«خان الخليلي» يشكو ركود السياحة ويتذكر نجيب محفوظ

أكثر رواده بعد الثورة من طلبة الجامعات والعائلات المصرية

TT

«ألقي نظرة فقط على هذه التحف»، «خذي ما تردينه ولن نختلف على السعر»، «اتفضل يا باشا شرفنا في الفيشاوي». ذبلت هذه النداءات الشهيرة في أفواه الباعة وأصحاب البازارات والمقاهي، وأصبح يتحسر زائر خان الخليلي على ما آلت إليه الأوضاع في هذا الحي العريق الجميل، الحي الذي لم تكن تنقطع عنه حركة السياحة سواء في الصيف أو الشتاء وكان يعج بالسائحين وضجيج الباعة وأصوات الحرفيين بالنقر على النحاس والحفر على الخشب في الورش العتيقة.

الحي الذي خلده عميد الرواية العربية نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل، وكان مسرحا لواحدة من روائعه الروائية حملت اسم الحي نفسه، يرى أهل الحي أن الأوضاع منذ اندلاع ثورة 25 يناير تتدهور من سيئ إلى أسوأ ولا توجد بوادر في الأفق لتعود الأمور إلى سابق عهدها أو إلى الأفضل كما كانوا يتأملون من الثورة.

في الفيشاوي، أشهر المقاهي التاريخية في مصر، يتعجب أحد الندلاء الذي يكاد يشد الزبائن المارة في الشارع حتى يجلسوا في المقهى وهو يقول لي: ماذا سنفعل؟ لقد تأثرت حركة السياحة بشكل سلبي وانخفض عدد السياح إلى أكثر من 75 في المائة عن السابق، وأن السائحين الأجانب لا تكاد تزيد نسبتهم على الخمسة في المائة، ويتابع: «هذا ليس حال الفيشاوي لم يكن لترينه خاليا هكذا من السائحين، أما الآن ففي الصباح يأتي بعض طلاب الجامعات وفي المساء تأتي بعض العائلات». وبفخر مجروح يقول لك النادل: على هذا المقهى كان يجلس نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وزكريا أحمد وغيرهم من أعلام مصر، ولا تزال صورهم جدران تزين جدران المقهى.

وعلى طول الشوارع في هذا الحي العريق الذي يزيد عمره على الستة قرون يستوقفك البائعون وأصحاب البازارات لتلقي نظرة على البضائع المتراكمة والتي خفضوا في أسعارها بشكل كبير جدا، فلا يكاد المرء يصدق أن هؤلاء هم باعة خان الخليلي الذين لم يكونوا ليبذلوا جهدا يذكر في استدراج الزبائن، بل كان السائحون هم من يتهافتون على اقتناء تحف الخان.

توقفت أمام أحد البازارات التي تبيع مشغولات نحاسية وفضية يقول أيمن محمود أحد العاملين بالبازار: «كانت الأمور أخذت في التحسن تدريجيا عند تولي المجلس العسكري إدارة البلاد إلا أنها عاودت في التدهور بعد أحداث ماسبيرو»، ويضيف محمود: كان السائحون الذين يأتون إلى الخان معظمهم من غرب أوروبا وأميركا وكانوا يقدرون الشغل اليدوي الذي نقوم به، أما الآن فلا يوجد سوى السائحين الصينيين الذين لا تجذبهم بضائعنا وإن حدث فإن التعامل معهم في غاية الصعوبة على عكس ما كنا معتادين عليه من ذوق السائحين الأوروبيين.

ويستطرد محمود: «يبدو أن الأمر متعلق بالصورة السلبية المنقولة عن الأحوال الأمنية في البلاد في الإعلام الغربي، فهناك سائحون أوروبيون كانوا يقولون لنا إن الوضع ليس كما كانوا يتصورونه إذ إن الإعلام لديهم صور لهم أن مصر على شفا حرب أهلية أو ما شابه، ولكنهم قالوا إن الوضع مستتب ما عدا منطقة التحرير وأنه فقط بها خيام لمعتصمين».

ويروي إكرامي حسين صاحب أحد البازارات التي تبيع تذكارات فرعونية أن أحداث الثورة أضرت كثيرا بقطاع السياحة الذي هو الأكثر تباطؤا في التعافي، وأن تصريحات بعض تيارات الإسلام السياسي المتشددة تعكس صورة سلبية عن أحوال البلاد.

وعبر مدقات ودروب ضيقة يدلك الناس إلى طريق الورش والتي يقع معظمها أعلى الأبنية التاريخية في الخان وهي تعتبر النبض الحقيقي لقياس مدى تأثر الخان بالأحوال الراهنة، إذ توقف العمل بشكل كبير بهذه الورش التي كان أصوات النقر وحركة العمال بها والتي اختفت تماما تسمع طوال النهار والليل، ويقول عم حسين رجل ستيني يجلس أمام ورشته ويعلق أعلى الباب صورة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأخرى للرئيس السابق مبارك، وعند الاستفسار منه عن سبب تعليق هاتيتن الصورتين، أوضح عم حسين: «وأنا طفل كنا ننتظر قدوم عبد الناصر للصلاة في الأزهر وكان يحيينا من عربته المكشوفة».

ويتنهد العم حسين ويقول: «شاركت في الثورة منذ يوم 28 يناير ونزلنا في مسيرة من هنا وحتى مدخل ميدان طلعت حرب ولكن الغاز كان كثيفا جدا كدت أموت مختنقا، ولكني في الانتخابات الرئاسية اخترت الفريق أحمد شفيق لأني لم أصدق من يرفعون الشعارات باسم الدين، وكانت لافتات شفيق تمزق كل يوم أما الآن فبعد وصول الأحوال إلى هذا الحد من السوء، فأنا واضع صورة مبارك من نحو شهر ولم يمسها أحد، فأنا لم أضعها حبا فيه كشخص وإنما لأسترجع الأيام التي لم تكن تتوقف أيدينا عن العمل».