«مهرجان البستان» يحتفي بعيده العشرين مع فاغنر وفيردي

«عيد الموسيقى الكلاسيكية» في لبنان ليس موجها للسياح

«مهرجان البستان» سيستمر لأكثر من شهر ويقدم مقتطفات أوبرالية لفيردي وتقديم أمهر الموسيقيين العالميين
TT

«العالم بحاجة إلى موسيقى»، تحت هذا العنوان يفتتح «مهرجان البستان»، يوم الثلاثاء المقبل، دورته العشرين، بقاعة إميل البستاني في «أوتيل البستان» في بيت مري، بموسيقى براهمز وإلغار، وبعزف من أنا تيفو على الكمان وبوريساندريانو على التشيللو، برفقة أوركسترا مهرجان البستان وقيادة جان لوكا مارتشيانو. ويختتم المهرجان الذي يستمر لأكثر من شهر، أنشطته في السابع والعشرين من مارس (آذار) مع مقتطفات أوبرالية لفيردي، علما بأن المنظمين أرادوا، هذه السنة، توجيه تحيَّتيْن خاصتين لقطبي الأوبرا في القرن التاسع عشر، وهما ريتشارد فاغنر وجوزيبيه فيردي في مئويتهما الثانية.

المهرجان الذي سعى طوال عقدين كاملين إلى تقديم أمهر الموسيقيين العالميين، يواصل مهمته بحماسة، كما تشرح لنا مسؤولته الإعلامية ندى مسعود، معتبرة «أننا أصحاب رسالة، وما نريده هو تقريب الموسيقى الكلاسيكية من أذواق الناس. وقد تربى جيل كامل على حفلات المهرجان. والذين كانوا يأتون صغارا مع عائلاتهم، صاروا يأتون بمبادرة ذاتية منهم».

وعلى الرغم من أن كل المهرجانات، حتى الصيفية منها، تعاني من سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية، فإن مهرجان البستان، وقبل أيام على انطلاقته، لا يشكو قلقا من الأحوال العامة، ولا إحساسا بأن ثمة ما يمكن أن يعكر صفو الحفلات الموسيقية أو الغنائية الكورالية التي اختيرت بعناية. وتتحدث ندى مسعود عن إقبال جيد وتطور للعمل، الفضل فيه يعود إلى سلوك اللبنانيين أنفسهم: «منذ 20 سنة، يوم انطلقنا، كان البلد يخرج من الحرب ولا مجال لاستخدام التليفون بشكل جيد أو الحجز مسبقا. كانت الطوابير تستمر لساعة قبل بدء الحفل، ليحصل كل على بطاقته». تشرح ندى مسعود: «اليوم الجمهور يعرف ما يريد ويحجز بطاقاته سلفا. بعض الفنانين الذي نستضيفهم يعودون دائما، لأن الجمهور بات يعرفهم ويطلبهم، وهم سعداء بذلك».

ولتشجيع الشباب على ارتياد الحفلات أطلق المهرجان منذ عدة سنوات بطاقة بسعر 25 دولارا صالحة للموسم بأكمله، بحيث يتمكن صاحبها من حضور أي حفل يريد بسعر 10 دولارات فقط. وبمقدور الشباب الحضور حتى في اللحظات الأخيرة، حيث بالإمكان إيجاد أماكن لهم.

لم يعتمد «مهرجان البستان» يوما على السياح. الجمهور اللبناني يشكل الغالبية التي تعنى بهذا النوع من الموسيقى على ما يبدو. وهو ما شددت عليه ميرنا البستاني، رئيسة المهرجان، أثناء المؤتمر الصحافي الذي أقيم سابقا للإعلان عن البرنامج حيث قالت: «المهرجان وجد للبنانيين، وليس للسياح، وهدفه تثقيف الأجيال الصاعدة وتعريفها بالموسيقى الأجنبية».

لمدة ما يقارب أكثر من 4 أسابيع، ستتوالى الحفلات التي يقام أغلبيتها الساحقة في «بيت مري». ويعول المنظمون على ليلة 22 فبراير (شباط) التي ستعزف خلالها، نجمة هذه السنة، كاتيا بونياتيشفيلي على البيانو لشوبان وليزست. كما يعود للمرة التاسعة عازف البيانو بوريس بيريزوفسكي ليقدم معزوفاته للجمهور. ندى مسعود تقول: «نحاول دائما أن نأتي بالجديد، لكن الجمهور اللبناني، يحب ما يعرف. فالعازف بيريزوفسكي، في كل مرة يعود فيها تحجز المقاعد كلها». ومع ذلك ودائما في إطار العزف على البيانو، يطل هذه السنة في 14 مارس عازف إنجليزي شاب وموهوب هو أوليفر بول، وسبق له أن عزف على مسارح شهيرة، سيقدم معزوفات لفاغنر وباخ ورخمانينوف وغيرشوين، وسيعقد ورشات عمل، ويدرب مبتدئين لم تسمح لهم قدراتهم المادية بالتعلم على أيدي أساتذة.

ومن الحفلات التي ربما ستغري الجمهور تلك التي تقدم خلالها للمرة الأولى في لبنان حفلة أوبرالية لفاغنر، لا بل واحدة من أهم أعماله، «هيليكون أوبرا» في الثامن من مارس (آذار)، بقيادة فلاديمير بونكن، وفي اليوم التالي يعاد بعض من أهم المقاطع. ويوم 10 مارس يتذكر المسرحي المعروف روجيه عساف الراحل غسان تويني تحت عنوان «الحارس الليلي وقارع الأجراس».

وللفلامنكو من المهرجان نصيب، من خلال ثلاث حفلات، أيام 20 و22 و23 مارس. كما يتضمن البرنامج الكثير من حفلات الكورال التي تلقى في العادة إقبالا كبيرا. يوم 27 فبراير تحت عنوان «أصوات ملائكية» تغني جوقة أرمنية أناشيد دينية في كاتدرائية القديس لويس. وفي 12 مارس تنشد جوقة هليكون «صلاة الغروب» لرحمانينوف في كاتدرائية الروم الأرثوذكس. وفي 24 فبراير ينشد كورس «ستيلي انتيكو» أعمالا من القرنين الخامس عشر والسادس عشر في كنيسة القديس مارك في بيبلوس. ومن أصدقاء المهرجان يعود للمرة الثالثة وينر كاميرسو ليسن، ليعزف مقطوعات لباخ وموزارت وبرامز.

الحفلات كثيرة ومتنوعة، حتى إنها تكاد تكون يومية. فعيد الموسيقى الكلاسيكية الغربية هذا، بات موعدا لا يفوت بالنسبة للبعض. وإذا كانت المهرجانات تفور في الصيف حد التضارب في المواعيد، والاضطرار للتنسيق الصعب والمضني، فإن «مهرجان البستان» يحل في الشتاء وفي الصالات المغلقة، ليؤنس أولئك الراغبين في الإنصات والتأمل.