عبد الرشيد خان عمره 105 أعوام وما زال يمتع جمهوره بموسيقاه

مسلم متدين يؤدي الصلوات الخمس ولا يتناول سوى وجبة واحدة في اليوم

الأسطورة المتميزة والمتفردة في عالم الأصوات الهندية حتى يومنا هذا
TT

إنه يغني منذ قرن، لكن لا يهم العمر بالنسبة للموسيقار أوستاد عبد الرشيد خان، الذي سيبلغ عامه المائة وخمسة خلال شهر أغسطس (آب) المقبل. ورغم أن عمره تجاوز القرن، يبدو أنه متحد لهذه الشيخوخة، حيث لا يزال يمتعنا بأدائه بقوة وشرف وقدرة شاب في مقتبل العمر. ربما يكون مثالا نادرا على الفنان الذي احتفل بعيد ميلاده المائة مع معجبيه ولا يزال يتمتع بالقوة. إن مشاهدة أدائه تجعل المرء يدرك أن الجسد لا يهم فيما يمنحه الفنانون مثله للعالم. وكان خان موسيقيا في بلاط ملوك تشاندابور.

ولد خان عام 1908 لأسرة من الموسيقيين اللامعين وتعلم من جده وأبيه في المنزل، وفضلا عن الموسيقى، كان يتمتع خان بموهبة أخرى وهي مصارعة المعصم. بعد ذلك أعطاه أبوه إنذارا أخيرا، حيث خيره بين مصارعة المعصم والموسيقى. وتلقى التدريب في نظام غواليور غارانا. وغارانا في الموسيقى الهندية الكلاسيكية هو نظام للترتيب الاجتماعي يربط الموسيقيين أو الراقصين بالنسب أو التدريب المهني والالتزام بشكل خاص من الأشكال الموسيقية. ومن أنماط هذا الفن الأغرا والغواليور والإندور والجيبور والكيرانا والباتيالا. ويتضمن المصطلح أيضا فكرا موسيقيا شاملا. وأحيانا يتغير هذا الفكر بشكل كبير من مؤدي غارانا إلى آخر. إنه يؤثر مباشرا على التفكير والتعليم والأداء وتقدير الموسيقى.

وبدأ خان التدريب رسميا على الموسيقى عندما كان في الخامسة. وبدأ تدريبات قاسية كانت تبدأ في السابعة مساء وتستمر حتى الخامسة من صباح اليوم التالي. إنه يتذكر أنه لم يكن مسموحا له بالتدريب إلا على ثلاث نغمات لمدة ثلاثة أشهر، مما جعله يشعر بالملل. وفي يوم من الأيام عندما ظن أن أباه غوروجي لم يكن يسمعه، انتقل إلى النغمة التالية، لكن سمعه أبوه وفجأة اندفع ولطمه على خده، ثم جعله يتدرب على الثلاث نغمات الأولى لمدة ثلاثة أشهر أخرى. ومع ذلك لم يسمح له والده بالأداء أمام الجمهور إلا بعد أن بلغ الأربعين، فهكذا كانت تقاليد ذلك الزمن. تُرى ما رأيه في الكم الهائل من المسابقات الموسيقية وبرامج تلفزيون الواقع التي تسعى لاكتشاف المواهب هذه الأيام والتي يشارك فيها الشباب.

إنه يقول: «لم يكن هذا متاحا في ذلك الوقت. لم أشكك يوما في التغيير ولم أقاومه». وربما يكون سر هذا الشباب الأبدي هو تماشيه من التيار مع تمسكه بموسيقاه. ويوضح قائلا: «موسيقاي توجد بين معايير أرستها أجيال من قبلي. على سبيل المثال، أعتقد أن هناك بعض الشروط التي يجب توافرها حتى يتسنى إطلاق اسم (راغا) على هذا الفن. على المرء اتباع قواعد محددة».

ولا يقتصر التزام هذا الموسيقار المعمر على الموسيقى بل يمتد ليشمل الحياة أيضا، حيث يبدأ يومه في الرابعة صباحا، وهو مسلم متدين، يؤدي الصلوات الخمس يوميا، ولا يتناول سوى وجبة واحدة في اليوم، لكنها يجب أن تكون حريفة وتتضمن الدجاج. ولهذا الموسيقار موهبة أخرى هي نظم الشعر. إنه يكتب باسم مستعار هو راسان بيا. وسجل كل أشعاره بصوته في إطار مشروع لمؤسسة (فورد فاونديشن) وإذاعة الـ(بي بي سي).

وفي عام 1947 سممه أحد معاصريه بدافع الغيرة. ويقول وهو يتذكر هذا الأمر: «كان هناك تدريب خلال الفعاليات الموسيقية. وفي تلك الأيام كان يتم وضع الموسيقيين الذين يعزفون النوع الموسيقي نفسه معا. في البداية لم يتقدم أحد، لكن في النهاية انضم لي بعض الموسيقيين. وشعر أحد الموسيقيين الآخرين بالغيرة مني إلى حد أنه وضع لي السم الذي أدى إلى حدوث تشوه في يدي وقدمي، وضعف بصري. ولم يتضرر صوتي، وكانت هذه معجزة كبرى».

وبعد تعرضه للموت ومرور مائة عام رأى فيها أفراحا وأتراحا، لا يزال عبد الرشيد خان يمتع جمهوره ويتمتع بالصحة والعافية. إنه يرى ضرورة تشجيع الشباب على تعلم الموسيقى الكلاسيكية.

يقول خان: «أرى هذه الأيام الكثير من الشباب الذين يعتمدون على الأجهزة وحدها، لكن هذه ليست الطريقة التي يمكن بها تعلم الموسيقى ولا الغناء. ويجب أن نفعل كل ما في وسعنا لتشجيع الشباب المهتمين بالموسيقى الكلاسيكية».

عندما وصل إلى العام الخامس بعد المائة بدا جسده هزيلا، لكن روحه كانت تعوض ذلك، ويتمتع بصوت لا يزال قادرا على هز الجدران. وقال وهو يبتسم: «كنت أشعر أحيانا أنني متعثر وأنسى، لكن كان لي تلاميذي الذين يساعدونني».

حظي خان بالتقدير والاحترام من الجميع سواء من مؤسسة «فورد فاونديشن» ومقرها الولايات المتحدة إلى «بي بي سي» ومقرها لندن، فهو الأسطورة المتميزة والمتفردة في عالم الأصوات الهندية حتى يومنا هذا. وأكد قائلا: «هل تعرفون أن لكل راغا حياة؟ إنها تمتلك القدرة على تحريك الشمس والنجوم. وغنائها في الوقت الخاطئ يجرح وجودهم». ويخبر الجمهور لماذا لا ينبغي أن يتم غناء «راغا بهايرون» ليلا أو «راغا مالهار» في يوم مشمس. وأسأله بعد قرن من الغناء كيف يرى تلك السنوات، فيجيب: «الحياة بالنسبة لي مثل مقطوعة موسيقية جميلة مكونة من ملايين اللحظات التي لا تنسى». ويقول وهو يسترجع الذكريات إن الرحلة حتى هذه اللحظة لا تنسى. لقد كان الجميع معلمين لي، فعظمتهم هي التي جعلتني مغنيا. والجدير بالذكر أن خان لا يبدأ حديثه أو ينهيه إلا بالثناء على الله.

يُنظر إلى هذا الموسيقي، الذي يعد الأكبر سنا في البلاد، بكل احترام وتوقير ليس فقط من جانب تلاميذه، بل أيضا من الجميع. ويذكرنا بأسطورة أخرى هو علاء الدين خان من مايهار، وبانديت رافي شانكار، وهو عازف هندي عالمي لآلة الـ«سيتار» توفي مؤخرا.

تخبرنا الشهادات المعلقة على جدران الغرفة بالمرات التي تم فيها تكريم خان من قبل مدارس موسيقية بارزة. ولا يجد خان نفسه، رغم تجاوزه المائة بخمس سنوات، أدنى صعوبة في حضور الفعاليات الموسيقية في مختلف أنحاء البلاد ويغني لمدة ساعتين أو أكثر.

ولأنه بات مقعدا لم يصبح قادرا على المشي وأصبحت التجاعيد تغطي يديه، لكنه لا يزال قادرا على إمتاع الجمهور بقوة غنائه. وأعرب خان عن حزنه لعدم اهتمام أي من أبنائه بالموسيقى، لكنه يعقد آمالا عريضة على حفيده بلال، ابن ابنته بارفين خان. وبلال عازف طبلة متميز يصطحب جده في كل حفلاته. ويجرب الشباب كل الأنماط في الموسيقى. وبوصفه من القدامى في هذا المجال، لا يجد غضاضة في الجلوس معهم وإرشادهم قليلا. وتختلف طرق العزف والآلات، مثل الطبلة والطنبورة والقدمية (نوع من الأرغ)، عن الآلات الإلكترونية، لكن يظل هناك جوانب إيجابية بها. إنه رجل يقول بعد قرن من الغناء: «لا زلت لا أعرف كيف أغني». ويؤكد على ضرورة أن يكون الصبر والمثابرة وقوة التحمل والقوة رفقاء دائمين. وتبدو جمله القصيرة مثل أقوال مأثورة. مع ذلك قد جمع خان بين القول والعمل.