لماذا نبتسم.. كيف نميز بين الابتسامة الحقيقية والمزيفة

كتاب يكشف الجوانب العلمية وراء الابتسامات

TT

من خلال تعبيرات وجوه الأشخاص، التي نراها حولنا يوميا في كل مكان، يمكن أن نقول من هو الشخص السعيد أو التعيس والحزين أو المستاء أو المتوتر والمضطرب، إلى غير ذلك، فهذه التعبيرات الوجهية هي وسيلة غير لفظية لنقل المعلومات، ويمكن تفسيرها وقراءتها والاستدلال من خلالها على الحالة الانفعالية للفرد، فهي وسيلة رائعة وبسيطة للتواصل مع الأشخاص، حتى إذا كانوا لا يتكلمون نفس اللغة، خاصة إذا كانت تعبر عن الانفعالات الحقيقية. ولكن في بعض الأحيان يمكن أن تكون تعبيرات الوجه مضللة، ففي بعض الأحيان يبتسم الشخص عندما يكون حزينا لإخفاء مشاعره، لهذا يمكن القول بأن تعابير الوجه تكون مفيدة فقط إذا كانت تقول الحقيقة. وعلميا عندما نقوم بعمل التعبيرات الوجهية، فإننا نقوم بتقليص وتحريك عضلات الوجه. ولكي تحدث حالة التجهم والعبوس نحرك 62 عضلة، ولكن في حالة الابتسام نحتاج لتحريك 26 عضلة فقط. إذن.. لماذا لا تبتسم وتجعل يومك وحياتك أفضل بكثير؟

وعندما تكون تعبيرات الوجه الخارجية مغايرة ومخالفة لطبيعة المشاعر الإيجابية الحقيقية الداخلية، أي تكون تعبيرات الوجه بمثابة رسائل مزيفة، فإن ذلك يؤدي إلى اضطراب وحيرة وإرباك في التواصل والاتصال الحقيقي بين الأشخاص. فعلى سبيل المثال، أحيانا يظهر الشخص الابتسامة الخارجية مع أنه حزين داخليا، في هذه الحالة تكون الابتسامة مصطنعة ومتكلفة ومزيفة ويطلق عليها ابتسامة صفراء مزيفة أي غير صافية وغير حقيقية، فهو في هذه الحالة يطلق رسالة مزيفة، حيث إن بناءه النفسي الداخلي مغاير عن تعبير وجه الخارجي، أي أنه يمثل دور المبتسم، ويؤدي عدم ظهور المشاعر بصورتها الحقيقية الطبيعية إلى صراعات داخلية وضغوط نفسية، قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية جسمية. فالابتسامة الحقيقية هي ابتسامة صادقة بسيطة واضحة تعبر عن انفعالات ومشاعر داخلية إيجابية حقيقية طبيعية، وفيها تنقبض العضلات حول العينين، بينما الابتسامة المزيفة تمثل عبئا كبيرا وترتسم بصعوبة على وجه صاحبها، وفيها يتم سحب زوايا الشفاه إلى أعلى وإلى الخلف، وهي بمثابة قناع يخفي وراءه المشاعر والانفعالات الداخلية الحقيقية.

تقول البروفسورة ماريان لافرانس، أستاذة علم النفس بجامعة ييل الأميركية، التي درست الابتسامة لأكثر من 20 عاما، في كتابها بعنوان «لماذا نبتسم: العلم وراء التعبيرات الوجهية» والصادر حديثا خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي 2012، بأن، الابتسامة أداة متعددة الوظائف، فهي «مغناطيس اجتماعي» لنزع فتيل الغضب وإصلاح وتصحيح الروابط المتوترة بين الأشخاص، وحفظ الروابط الاجتماعية، بهدف الوصول لعلاقات وأعمال جيدة، وهي أكثر بكثير من مجرد التعبير بالبهجة. وللابتسامات عدة آثار ووظائف نفسية واجتماعية، على العلاقات والعمل والثقافة والسياسة، مثل فتح الصلات الاجتماعية والحد من الصراع بين الأشخاص، وتليين المواقف المحرجة، وتعزيز الانطباعات الأولية، التي من شأنها أن ترفع من احتمالات النتائج الإيجابية على المستوى الشخصي والمهني على حد سواء، كما أن الابتسامة تؤثر على كمية ونوعية العلاقات بين الأشخاص، التي تعد مهمة في تحقيق سعادتهم ورفاهيتهم، ولا بد أن يكون لدينا حد أدنى من مستوى الابتسامة في تفاعلاتنا اليومية حتى نعيش بإيجابية، ولكن رغم أن الابتسامات في كثير من الأحيان هي إشارة للسعادة والبهجة، فإنها يمكن أيضا أن تنقل وتخفي مجموعة متنوعة من الانفعالات السلبية مثل الحيرة والاحتقار أو الخداع، وتعتمد مشاعرنا تجاه الآخرين على طبيعة المواقف التفاعلية والأفراد الذين نتفاعل ونتواصل معهم.

وبالاعتماد على البحوث التي أجريت في جامعة ييل وكلية بوسطن الأميركيتين، فضلا عن أحدث الدراسات في علم النفس والطب وعلم الأجناس البشرية وعلم الأحياء وعلم الكومبيوتر، تكشف لافرانس في كتابها، الكثير من المعلومات حول تأثير الابتسامة أو عدم وجودها على الأشخاص الآخرين، وكيف تؤثر الابتسامة على حياتنا وعلاقاتنا، وكيفية معرفة الفرق بين الابتسامة الحقيقية والابتسامة الوهمية الزائفة، وكيفية فك الخلافات بين أنواع الابتسامات الزائفة، ومن الذي يظهر ابتسامات زائفة بصورة أكثر، ولماذا يميل الرجال إلى ابتسامة أقل من النساء، إلى غير ذلك من الموضوعات.

ففي دراسة منشورة بعدد نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 2012. بمجلة «Psychological Science» التي تصدرها جمعية علم النفس الأميركية، قامت كل من الباحثتين سارة بريسمان وتارا كرافت، من قسم علم النفس بجامعة كانساس الأميركية، بالتحقق من الفوائد المحتملة للابتسامة، من خلال النظر في الكيفية التي تتم بها الأنواع المختلفة من الابتسامات، والوعي بالابتسام، وتأثير ذلك على قدرة الأفراد على التعافي من التوتر، وتوصلت الدراسة إلى أن الابتسامة تقلل من معدل ضربات القلب وتخفف الإجهاد والتوتر وضغوط الحياة المختلفة.

تقول البروفسورة لافرانس، في مقابلة لمجلة «العالم الأميركي»، على الموقع الإلكتروني للمجلة «www.americanscientist.org»، وفي سؤال عن الأنواع المختلفة للابتسامات، بأن، السؤال الذي يتم سؤاله بصفة مستمرة من الكثير من الأفراد، هو عن كيفية الكشف عن الابتسامة الزائفة من الابتسامة الحقيقية. وتضيف بأن هناك ابتسامة اجتماعية متعمدة، وهي في كثير من الأحيان متعلمة، وليست مرتبطة بالضرورة مع العاطفة الإيجابية، ولكن هذا لا يعني أنها وهمية أو زائفة، فاجتماعي لا يعني أنه كاذب، بل يعني فقط أنه ليس مؤشرا على الانفعالات الإيجابية الكامنة. أعتقد أن أكثر الابتسامات تمثيلا هي تلك المستخدمة لإخفاء أو تغطية حالات انفعالية أخرى. وتقول لافرانس بأن هناك فرضية أساسية وهي أن الابتسامات الخاصة يتم اكتسابها عن طريق التقليد والنمذجة. وتضيف بأن هناك ابتسامات تنقل انفعالات ومشاعر غامضة أو مختلطة، مثل الابتسامات الحزينة، وابتسامات الازدراء، وابتسامات الملل، والابتسامات الغاضبة.

وعن الفروق بين الجنسين في الابتسام، تقول لافرانس، بأن الدراسات تشير إلى أن الفتيات والنساء في المتوسط يبتسمن أكثر من الفتيان والرجال، وعن أسباب ذلك، تقول، بأن أحد الأسباب قد تكون بيولوجية، فقد وجد الباحثون أن عضلات الابتسام الأساسية، أكثر سمكا في النساء عن الرجال. والسبب الثاني مهنيا يرتبط بطبيعة عملهن، وهو أن النساء يشغلن الوظائف الخدمية بصورة أكثر، حيث يعملن كممرضات ومدرسات ومضيفات. والسبب الثالث يرجع للتنشئة الاجتماعية، فالفتيات يولدن بتوجه إيجابي أكثر نحو الحد من الصراعات والاهتمام بالحياة الانفعالية للآخرين.

وتقول لافرانس في كتابها «لماذا نبتسم»، بأن الأدلة التجريبية تشير إلى أن الأشخاص الذين يبتسمون أكثر يميلون إلى العيش فترة أطول، لأن الابتسام يثير حالة انفعالية إيجابية، يسميها علماء النفس بفرضية «رد الفعل أو التغذية المرتدة (الراجعة) الوجهية». وتحلل لافرانس، المحتوى الخفي من الابتسامات ودورها في حياتنا، بدءا من تحليل المعلومات المذهلة عن ملاحظة ممارسة الأطفال الرضع للابتسام وهم لا يزالون في الرحم، إلى تحليل قلة الابتسامة لدى الأفراد في موقف السلطة عن مرؤوسيهم، وكذلك دراسة وتحليل الابتسامات في الثقافات والمهن والأعمار المختلفة، وتخلص المؤلفة في كتابها إلى أن للابتسامة وظيفة اجتماعية ضرورية للبقاء على قيد الحياة.