أسبوع لندن لخريف وشتاء 2013.. لوحات من الفن المعاصر

عروض تحتفل بأمجاد بريطانيا وحقبة السبعينات

TT

منذ انطلاق أسبوع لندن لموضة خريف وشتاء 2013، وهي تسبح في بحر من الزهو والثقة. فالشمس سطعت وكأنها ترحب بضيوف العاصمة الذين أتى أغلبهم من نيويورك، حيث عاشوا أسبوعا باردا، كما أن الأجواء تعبق بالحماس والحيوية إلى حد أنه بإمكانك أن تتنفس هذه الأحاسيس في كل شوارعها تقريبا.

«مالبوري»

* صباح يوم الأحد، كان هذا الحماس مرسوما على وجوه كل ضيوف دار «مالبوري»، وهم يقفون في طابور طويل خارج فندق «الكلاريدجيز» يتغزلون بالطقس المشمس والدفء الذي تشهده لندن هذه الأيام. ما إن تدخل بهو قاعة «البولروم» حتى يستقبلك طابور آخر من النوادل بمشروبات فواكه صحية وحلويات مشكلة على خلفية رسمت عليها فراشات ضخمة باللون الأزرق. وحين تدخل قاعة العرض نفسها، يغمرك شعور بأن المصممة إيما هيل ستتحدى رمادية الخريف والشتاء المعتادة، بالورود والأزهار، لأن الجهة التي كانت ستخرج منها العارضات زينت بالكامل بشتى أنواع الورود. بدأ العرض وتبين أن قراءة الديكور كانت خاطئة، لأن المصممة لم تقدم باقات من الورد على الفساتين أو المعاطف، بقدر ما عانقت جذور الدار البريطانية، بألوانها وأقمشتها. حتى الموسيقى التي صدحت مع انطلاق العرض كانت تتغنى بعظمة بريطانيا وأمجادها. إيما هيل ترجمت هذه الأمجاد في تصاميم أقرب إلى الفخامة منها إلى أزياء جاهزة، خصوصا عندما مزجت الجلود الناعمة مع الفرو في معاطف تميل إلى الاتساع، وفساتين تحاكي الـ«هوت كوتير» في تفصيلها وأناقتها. بل وحتى التويد الإنجليزي اكتسب هنا روحا عصرية تخاطب شريحة فتيات المجتمع والأرستقراطيات اللواتي احتللن الصفوف الأمامية، مما يفسر الحالة التي سادت العرض، وجعلته أقرب إلى حفل أو نزهة منه إلى أي شيء آخر، خصوصا عندما أطلت بعض العارضات بكلابهن المرفهة، التي اكتست بالتويد والجلود. وهذا وحده كان كافيا لكي يجعل الابتسامات تزيد اتساعا، بمن في ذلك أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الملقبة بالمرأة الجليدية، التي لم تستطع مقاومة ابتسامة خفيفة ظهرت على ملامحها.

بالنسبة للتصاميم، فكل ما فيها موجه للخريف والشتاء، وأيضا مناسب بكل تفاصيله لأسواق بعيدة ربما تكون سوق الشرق الأوسط على رأسها. فقد ظهر كثير من الفساتين والتنورات بعيدة عن الجسم قليلا، ومع بنطلونات مستقيمة أو واسعة، قد تكون قصيرة بعض الشيء لكنها اقتراح جديد لامرأة محتشمة لا تريد أن تظهر مفاتن الجسم وفي الوقت ذاته لا تريد أن تفوت على نفسها متعة تجربة موضة جديدة.

المصممة شرحت بأنها أرادت أن تنوع، لهذا عوض أن تستعمل جوارب اختارت البنطلونات كبديل أنيق لها. وأضافت أن هذا المظهر ليس جديدا، إذ ظهر في التسعينات من القرن الماضي، وكل ما قامت به أنها طورته وجعلته أكثر وضوحا وبأسلوب يناسب الوقت الذي نعيش فيه. وهكذا رأينا البنطلون مع تنورات بطيات من أسفل وجاكيتات قصيرة، ومع فساتين كوكتيل تلمع بالخرز الملون، أو مع معاطف واسعة مستوحاة من الأسلوب الرجالي. وإذا كان حضور البنطلون لافتا للانتباه، فإن الأكمام والأكتاف هي الأخرى جاءت مثيرة، باتساعها وأشكالها الهندسية. وفي الحالات التي لم تغط فيها كامل اليد، أرفقتها المصممة بقفازات طويلة من الجلد الناعم. ومع ذلك فإن الورود التي توقعناها قبل بداية العرض، ظهرت في مجموعة قليلة، لكن بأحجام صغيرة وكأنها بتلات وبألوان حيادية وخريفية خففت من دراميتها لكنها لم تخفف قوة تأثيرها.

«هاوس أوف هولاند»

* طبعا التوجه إلى عرض هنري هولاند بالنسبة للكل بمثابة التوجه لزيارة صديق سيضمن لك وقتا ممتعا وطبقا دسما من الأزياء. ولم يخيب الآمال، لأن الطبق الذي قدمه كان مليئا بالحنين إلى السبعينات، ألوانا ونقوشا، مع لمسته الخاصة بالطبع. لمسة مطبوعة بالمرح والشقاوة، زاد من جرعتها فيما يخص الألوان هذه المرة، وكأنه يرفض أن يترك ضبابية الخريف والشتاء تؤثر على مزاجه، أو تعكر صفو الحياة الجميلة بالنسبة له. فهذه الألوان المتوهجة كانت رشات سعادة في موسم بارد وليس ببعيد أن يكون قاتما في شتاء 2013 و2014 بحسب رأيه. على نغمات أغنية «يا له من شعور رائع» بدأ العرض وزغللت الألوان العيون، كما أصابت بالدهشة. فالمصمم تجرأ وعاد إلى موضة السبعينات بكل إيحاءاتها، الإيجابية والسلبية على حد سواء، وهو ما كان مغامرة محفوفة بالمخاطر، لولا أنه منحها جرعة شبابية مثيرة. صحيح أنه لم يقدم أي جديد بالمعنى الثوري، لكن جديده أنه غرف من موضة كانت قبل عرضه بساعة أو أقل، ربما تثير الضحك والخوف، سواء كانت ألوان الأخضر الأفوكادو أو النقوش المتداخلة إلى حد التضارب. شرحه لسبب إسهابه في استعمال النقوش المتداخلة والبراقة هو أن الإطلالة التي توخاها هي «كمن خطفت جدتي وجعلتها ترتدي ملابس مصنوعة من ستائر قديمة». وقصده هنا أن كل ما قدمه مطبوع بأسلوب الـ«ريترو» وحنين إلى السبعينات. ولا شك أن هنري يعرف جيدا أن كل ما يقترحه من جنون أو فنون سيلمس وترا حساسا لدى فتيات المجتمع والنجمات الشابات اللواتي يعشقنه، وكن يتمايلين مع الموسيقى وأحيانا يغنين معها، وهن يتابعن العرض بابتسامات عريضة، من مثيلات دايزي لو، أو بيكسي غيلدوف أو جيمي وينستون وغيرهن. ولا شك أن هذه العينة من الزبونات يتعاملن مع الموضة كمتعة وكلعبة وهذا ما جعل العرض بالنسبة لهن مفاجأة مثيرة فيها بعض التحدي والحنين، فضلا عن حافز لغزو خزانات الأمهات.

بدأ العرض مثلا، بنقوش مستوحاة من ورق الحائط لا شك أنها تصيب بالدوخة فيما لو استعملت في أي غرفة الآن، لكنها في العرض تسببت في شهقات دهشة. وكأن هذا الخليط من الألوان والنقوش في القطعة الواحدة لم يكن كافيا، فقد نسقها المصمم أيضا بجوارب منقوشة ودرامية. ومع ذلك، فإن التصاميم كانت مطبوعة بنوع من النضوج يشي بأن الشاب هنري بدأ هو الآخر ينضج كمصمم. فقد كانت هناك أيضا فساتين أنثوية وتنوارات مستقيمة وجاكيتات واسعة بقلنسوات مزينة بالفرو إلى جانب كنزات صوفية واسعة نسقها مع تنورات تغطي نصف الساق لمظهر منطلق و«سبور». الوردي والأخضر كانا من الألوان التي تكررت كثيرا، سواء في الفساتين أو في الجاكيتات المبطنة التي أضاف إليها أحيانا حواشي بالبرتقالي. للمساء قدم مجموعة عصرية ربما كان أجملها فستانا بنفسجيا مع جاكيت باللون نفسه، وآخر باللون الأزرق المتوهج يعانق الجسم بنقوش مستديرة. تخرج من عرضه ليس بإحساس بالانتعاش فحسب، بل بنتيجة واحدة وهي أن هنري هولاند قد زادت ثقته بنفسه، وأن هذه الثقة هي التي شجعته على زيادة عيارة الجرأة والدراما في هذه التشكيلة.

بيتر بيلوتو

* الثنائي بيتر بيلوتو وكريس دو فوس، مؤسسا دار «بيتر بيلوتو»، استقيا، مثل العادة، كثيرا من نقوشهما وزخرفاتهما من الفن. صوبا أنظارهما إلى فناني عصر النهضة الإسبانية، كما قالا، من دون أن يغيرا أسلوبهما بشكل جذري. فالمسألة بالنسبة لهما عبارة عن تطور وتقدم وليس تغيير وصفة أثبتت نجاحها، فهما الآن من أهم المصممين في لندن، وانتقلا مؤخرا إلى مقر كبير، بعد أن زاد عدد العاملين في دارهما بعد أن شهدت توسعا ملحوظا. لهذا ما ركزا عليه في هذه التشكيلة، هو استكشاف عالمهما الخاص، بما في ذلك الاستلهام من الفن.

الفرق هنا أنهما استعملا التطريز والزخرفات كأداة أو ريشة للرسم وخلق نوع من الغموض. تأثير الفن الإسباني امتد أيضا إلى التصاميم، حيث ظهرت جاكيتات «بوليرو» قصيرة بألوان صارخة، ومعاطف رجالية إلى جانب تنورات بفتحات جانبية، وهو اتجاه رأيناه في كثير من العروض هذا الأسبوع، مما يعني أن البنطلون والتنورة المفتوحة من الجانب، من القطع المهمة في الموسمين المقبلين.

ماثيو ويليامسون

* لكن إذا كان هناك مصمم له القدرة على أن يجعلك تدخل الصيف والربيع في عز الشتاء، فهو ماثيو ويليامسون. لخريف وشتاء 2013 جعل ألوان النيون، مثل الأخضر والأصفر والفيروزي والبرتقالي، مضادا أنيقا لقتامتهما، وبترحيب من الكل.

لم تكن هناك معارضة واحدة لما قدمه، بغض النظر عن الأعمار، لا سيما أنه استعمل أسلوب الطبقات المتعددة، والخامات الدافئة، مثل الفرو والصوف لخلق تناقض منعش. وعلى الرغم من الخرز والبريق والألوان الساطعة، يمكن القول إنها تشكيلة عملية يمكن تطويعها لكل المناسبات بالقليل من الجهد، فضلا عن أنها رحيمة بالمرأة التي لا تتمتع بمقاييس العارضات. فالفساتين مثلا جاءت حينا بتصميم الـ«ترابيز» وحينا منسدلة على الجسم، وهو الأمر المرحب به في كل الأوقات، مما يجعل تشكيلته منعشة ودافئة، عملية وأنيقة في الوقت ذاته.