ياسين بقوش: زمن الفجيعة السوري يغتال ضحكة السوريين

اتفقوا على تسميته «شهيدا» واختلفوا على هوية القاتل

TT

* في مقبرة التغالبة في حي الصالحية الدمشقي ووري الفنان الكوميدي ياسين بقوش الثرى يوم أمس الاثنين، في تشييع مهيب انطلق من مشفى المواساة، ليطوى جزء من ذاكرة الفكاهة السورية، وياسين بقوش الذي مثل طوال حياته شخصية واحدة منحها اسمه الحقيقي اضحك السوريين عبر تاريخه الفني بكوميدياه البسيطة، وأفجعهم برحيله التراجيدي.

شكل مقتل ياسين بقوش بقذيفة بحي العسالي استهدفت سيارته صفعة عنيفة للسوريين عموما في وقت يتلقون فيه الصفعات من كل حدب وصوب، وبينما تقدمت وزارة الإعلام بالتعازي من أسرة الفنان بقوش والشعب السوري ورفاقه الفنانين، أكدت السلطات السورية استشهاد الفنان ياسين بقوش عن عمر ناهز الـ75 عاما «بقذيفة هاون أطلقتها مجموعة إرهابية مسلحة على سيارته أمام منزله في مخيم اليرموك بدمشق». إلا أن المعارضين كانوا السباقين في بث خبر مقتله واتهام قوات النظام بقتله في «حي العسالي استهدفت سيارته بقذيفة آر بي جي وكان في طريقه إلى منزله في مخيم اليرموك». وبثوا مقطع فيديو يظهر جثته بعدما انتشلها مقاتلو الجيش الحر من السيارة المحترقة جراء القذيفة، وعرضوا صورا لوثائقه الشخصية: «البطاقة المهنية وجواز سفر وهويته» التي كانت معه في السيارة. ويسمع في الفيديو أحد مقاتلي الجيش الحر وهو يطلب الاحتفاظ بها لتسليمها لأحد أبنائه الذي يأتي إلى محل له في المنطقة كما اتهم صاحب الصوت قوات النظام بقتله. ويشار إلى أن ناشطين بثوا مقطع فيديو لياسين بقوش وقد استوقف سيارته حاجز للجيش الحر في حي اليرموك، ويقوم المقاتلون بتحيته والتعرف إلى ولده الذي كان يقود السيارة، علما أن لياسين بقوش أحد عشر ولدا. كما تداول الناشطون قبل فترة قصيرة معلومات عن تأييده للثورة. دون أن يظهر أي تصريح واضح ومباشر له في هذا الخصوص. وفي الوقت ذاته لم يظهر بقوش في المناسبات التي كانت تدعو إليها نقابة الفنانين لإعلان الولاء للنظام.

وفي خضم تبادل الاتهامات بين المعارضة والجيش الحر من جانب والسلطات الرسمية والموالين للنظام من جانب آخر، نعى جميع السوريين بمختلف أطيافهم وتناقضاتهم فنانهم المحبوب ياسين بقوش، الذي اغتاله صراع النار والدم داخل الأرض السورية. اختلفوا حول هوية القاتل واتفقوا أن القتيل شهيد. ويكاد يكون ياسين بقوش أول سوري يقتل ولا يصفه طرف بـ«الشهيد» والطرف الآخر بـ«الفطيسة» كما جرت العادة في نعي الشهداء من الجانبين، فإذا قتل على يد قوات النظام أطلق عليه الموالون صفة «الفطيسة» بينما تصفه المعارضة بـ«الشهيد» والعكس بالعكس. الأمر كان مختلفا مع ياسين بقوش الذي عاش حياة فقيرة بين الفقراء في مخيم اليرموك الفلسطيني، لا تنسجم مع النجومية التي حققها خلال مسيرته الفنية، لكنها تعبر عن الشخصية الفقيرة التي التصقت به منذ عمله الفني مع مجموعة من رواد الكوميديا المؤسسين للدراما السورية نهاد قلعي (حسني بورظان) ودريد لحام (غوار الطوشة) وناجي جبر (أبو عنتر) نجاح حفيط (فطوم حيص بيص) ورفيق سبيعي (أبو صياح) في المسلسلات التلفزيونية الكوميدية «صح النوم» و«حمام الهنا» و«ملح وسكر» من إخراج خلدون المالح ونصوص نهاد قلعي في الستينيات حيث أعطى لكل شخصية أبعادها ودلالتها الاجتماعية والعربية بقالب فكاهي خفيف الظل، لتكون خميرة لمجموعة أفلام كوميدية في طور صعود الإنتاج السينمائي في مصر وسوريا أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي.

لكن ياسين بقوش وبعد ما حققه من نجاح كبير في ترسيخ شخصية المواطن العربي البسيط الساذج الذي يقع دائما في حبائل الخبيث الماكر (غوار الطوشة)، وصديقه (أبو عنتر) القبضاي بما يمثله من قوة عضلية، عانى من التهميش في أطوار صعود الدراما السورية، ولم تجد شخصية ياسين مكانا لها في دراما رجال الأعمال التي غزت الشاشات العربية خلال العقدين الأخيرين، بل إن ياسين رفض عرضا بإعادة تمثيل هذه الشخصية في مسلسل (عودة غوار) لأن ياسين يبدو فيها شخصا آخر وقد تحول من شخص بسيط وبريء وطيب إلى شخصية ماكرة تعد المقالب للإيقاع بغوار الطوشة. رفض ياسين تشويه شخصية التصقت به وعبرت عنه، وعاش بعيدا عن الأضواء يمثل بين حين وآخر في أعمال الكوميدية ليست على سوية تاريخه الفني مثل «ياسين تورز» و«ياسين في المطبخ» و«سيف بن ذي يزن» وفي مسرحيات كوميدية تجارية، وإعلانات لسلع محلية. إلا أن ذلك الخفوت للنجم لم يؤثر على مكانة ورمزية شخصية ياسين التي عشقها السوريون راسخة في الأذهان، لتعود وتنهض من جديد لدى استشهاده في زمن الفجيعة السوري.