الفن في الهواء الطلق.. معرض لأشهر اللوحات الانطباعية

مقام في متحف «تايسن» بمدريد ويضم أعمالا لمونيه ورينوار وفان غوخ

لوحة للفنان إميل نولد بعنوان «سحب الصيف» (إ.ب.أ)
TT

إذا ما طلب منا شخص ما أن نتخيل رساما يرسم لوحة في الهواء الطلق، ربما استحضرنا الصورة الرومانسية لرجل، في وسط المروج الخضراء، ومعه حامل لوحة الرسم وصوره، يتنفس النسيم العليل. وعلى الرغم من ذلك، فإن الفنانين لم يغادروا مراسمهم كقاعدة فنية حتى ظهور المدرسة الانطباعية، مع أن فكرة رسم بعض أجزاء من الصورة في الهواء الطلق بدأت قبل قرن (في القرن السابع عشر) في إيطاليا.

من الغريب التفكير في أن الفنان لم يخرج على الدوام من مرسمه بهدف التقاط أفضل منظر طبيعي وتجسيده في أعماله ومحاولة تخمين كيف استحضر الفنانون الضوء واللون في ذهنهم. في وقتنا هذا، انضم معرض مقام في متحف «تايسن» في مدريد «الانطباعية والرسم في الهواء الطلق من كورو إلى فان غوخ» (يستمر حتى 12 مايو/أيار)، وهي لوحات تم رسمها خارج المراسم في الهواء الطلق من قبل فنانين انطباعيين أثناء القرن التاسع عشر، وصور أخرى. بإمكان الزائر الاستمتاع بلوحات لمناظر طبيعية لفنانين أمثال تيرنر وكورو وكونستابل وروسو وكوربيه ومونيه وسيسلي ورينوار وفان غوخ وسيزان.

وعلى النقيض من الأسلوب الرسمي المتبع في رسم صورة، أوضح الفنانون الانطباعيون جليا أنهم لم يرغبوا في العمل في بيئة مغلقة. لقد أرادوا التمتع بالحرية أيضا في طريقهم للعمل. أحبوا الضوء والهواء والماء.. الطبيعة.

في القرن السابع عشر، أصبحت المراسم المقامة في الهواء الطلق قاصرة على العمل الخاص، حيث يستطيع الفنان الاعتماد على الذاكرة المرئية لا على التخيل، وعلى الرغم من ذلك، فقد أدركت أسماء مثل الفنان الفرنسي كاميل كورو والفنان البريطاني جون كونستابل أن عليها فتح باب مراسمهم إذا ما رغبوا في تجسيد حقيقة الطبيعة، الطبيعة «الحقيقية».

ومن بعدهم، اعتاد مونيه وسيسلي ورينوار وبازيل وسيزان السير إلى غابة فونتينبلو، على بعد 60 كيلومترا من باريس، وبدأوا في التفكير في أن الرسم داخل المرسم يحتل المرتبة الثانية في عملهم. في واقع الأمر، أصبحت التلقائية وإقامة المراسم في الهواء الطلق سمتين أساسيتين في فنهما.

ينقسم المعرض بواسطة عناصر طبيعية مختلفة ميزت المناظر الطبيعية التي اعتادوا رسمها. في الجزء الأول، بإمكان الزائر الاستمتاع ببعض الصور، حيث يظهر العنصر الأول الذي جذب انتباه هؤلاء الفنانين في القرن السابع عشر: «الحطام والشرفات والأسقف». وفي إحدى الغرف، توضح بعض «النوافذ» المرسومة كيف أن هذه الفكرة الرئيسية متجسدة بشكل عام فيما يتعلق بالأشكال والملمس وإشراق اللون أكثر من الاهتمام الشديد بالتفاصيل.

وحاذيا هذا الحذو، يفتح المعرض غرفة أخرى لـ«الصخور». رسمت الصورة الأولى التي تحمل هذه الفكرة الأساسية في إيطاليا، لكن كانت مدرسة باربيزون هي التي جعلت «الصخور» فكرة رئيسية، وذلك بالأساس لأنه كان من الممكن العثور على الكثير منها في غابة فونتينبلو. أما العنصر الثالث الذي يتجلى في هذه اللوحات للمناظر الطبيعية، فهو الجبال. حتى ظهور المدرسة الانطباعية، جذب فيزوف فقط انتباه الفنانين الأوروبيين بوصفه بطلا للصورة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه في أوروبا الوسطى، هيأت صور الجبال الفرصة لأكثر التعبيرات تفردا، في الأغلب نقطة وسطى بين المثالية الرومانسية والاهتمام العلمي.

بعد التمتع بمشاهد الكاتدرائيات والحطام والقلاع والصخور والجبال، يفتح المعرض بابا على الخضرة: «الأشجار والنباتات». وهذه العناصر كانت على درجة شديدة من الأهمية بالنسبة للفنانين الانطباعيين، درجات اللون الأخضر التي تضيء الطبيعة. تبرز لوحات مثل «جبل نيسن كما يبصره هويشتريش» Mount Niesen seen from Heustrich’ لفرديناند هودلر، إلى جانب مناظر طبيعية أخرى، تتجلى فيها الطبيعة بكل أشكالها.

وفي وسط المعرض، تتحول كل الألوان إلى اللون الأزرق: «الشلالات والبحيرات والجداول والأنهار». تظهر الشلالات ومساقط المياه في المراسم بالمواقع القريبة من روما أو في صور بحيرات نيمي وألبانو. وكان مونيه هو من أولى جل الاهتمام إلى التأثيرات المتغيرة للمياه، ومع ذلك، تتمثل اثنتان من أهم الصور في هذا الجزء في «عاصفة مطيرة على البحر» لكوفير و«شلال مارمور» لكورو.

أما العنصر التالي، فيتمثل في «السماوات والسحب». يبرز المعرض الطريقة التي رسم من خلالها «ملاحقو» هذا الضوء مواضيع أبهرت الباحثين في الجانب النظري المتعلق بالفن منذ وقت ليوناردو، مثل «سحب الصيف» لإميل نولد أو «منظر طبيعي تحت سماء عاصفة» لفينسينت فان غوخ. في واقع الأمر، كان الرسام الإنجليزي كونستابل الذي تولى مهمة الملاحظة شديدة الدقة للسماوات بحثا عن تكامل أكبر بين السماء والمنظر الطبيعي في مجموعة لوحاته الأساسية. وفي هذه الغرفة، لم يكن من الضروري البحث لمعرفة أنك بالفعل في الجنة.

تبرز لوحة «بحر هائج في إتريتا» لكلود مونيه أحد أكثر العناصر التي تبث مشاعر الراحة والانتعاش في المعرض: «البحر». أمامها، من الممكن أن يبصر الزائر لوحة «الموجة» لكورفيه، بتدرجات اللون الرمادي فيها بدلا من الأزرق. ومن بين الفنانين الانطباعيين، كان مونيه منجذبا أيضا على وجه الخصوص إلى البحر؛ ليس من قبيل المصادفة أنه أمضى شبابه على ساحل نورماندي، حيث نظم ستة معارض للرسم في الفترة ما بين 1880 و1883، والتي جسد خلالها المنحدرات الصخرية والبحر بمجموعة من الأساليب التي تستخدم فيها فرشاة الرسم. بعد زيارة المعرض، من الصعب تخيل رسام داخل مرسمه يرسم منظرا طبيعيا، بينما ينفذ شعاع ضوء النهار عبر النافذة، خاصة إذا ما رغب الفنان في التقاط جوهر الطبيعة بواسطة أي أسلوب.