، لكنه بات أيضا يدرك أنه يجب أن يجذب الزبائن في أرض الواقع ويبيع.

الجانب الجديد، الذي تتزايد أهميته، كما أشارت ماسيني في خطابها هو وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت التي باتت تقرب البعيد، وتدخل جماهير أكبر إلى هذه العروض وهم في عقر بيوتهم، وأينما كانوا في العالم. فالكثير من العروض الآن تبث على مواقع المصممين مباشرة، وهذا ما ساعد على انتشار بعض الأسماء الصاعدة، كما ساعد على تثقيف الناس بالموضة والجديد فيها، عوض الاكتفاء بما تطرحه لهم المجلات. فهذه الأخيرة في غالب الأحيان تغربل العروض، وتركز على مصممين على حساب آخرين، حسب قوتهم الإعلانية. تقول ماسيني»: «لم يكن الزبون العالمي بهذه الثقافة والمعرفة من قبل، كما لم يسبق إن كانت له هذه الرغبة الجامحة في أن يعانق الموضة البريطانية، بالطريقة التي تقترحها عليهم عروض لندن. الجميل أن المصممين هنا، سواء المواهب الصاعدة أو الأسماء الكبيرة في مستوى التحدي وحققوا المطلوب الذي يضمن نجاحهم ونجاح الأسبوع، وما علينا إلا أن نستشهد بحفل توزيع جوائز البافتا الأخير. فقد كان هناك عدد كبير من النجمات اللواتي اخترن أزياء من مصممين بريطانيين، وهو الأمر الذي لم يكن يحصل في السابق. ولا يخفى على أحد أنه إذا أقبلت النجمات على هذه التصاميم، فإن الزبون العادي يقبل عليها أيضا، وهذا ما يجعل محلات العالم والمجلات والصحف الآن يتتبعون الأسبوع باهتمام للتعرف على اتجاهات الموضة، التي تولد في الغالب هنا».

ولا شك أن الكثير من المتابعين والمهتمين يتفقون مع ماسيني أن لندن لا تزال قائدة ورائدة في الكثير من الاتجاهات. ما كان ينقصها من قبل، ليس الابتكار والإبداع، بل القدرة على تسويق أزياء يمكن للمرأة أن ترى نفسها فيها وهو ما تغير في المواسم الماضية، من خلال برامج تثقيفية وجوائز تمنح للمصممين الذين يستوفون شروط الإبداع والتسويق.

لكن المثير والجديد في خطاب ماسيني هو أنها تنوي التركيز على ثقافة النجوم، التي لم تكن من الأولويات في السابق. وهذا يعني أننا سنرى عددا من النجمات في مناسبات مثل الأوسكار بتصاميم ولدت في لندن سواء كانت لإريديم، كريستوفر كاين: «بيربيري»، «مالبوري» أو ماريوس شواب وغيرهم. وهذا يعني أنه إذا لم يفهم المصممون اللعبة من قبل، أو لم يعرفوا كيف يلعبوها، فإن ماسيني ستأخذ بيدهم. وهكذا بعد أكثر من عشرين سنة من التركيز على جنون الفنون، الذي لم يغن من جوع، وترك أسبوع لندن على كف عفريت لسنوات، فإن الآتي سيجعلها تقف في وجه باريس وميلانو، وليس ببعيد أن نرى بعض مصمميها يدخلون مجال الـ«هوت كوتير»، على الأقل بطرح أزياء خاصة بالمناسبات وبكميات محدودة. وتعلق ناتالي ماسيني على هذا بقولها: «لقد توصلنا إلى الوصفة وستكلل بالنجاح، لأننا بكل بساطة نمتلك المواهب، وهذا هو مكمن قوة العاصمة البريطانية منذ البداية.. من الصعب أو المستحيل أن تخلق الموهبة، فهي إما متوفرة أم غير متوفرة، أما باقي اللوجيستيات فمقدور عليها ويمكن تعلمها واكتسابها. وهنا يأتي دورنا. فنحن سنعتمد على هذه المواهب وقدرتهم على الابتكار والإبداع لتقوية الجوانب الأخرى، والأهم أننا سنحتفل بقوتنا وبلندن كعاصمة الابتكار العالمية»..

المصممة الشابة زوي جوردان، هي التي افتتحت الأسبوع على الساعة العاشرة صباحا، من خلال تشكيلة مريحة كانت فيها الألوان الهادئة هي الغالبة مثل الرمادي والأبيض والأسود مع رشات قليلة من البرتقالي. وبحكم دراستها الهندسة وفن المعمار، فإن التأثير كان واضحا ليس في عنوان التشكيلة «أساسات» بل أيضا في التصاميم مثل الأكتاف والخطوط المستقيمة التي اعتمدتها في الفساتين المحددة والمعاطف المقوسة الأكتاف والمفصلة على الجسم. بعد العرض قالت: إنها ألقت بتحية خفيفة لأعمال فنانين معاصرين من إيطاليا كما لفن الباروك، الأمر الذي يفسر مجموعة قليلة من الفساتين الطويلة والـ«تي - شيرتات» المطبوعة بنقوشات أغلبها هندسية.

بعد عرض جوردان كان الموعد مع عرض المصمم التركي الأصل، بورا أكسو، الذي اعتمد بدوره الألوان الحيادية، مثل الرمادي والبيج ولون البشرة، ولم تظهر الألوان القوية إلا في آخر العرض تقريبا حين قدم مجموعة لونتها درجات الفوشيا والتوت والبرقوق. أما التصاميم فتميزت بتفاصيل دقيقة على الجوانب مثل الدانتيل أو الأحجار، وأشكال تستحضر حقبة العشرينات من القرن الماضي، خصوصا في الفساتين التي تتسع من الصدر لتنسدل إلى الركبة. ولأن قوته تكمن في فساتين الكوكتيل، فقد قدم مجموعة متنوعة بأشكال وخامات متنوعة، بما في ذلك الجلد الطبيعي.

في عرض ماركة «فيودور غولان» عاد الثنائي، فيودور بودغورني وغولان فريدمان، إلى ما يتقنانه أكثر، ألا وهو اللعب على القوة والنعومة من خلال التصاميم والألوان والخامات. فامرأتهما، كما يقولان، واثقة لا تخاف أن تظهر جانبها المرهف وجانبها القوي في آن واحد. لكن عندما يكون عنوان التشكيلة هو «بيل دو جور» إشارة إلى الفيلم الذي مثلته كاثرين دونوف ويصور امرأة ارستقراطية تحارب ملل حياتها الزوجية بالعمل كفتاة هوى عندما يتوجه زوجها إلى العمل، فإننا لا بد أن نتوقع إما تصاميم مثيرة أو تصاميم مستوحاة من حقبة أواخر الستينات وأوائل السبعينات التي صدر فيها الفيلم. لكن في صالون السافوي، على بعد خمس دقائق من «سومرست هاوس» المقر الرئيسي للأسبوع، طالعتنا تشكيلة مختلفة عما كان متوقعا باستثناء قطع شفافة تماما عند الصدر تكشف أكثر مما تخفي، لحسن الحظ أنها كانت تعد على أصابع اليد. غير ذلك، تخايلت العارضات في أحذية عالية من تصميم بيوندا كاستانا، وخطوط محددة، لعبت الأقمشة دورا كبيرا في تحديد أشكالها في الأكتاف أو الجوانب. لم تكن هناك فساتين ناعمة مستوحاة من الستينات وغيرها، بل جاءت تضج بالعصرية وتؤكد أسلوب المصممان، بما في ذلك حبهما للخدع البصرية التي يلعبان فيها على السميك والشفاف. وهو أسلوب حضر في فساتين تعانق الجسم على وجه الخصوص.