قوارب صيد السمك واللؤلؤ.. تراث خالد في الإمارات

بوسائل وطرق باقية حتى الوقت الحاضر

TT

لا يزال اصطفاف القوارب والسفن في الخور أو الموانئ في الإمارات مشهدا تعبيريا تألفه العين هنا. اكتسب الأسلاف الخبرات البحرية عبر السنين، وابتكروا وسائل وطرق صيد باقية حتى الوقت الحاضر. وتأتي إمارة الشارقة في مقدمة المناطق من حيث كمية الأسماك التي يتم اصطيادها، وتليها إمارة الفجيرة، ثم تحتل رأس الخيمة المركز الثالث. يتردد على ألسنة أهل الصيد والبحر كلمة «النوخـذة»، وهو تعبير إمارتي لربـان السـفينة، أو صاحب الأمر والنهي، والحاكم والقاضي، وقد يكون صاحب السفينة مستأجرا لها. صيد الأسماك والغوص جزء من تاريخ إماراتي لا يتخلى عنه الصيادون حتى بعد ظهور ثروة النفط.

ولعل تأسيس نادي تراث الإمارات من شأنه أن يحافظ على بناء القوارب، باعتبارها أساس صيد الأسماك واللؤلؤ. كان الصيد عشوائيا أيام زمان، لكن سرعان ما صدرت بحقه قرارات رسمية تنظم عمليات الصيد، وهي من أجل الحفاظ على الثروة السمكية. ميناء زايد من الموانئ المكتظة بقوارب الصيد والسفن، حيث يقوم الصيادون والعمال بتنظيف «القراقير»، أي الأقفاص المعدنية التي تنغلق على الأسماك بعد الدخول إليها، وهي مثل الشباك. يقول الصياد جاسم العلي لـ«الشرق الأوسط» إن «أقدم طريقة صيد في الإمارات هي الصيد بـ(الليخ) وتتم عبر نصب الشباك في عرض البحر لفترة زمنية، وبعد المعاينة يتم رفعه ونقل أسماك الهامور التي تم اصطيادها».

ويضيف العلي، الذي أمضى نحو ثلاثين عاما أو أكثر في هذه المهنة: «إن طريقة صيد (الهيالي) عبر شباك كبيرة ومتينة، ارتفاعها يتراوح بين 6 - 8 أمتار، يتم مدها بشكل مستقيم يوافق اتجاه التيار كي يحملها، وهي طريقة تستخدم لصيد أسماك الكنعد غالبا». في ما يخص السفن؛ فقد اعتبرت سفينة «ألبوم» قديما إحدى أفضل وأشهر السفن في المنطقة، وهي تستخدم لنقل البضائع أيضا عبر موانئ الخليج وإيران وباكستان والهند وأفريقيا، وكان خشب «الساج» الهندي يستعمل كألواح لهيكل السفينة لما يتصف به من مقاومة للماء، وكذلك خشب «اللوريل» الهندي، ويستخدم كقاعدة للسفينة، إضافة إلى المواد الأخرى اللازمة لصناعة السفن، مثل المسامير والمناشير والأعمدة والصواري وغيرها.

ومؤخرا، دقت «جمعية الإمارات للحياة الفطرية» جرس الإنذار لمخاطر الأنواع المهددة بالانقراض، ويضم الهامور، وفرش، وكنعد، وقابط، وصافي عربي، والشعري، ويماه، والزريدي. وقالت الجمعية إن المقصود بالصيد الجائر هو اصطياد كميات كبيرة من الأسماك تفوق قدرة الطبيعة على استدامة بقائها، وتراجع أعدادها. وتشكل الأسماك جزءا مهما في الوجبة الغذائية التقليدية في الإمارات، وأن الهامور أكثر الأسماك المفضلة في الإمارات، وأكثرها تعرضا للصيد الجائر.

وأكدت وكيلة وزارة البيئة والمياه، الدكتورة مريم الشناصي، لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزارة تجري حاليا تعديلات جذرية على القانون الاتحادي للصيد، المعمول به منذ عام 1999 بهدف مواجهة عمليات الصيد الجائر والتصدي للممارسات الخاطئة في عمليات الصيد، والحفاظ على الثروة السمكية التي بدأت تتأثر بشدة. وتحرص الدولة الإماراتية على تقديم الخدمات المجانية، وتشمل قروض المكائن البحرية والقراقير وشباك الصيد بنصف قيمتها. كما تقوم بدراسة البيئة البحرية التي يعمل فيها الصياد، وإجراء بعض المسوحات البحرية لتحديد أنواع الأسماك وتحديد مواقع ومواسم توالد الأسماك لتحديد فترات منع صيدها ومواقع هذا المنع، بالإضافة إلى تحديد خطوط هجرة الأسماك وحماية الثروة السمكية، وذلك عن طريق إنشاء شركات للصيد والعمل على تحديد أنواع الآلات والمعدات المستخدمة. ومن أجل ذلك، تم تأسيس 4 جمعيات تعاونية نشطة في هذا المجال. وحول الصيد الجائر، يقول مدير جمعية أبوظبي التعاونية لصيادي الأسماك، علي المنصوري، لـ«الشرق الأوسط»، إن أصحاب القوارب واليخوت الخاصة المخصصة للنزهة تتحمل مسؤولية الصيد الجائر في مياه أبوظبي، مؤكدا أن هناك أكثر من 10 آلاف يخت وقارب خاص في الإمارة تمارس الصيد الجائر.

وكذلك، هناك العادات المتعلقة بصيد السمك وبرحلات التجارة التي تستخدم لها سفن ألبوم والبلغة والجالبوت والسنبوق، والرحلات كانت إلى (أقريقيا ودار السلام والجزيرة الخضراء وبلاد الصومال وجزيرة سقطرة). ولقد واكبت الأغنية الشعبية نشاط الغوص في أوج ازدهاره ورواجه وأيضا في فترة كساده واختفائه، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية واكتشاف اليابان اللؤلؤ الصناعي.

ولا يزال الإماراتيون يستخدمون الأساليب القديمة في صناعة السفن والقوارب، وهي عادة ما تكون أدوات وإمكانات بدائية، ويدوية كالمنشار والمطارق والدواة التي تضبط بها المسافات والمقاسات، والمجدع وهو أداة لثقب الأخشاب. وكان الآباء حريصين على توريثها لأبنائهم. وهناك أيضا حرف صناعة الخشب وشباك الصيد، وأدوات الصيد، وصناعات الحدادة والنجارة، والخياطة.

على أي حال، صيد الأسماك في منطقة الخليج العربي حرفة ومصدر رزق مهم لكثير من العائلات ومصدر دخل قومي، وهو أيضا هواية شعبية ومن تراث وتقاليد هذه المنطقة. وقد أصبح صيد الأسماك رياضة مهمة للأجيال الشابة، وأصبحت الإمارات واحدة من أهم هذه الوجهات على مستوى العالم بسبب طول ساحلها الذي بلغ 730 كيلومترا، ومياهها الغنية بالثروة السمكية.