«قصر الزعفران» في القاهرة.. تحفة معمارية بروح خديوية

شيد في عام 1870 وصار المقر الإداري لجامعة عين شمس

قصر الزعفران ما زال محافظا على رونقه التاريخي وطرازه المعماري الفريد
TT

«أقصر الزعفران لأنت القصر.. خليق أن يتهدى على النجوم».. بهذا البيت خاطب شاعر النيل، حافظ إبراهيم، هذا القصر دون غيره في عام 1922 لمكانته المعمارية والتاريخية والعلمية.

اليوم، وفي خلفية تجمعات وأحاديث الطلاب والطالبات في جامعة عين شمس المصرية، يبدو «قصر الزعفران» في شموخ، فبمجرد أن تدلف إلى الجامعة تلفت نظرك تلك التحفة المعمارية ذات الطراز الأوروبي التي تطل على حي العباسية من أربع جهات، معشقة بزخارف على هيئة فروع نباتية وأكاليل زهور، بمدخل مرمري وبوابة معدنية فارهة يتخللها الزجاج المعشق الملون، وسلم البهو المصنوع من النحاس المطلي بطبقة من رقائق الذهب الفرنسي، والأسقف الملونة بألوان السماء.

في هذا المكان ومنذ عشرات السنين يقف القصر لا يأبه كثيرا بمستحدثات العصر، فعلى الرغم من أن عمره تجاوز المائة عام، فإن قصر الزعفران ما زال محافظا على رونقه التاريخي وطرازه المعماري الفريد، ففي عام 1870 وفي عهد الخديو إسماعيل تم إنشاء القصر على أنقاض قصر «الحصوة» الذي بناه محمد علي باشا والي مصر، حيث عهد الخديو إسماعيل إلى مهندس يدعى «مغربي بك سعيد» بإنشائه على غرار قصر فرساي في فرنسا الذي قضى فيه الخديو فترة تعليمه.

وكان الخديو إسماعيل قد طلب نقش الأحرف الأولى من اسمه، وشكل تاجه الخاص، على بوابة القصر الحديدية ومداخل القاعات والغرف، لكنه في عام 1872 أهدى القصر لوالدته المريضة لتقيم فيه خلال فترة الاستشفاء من مرض عضال أصابها، حيث نصحها الأطباء بالهواء النقي، لذا أمر إسماعيل وقتها بزراعة حديقة غناء حول القصر كانت مزروعة بكاملها بنبات الزعفران ذي الرائحة الزكية.

على مر تاريخه، شهد القصر العديد من الأحداث التاريخية المهمة في مصر.. ففي عام 1882 وصلت الجيوش الإنجليزية إلى القاهرة واحتلت القصر مثلما احتلت البلاد بأكملها، وأقام به الجنود الإنجليز لمدة تجاوزت الخمس سنوات، كما شهد القصر توقيع معاهدة عام 1936 التي تفاوض فيها الزعيم مصطفى النحاس مع المندوب السامي البريطاني، والتي ما زالت تعرف حتى الآن في الوثائق التاريخية بـ«معاهدة الزعفران»، نسبة إلى القصر الذي ما زال يحتفظ بالمنضدة التي تم توقيع المعاهدة عليها حتى الآن. وفي عام 1952 أصبح المقر الإداري لجامعة عين شمس.

يتكون القصر من ثلاثة طوابق رئيسية، فالطابق الأول كان مخصصا للاستقبال ويضم القاعة الرئيسية وقاعتي استقبال أخريين، أما الطابق الثاني فيضم ثماني غرف للنوم، ملحق بكل غرفة صالون لاستقبال الزوار، وتستخدم الآن كمكاتب لرئيس الجامعة ونوابه، بينما يستخدم الطابق الثالث لبعض مكاتب الإدارة وكان مخصصا من قبل لأفراد الحاشية والخدم.

يجمع القصر بين الطرازين القوطي والباروكي، وهما من أهم الطرز العمارية التي كانت تستعمل في كثير من قصور القرن التاسع عشر. ويحوي القصر من الداخل مجموعة من العناصر الزخرفية النادرة، يتجلى ذلك في سلم البهو الكبير المصنوع من النحاس والمغطى بطبقة مذهبة، ويكاد يكون السلم الوحيد في مصر الذي يضم هذه الكمية من النحاس، فضلا عن باب القصر المصنوع من الزجاج وزخارف على أشكال لزهور وشجرة كبيرة.

اهتمت جامعة عين شمس التي تضم هذا القصر الأثري المهم بترميم القصر، حيث بدأت أعمال الصيانة والترميم في عام 1922، كما أن القصر تم تسجيله ضمن الآثار الإسلامية، ويعتبر القصر من المباني المهيبة داخل الجامعة. ويتقدم المدخل الرئيسي للقصر إحدى الواجهات، وهو يأخذ شكل البائكة بعقود نصف دائرية تعلوه شرفة كبيرة. ويمكن للزائر الصعود إلى المدخل إما مترجلا عن طريق السلالم الرخامية التي تتوسطه، أو داخل عربة، حيث توجد على جانبي المدخل ممرات منحدرة خصصت لصعود العربات عليها، وهي ممرات تعود بالزائر إلى أجواء القرن التاسع عشر، حيث موكب الخديو بالعربات التي كانت تجرها الخيول، تصعد على الممرات بينما الأمراء أمام باب القصر في شرف الاستقبال.

ويعد سقف قصر الزعفران تحفة فنية في حد ذاته، وهو عبارة عن زجاج بلوري معشق بالرصاص، تم طلاؤه بألوان زاهية تعكس على السلم ألوان السماء في مختلف حالاتها، كما يضم الطابق الأول مجموعة من الأعمدة ذات الطراز اليوناني الروماني من الرخام الأخضر والأصفر بتيجان مذهبة.

وفي السنوات الأخيرة اتخذ قصر الزعفران كمكان تنطلق منه المظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية للطلاب أو أساتذة الجامعة، مثل حركة «9 مارس» التي قام بها مجموعة من الأساتذة للمطالبة باستقلال الجامعات. وعلى الرغم من أنه نقطة انطلاق هذه الوقفات الاحتجاجية، فإنه من المعروف لدى جميع الطلاب داخل الجامعة أنه ممنوع وجود أي تجمعات طلابية أمام القصر، حيث توجد عليه حراسة أمنية مشددة، ولا يسمح بدخوله إلا في أضيق الحدود.

جدير بالذكر أن القصر شهد تصوير العديد من الأعمال الفنية، خاصة التي تدور أحداثها في رحاب الحياة الجامعية، كان منها مسلسل «الجماعة» الذي قدم قبل 3 سنوات والذي يدور حول تاريخ جماعة الإخوان المسلمين.